النظام يستعجل التصعيد: خرق الهدنة وحشود ريفي إدلب وحلب

عدنان أحمد

على الرغم من تواصل وقف إطلاق النار بشكلٍ عام في شمال غرب سورية منذ حوالي 20 يوماً، إلا أن قوات النظام السوري واصلت خروقاتها للاتفاق، عبر قصفٍ متقطع أو محاولات تسلل، في وقت دعا فيه المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون إلى وقف كامل لإطلاق النار حتى يتسنى التفرغ لمحاربة وباء كورونا المستجد. واستقدمت قوات النظام خلال اليومين الماضيين مزيداً من التعزيزات من وحداتها ومن عناصر المليشيات الإيرانية التي تقاتل معها، إلى الشمال السوري، خصوصاً إلى ريف إدلب الجنوبي، وسط مؤشرات عن نية النظام وروسيا استئناف العمليات العسكرية في هذه المنطقة، بغية السيطرة على الطريق الدولية “إم 4” (حلب – اللاذقية) بالكامل، على الرغم من نفي موسكو رسمياً وجود خططٍ لعمل عسكري وشيك هناك. وبعثت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الأخيرة إلى دمشق، برسالةٍ مُلتبسة حول النوايا الحقيقية لروسيا في هذا الإطار. وكانت وسائل إعلام روسية وتابعة للنظام قد كشفت عن هذه الزيارة أول من أمس الاثنين، من دون تحديد توقيتها. وبحسب وكالة “سانا”، فإن الزيارة تناولت بحث “انتهاكات المجموعات المسلحة المستمرة للاتفاق الروسي – التركي، وآليات تنفيذ هذا الاتفاق المتضمن إبعاد المسلحين عن طريق حلب اللاذقية”.

وفي خرق جديد لقوات النظام، رصد مراسل “العربي الجديد” قصفاً بالمدفعية الثقيلة أمس لبلدات كفرعويد وكنصفرة والبارة وآفس في ريف إدلب الجنوبي، فيما ردّت الفصائل باستهداف مواقع النظام في سراقب وكفرنبل بقذائف صاروخية عدة. كما دمرت جرافة عسكرية لقوات النظام على محور مدينة سراقب شرق إدلب، أثناء رفعها سواتر ترابية في المنطقة. وتزامن ذلك مع مواصلة طائرات الاستطلاع الروسية التحليق في أجواء منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.

في غضون ذلك، استقدمت المليشيات الإيرانية والمدعومة من إيران، والمقاتلة إلى جانب النظام السوري، مزيداً من التعزيزات إلى خطوط المواجهة في شمال غربي سورية. وذكرت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، أن المليشيات الإيرانية عزّزت إلى جانب المليشيات المحلية والعراقية والأفغانية واللبنانية والفلسطينية، مواقعها في جبهات سراقب وكفرنبل وجبل الزاوية في ريف إدلب، وذلك بالتزامن مع استمرار الجيش التركي في تحصين مواقعه في محيط الطريق الدولية حلب – اللاذقية، وخصوصاً في ناحية جبل الزاوية وجسر الشغور.

وذكر مقاتل من “الجبهة الوطنية للتحرير”، لـ”العربي الجديد”، أنه تمّ رصد وصول تعزيزات لقوات النظام والمليشيات الإيرانية، على رأسها مليشيا “قوات الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” اللبناني، والتي تتمركز حالياً في محيطي سراقب وكفرنبل، إضافة إلى وصول مجموعات من “الحرس الثوري” الإيراني إلى محاور جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي الغربي، المتاخم لريف إدلب الجنوبي الغربي. ويرى مراقبون أن تكثيف التعزيزات، ربما يشير إلى اعتزام قوات النظام استئناف العمليات العسكرية، وخرق اتفاق وقف النار الذي تمّ التوصل إليه قبل 20 يوماً بين الجانبين الروسي والتركي. وفي حال استئناف العمليات العسكرية، من المتوقع أن يكون الاستهداف للمناطق المحيطة بالطريق الدولية “إم 4” في ريف إدلب الجنوبي الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية، حيث تتمركز تعزيزات الجيش النظامي متمثلاً بالقوات الخاصة وقوات الفرقة الرابعة، ترافقها مليشيات تابعة لها مثل “قوات النمر” و”قوات النخبة” التي تتبع للقوات الخاصة بقيادة سهيل الحسن، إلى جانب مليشيات “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا، والذي بات يضم في صفوفه عدداً كبيراً من مقاتلي فصائل المعارضة السابقين، ومليشيات “الدفاع الوطني” المنقسمة بين الدعم الإيراني والروسي والدعم المحلي من قبل موالين للنظام.

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الانسان”، فقد انتشرت في محيط كفرنبل ما تُعرف بقوات 313، وهي قوات ممولة ومدعومة من قبل إيران، وتضم مقاتلين محليين وغير سوريين. وفي محيط سراقب، تنتشر بحسب المرصد “قوات الرضوان” التابعة لـ”حزب الله”، إضافةً إلى انتشار قوات من المليشيات العراقية الموالية لإيران. كما عززت هذه المليشيات نقاط تمركزها في محيط جبل شحشبو شمال غرب حماة، حيث انتشرت مليشيات تسمى بـ”فوج النبي الأكرم”، وهي موالية لإيران. كما حصنت المليشيات الموالية لإيران نقاط تمركزها، وجلبت تعزيزات إضافية، إلى منطقة العيس في ريف حلب الجنوبي، وانتشرت في بعض المواقع الجديدة في محيط المنطقة، مع تزويد جميع المناطق المذكورة بالأسلحة الثقيلة، بحسب المرصد، الذي أضاف أن المليشيات العراقية الموالية لإيران عززت بدورها مواقعها في جبل عزان الواقع في ريف حلب الجنوبي، وجلبت عتاداً ثقيلاً وعناصر إلى المنطقة، وتمركزت ضمن مواقع جديدة.

وتزامنت هذه التطورات مع زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إلى دمشق، حيث التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد. وقالت وسائل إعلام النظام إن شويغو بحث مع الأسد اتفاق إدلب بين روسيا وتركيا، وآليات تنفيذ الاتفاق، إضافةً إلى الوضع في الجزيرة السورية والخطوات التي يتخذها النظام لاستعادة “الأمن والاستقرار” في مختلف المناطق السورية.

وذكرت وكالة “سانا” الرسمية أن المحادثات التي تم الإعلان عنها أول من أمس تناولت بشكل خاص ما سمتها “انتهاكات التنظيمات المسلحة المستمرة للهدنة، وآليات تنفيذ الاتفاقيات المتضمنة إبعاد المسلحين عن طريق حلب اللاذقية الدولية بعمق ستة كيلومترات، بما يتيح إعادة العمل به” على حد زعمها، مشيرة إلى وجود “توافق في الآراء حول السياسات والخطوات المشتركة في المرحلة المقبلة”. وذكرت وسائل إعلام روسية، من جهتها، أن شويغو خضع فور عودته من سورية ولقائه الأسد، لاختبار الكشف عن فيروس “كورونا”، مشيرة إلى أن نتائج التحاليل والاختبارات جاءت سلبية.

وإضافة إلى الوضع في محافظة إدلب، يلفت مراقبون إلى أن التحركات الروسية الأخيرة في سورية ربما ترتبط أيضاً بالمنطقة الشرقية، لا سيما بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، التي وصلت إليها أخيراً تعزيزات عسكرية لقوات النظام.

وفي ظل هذه الأجواء، طالب المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، بوقف فوري وكامل لإطلاق النار على مستوى البلاد، حتى يتسنى بذل جهد شامل لمكافحة وباء كورونا، لافتاً إلى أن اتفاقات وقف إطلاق النار الأخيرة، خفضت وتيرة العنف في شمال شرق وشمال غرب سورية. كما ناشد بيدرسون النظام إطلاق سراح واسع النطاق للمحتجزين والأسرى في البلاد، لاعتبارات إنسانية وتقديم الرعاية للمسجونين

وكانت روسيا قد أعلنت يوم الاثنين الماضي أن الوضع في منطقة إدلب وريفها بالشمال السوري “مستقر”، ولا يوجد أي عمل عسكري الآن، بحسب المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام روسية. وأضاف بيسكوف أن الدوريات المشتركة بين تركيا وروسيا جارية حالياً على الطريق الدولية حلب – اللاذقية، وهذا يدفع إلى القول إنه لا يوجد عمل عسكري في المنطقة.

وتزامن تصريح المتحدث الروسي مع تسيير الدورية الثانية المشتركة لتركيا وروسيا على الـ”إم 4″، لكنها كانت مختصرة بسبب اعتصام المدنيين على الطريق، ومنع الدوريات الروسية من المرور. واتهمت وزارة الدفاع الروسية، الأسبوع الماضي، ما وصفتها بـ”المجموعات الإرهابية” بمنع تسيير الدوريات، ومنحت أنقرة “وقتاً إضافياً” من أجل تصفية “الإرهابيين” وتوفير الظروف الآمنة لتسيير الدوريات. وكان الرئيسان التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، اتفقا في الخامس من مارس/ آذار الحالي، على وقف إطلاق النار في إدلب، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولية. لكن تسيير الدوريات واجه رفضاً شعبياً، من قبل مدنيين وعسكريين في إدلب، نظموا اعتصاماً مفتوحاً على الطريق لمنع مرور الدوريات الروسية.

وأبقى الاتفاق مصير منطقة جبل الزاوية جنوبي الطريق الدولية “إم 4″، والخاضعة حالياً لسيطرة المعارضة، مجهولاً إلى حد بعيد. وأغلب هذه المناطق نزح منها سكانها خلال العمليات العسكرية الأخيرة، وما زال هؤلاء يرفضون العودة إلى قراهم خشية تجدد المعارك، إضافة إلى عمليات القصف شبه اليومية لمناطقهم من جانب قوات النظام، حتى مع سريان وقف النار.

وبحسب تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في العاشر من مارس/ آذار الحالي، لوكالة الأنباء التركية “الأناضول”، فإن جنوب طريق “إم 4” سيخضع للرقابة الروسية، فيما سيكون شماله تحت رقابة الأتراك، وهو ما زاد مصير جبل الزاوية الواقع جنوبي الطريق الدولي، غموضاً، وفتح إمكانية وقوعه تحت سيطرة النظام.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى