مناطق التسويات… تردي الوضع الصحي في درعا وغياب الدعم

ريان محمد

حقوق كثيرة حُرم منها أهالي “مناطق التسويات” في الجنوب السوري، لا سيّما حقّ الحصول على الرعاية الصحية اللائقة. ويأتي تردّي الوضع الاقتصادي ليزيد الأمور سوءاً، يُضاف إليه الوضع الوبائي مع انتشار فيروس كورونا الجديد.

ثلاث سنوات مرّت على سكان مناطق سيطرة المعارضة سابقاً في محافظة درعا، في جنوب سورية، أو ما يُعرف اليوم بـ”مناطق التسويات”، وهم محرومون من حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية من جرّاء عدم إعادة تأهيل المنشآت الطبية، بعدما دمّرها قصف النظام السوري والقوات الروسية قبل سيطرتهما على المنطقة في عام 2018 وسط غياب المنظمات الإنسانية الداعمة. وتقلّ فرص معظم سكان مناطق المصالحات بالوصول إلى الخدمات الصحية، فمن أصل 44 منشأة طبية كانت تتوزّع على المنطقة، أعاد الأهالي بدعم من المغتربين تأهيل أربع منشآت بشقّ الأنفس. وعلى الرغم من المبالغ الكبيرة التي أُنفقت عليها، فإنّها تقف عاجزة إلى حد كبير أمام حجم الاحتياجات.

يقول عقبة زوباني، ابن درعا، إنّ “الأهالي العاديين قد يستطيعون الوصول إلى المنشآت الطبية، لكن ثمّة مخاطرة وعقبات في المقابل، أبرزها العقبات الأمنية. فأيّ شخص مخالف للنظام، أو عمل ضدّه مدنياً أو عسكرياً، لا يمكن إسعافه إلى المستشفيات المتوفّرة في مناطق النظام لأنّها مكتظة بالشرطة والجيش، بالتالي فإنّ احتمال تصفية أو اعتقال الجريح أو المريض كبير جداً”. يضيف زوباني أنّ “ثمّة شريحة واسعة أخرى من المطلوبين للخدمة العسكرية في القوات النظامية، لا يستطيع أيّ منهم، في حال مرض أو تعرّض إلى محاولة اغتيال، دخول المستشفيات في مناطق النظام. وقد يؤدي ذلك إلى وفاة الجريح، مثل ما حدث مع الشاب يزن جعارة من بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي”. ويؤكد زوباني أنّ “كثيرين يحتاجون إلى العلاج، لكنّهم محرومون منه لعدم توفّر أطباء مختصّين أو تجهيزات طبية، من قبيل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير الطبقي المحوري، إلى جانب نقص في الكوادر الصحية. ومن يتعاطف مع المريض ويساعده يصير معرّضاً إلى الاعتقال. وثمّة ممرّضون كثر، كانوا قد تركوا وظائفهم قبل عام 2018، ما زالوا مطلوبين من قبل الأمن، ما يحول دون قدرتهم على التوجه إلى مناطق سيطرة النظام المطلقة، ففي مناطقنا ما زالت سيطرته محدودة في داخل البلدات والمدن”. ويلفت زوباني إلى أنّه “من العوامل التي تحول دون حصول الناس على العلاج الصحي، ارتفاع أسعار الأدوية، خصوصاً أنّها تضاعفت مرات عدة مقارنة بالعام الفائت، من جرّاء انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، في حين لا تتوفّر جهات تقدّم الدواء أو تدعم أسعاره”.

وفي تقرير نُشر أخيراً، يذكر “تجمع أحرار حوران”، وهو موقع إعلامي محلّي مختصّ في شؤون درعا، أنّ “مستشفى نوى الوطني فقد العديد من خدماته الطبية، التي كان يقدمها مجاناً، بعد دخول النظام إلى المنطقة وسيطرته عليها، وخاصة خدمات الإسعاف والعناية والعيادات الطبية والنسائية والتوليد والجراحة، كبرى وصغرى، وأخرج النظام المستشفى من الخدمة، من جرّاء استهدافه بالقصف وخسارته معظم تجهيزاته وتخريبه، بالإضافة إلى فصل كادره الطبي من العمل”. أضاف التقرير أنّ “أهالي نوى والقرى التابعة لها أطلقوا، في مطلع العام الجاري، حملة أهلية لجمع التبرعات، مع انتشار فيروس كورونا الجديد، لإصلاح بعض الأعطال في وحدة الأكسجين والأبراج الخاصة بها في مستشفى نوى الوطني، الذي ما زال عاجزاً عن تقديم أبسط أنواع الرعاية الصحية. وعلى الرغم من توفّر مستشفى خاص آخر في المنطقة تتوفر فيه كوادر طبية وتجهيزات لازمة، فإنّ المواطنين بمعظمهم يعجزون عن تحمّل تكاليف العلاج المرتفعة جداً من جرّاء تدهور الأوضاع الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، يقول المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أبو محمود الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إنّ “ثمّة سبعة مستشفيات في مناطق النظام، منها في مدينة درعا، مثل مستشفيات اليرموك والرحمة والشفاء والشرق، تتوفر فيها بعض الخدمات الطبية، بالإضافة إلى مستشفى درعا الوطني ومستشفى إزرع الحكومي ومستشفى الصنمين العسكري، وهي في مناطق سيطرة النظام الأساسية. وفي مناطق التسويات، مستشفى بصرى الشام الوطني ومستشفى طفس ومستشفى الجيزة. وثمّة مستشفيات قائمة لكنّها غير مفعلة، مثل مستشفيَي جاسم ونوى، وأخرى مدمّرة مثل مستشفى الحراك”. ويؤكد الحوراني “عدم قدرة المواطنين على الوصول إلى المستشفيات الخاصة أو العامة في مناطق النظام، خصوصاً إذا كان لديهم موقف سياسي أو ثمّة إجراء أمني في حقهم. كذلك تعاني المستشفيات بشكل عام من نقص في الكوادر الطبية التي هاجرت أعداد كبيرة منهم، وقد يكون تردّي الوضع الاقتصادي من أبرز الصعوبات”.

وكانت المنشآت الطبية في “مناطق التسويات”، بحسب تقرير “تجمع أحرار حوران” نفسه، قد قدّمت خدمات طبية لأكثر من 593 مدنياً قبل سيطرة النظام، الذي استخدم العنف المفرط وقصف القطاع الصحي والبنية التحتية من ضمن سياسة الحصار، إلى جانب إفقاد المجتمع الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى نهب القوات الحكومية والمليشيات الموالية الأجهزة والمعدات الطبية، ما تسبّب في تردي واقع الخدمات الصحية. يضيف التقرير أنّ الأهالي يتوجّهون إلى مستشفى بصرى الشام في شرق درعا ومستشفى طفس في غربها، ما تسبب في زيادة الضغط عليهما، في حين تراجع دور مستشفَيي نوى والجيزة إلى أبسط الخدمات الطبية وتحوّلا إلى مستوصفَين بسيطَين. وتحذّر مصادر محلية في ريف درعا من تراجع الخدمات التي يقدّمها مستشفى طفس العامل بدعم أهلي، من جرّاء غياب الدعم وقيام خدماته على ما يقدّمه الكادر من جهود تطوعية. وبحسب تقرير التجمّع، يهدّد خروج مستشفى طفس عن الخدمة بفقدان الأهالي نحو ثمانية آلاف خدمة إسعافية شهرياً ونحو 600 عمل جراحي وولادة.

أظهر انتشار فيروس كورونا الجديد العجز الذي يعانيه القطاع الطبي في “مناطق التسويات”، وإن كانت المنشآت ليست أفضل بكثير في مناطق النظام إذ تعجز عن تقديم الأدوية والأكسجين، بالإضافة إلى عدم توفّر أماكن كافية في وحدات العناية المركّزة ونقص في أجهزة التنفس الصناعي، ما دفع إلى ظهور مبادرات أهلية ومحلية تعتمد على التبرعات لتأمين تلك الاحتياجات. لكنّ تفاقم الاحتياجات تزامناً مع تردّي الوضع الاقتصادي للأهالي والمغتربين أثّر بشكل أكبر بكثير على الإمكانيات والموارد المتاحة، خصوصاً عقب تراجع دور المنظمات الإنسانية الدولية، في حين ثمّة دور محدود محلياً لمنظمة الهلال الأحمر السوري. ومن تلك المبادرات التي نشأت تحت ضغط الاحتياجات الناتجة عن تفشي وباء كورونا، بحسب تقرير التجمّع، حملة أهلية في بصرى الشام العام الماضي لإعادة تأهيل مستشفى بصرى الشام الوطني، بهدف تأمين الرعاية الصحية للمصابين من أدوية وأكسجين ومعقمات وأماكن للحجر الصحي. كذلك سُجّلت في المحافظة مبادرات أهلية عديدة لتأمين أسطوانات الأكسجين والمعقمات والأدوية، في ظلّ عدم قيام النظام بتأهيل المستشفيات وتأمين الاحتياجات الطبية بشكل كافٍ. كذلك قامت لجان أهلية في بلدة الغارية الشرقية في ريف درعا الشرقي، نهاية العام الماضي، بحملة تهدف إلى إعمار مستشفى الإحسان في البلدة، الذي دُمّر في عام 2018 خلال الحملة العسكرية التي شنّها النظام للسيطرة على المنطقة، وذلك بتكلفة تصل إلى مليار ليرة سورية (نحو مليونَين و150 ألف دولار أميركي).

وفي “مناطق التسويات”، من الممكن أن تسمع قصص معاناة كثيرة لأشخاص يعجزون عن الحصول على الخدمات الصحية. وفي هذا الإطار، يقول أيهم السعدي من مخيم درعا لـ”العربي الجديد” إنّ “ثمّة أزمة كبيرة يعانيها المرضى، وهي عدم توفّر أجهزة طبية مثل أجهزة التصوير وبعض أنواع التحاليل. وإذا كان في إمكانهم مراجعة المستشفى العام، فقد يضطرون إلى الانتظار لفترات طويلة”. ويلفت إلى “انتشار المجموعات الخيرية والإغاثية، لكنّ التكاليف المرتفعة لا تسمح بتغطية الاحتياجات”. ويتحدث السعدي عن “نقص في الأدوية ورفع أسعار المتوفّر منها، وترك الناس بدون خيارات، حتى المستشفيات لا تقدم الأدوية التي يحتاجها المرضى، والأسوأ عدم توفر الاختصاصيين بشكل دائم”.

تجدر الإشارة إلى أنّ الأمم المتحدة أطلقت مناشدة لهذا العام بقيمة 3.3 مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في داخل سورية، بالإضافة إلى 5.2 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة ودعم المجتمعات المضيفة. وفي العام الماضي، حصلت خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المضيفة لهم لعام 2019 على 58 في المائة من التمويل المطلوب، أي 5.4 مليارات دولار. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئن، فإنّ “قلة المساعدات ومحدودية فرص الحصول على الخدمات الصحية والتعليم تزيد من التكاليف اليومية وتهدد بدفع أسر اللاجئين إلى دوامة من الضعف لا يمكن تداركها”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى