تربى ميشيل كيلو في بيت شيوعي ستاليني، وعاش حياته السياسية والفكرية وسط عالم العلمانيين والعروبيين وحتى الإسلاميين المتنورين والمعتدلين، ونظر إلى الطائفية من زاوية السياسي العقلاني والمعارض الوطني التقدمي، ودخل في جدل حول الخطر المزعوم الذي ينتظر مسيحيي الشرق في حال سقوط النظام السوري، الذي قدمه البعض حامياً للأقليات، ورد على تهافت الأطروحة؛ بل عاب على بعض المسيحيين في سوريا وخارجها، أن يميزوا أنفسهم على نحو يضعهم على مسافة من بقية أشقائهم في بقية الطوائف الأخرى. وما يسند رأي كيلو هو أن المسيحيين لم يعانوا تمييزاً سلبياً خاصاً عبر تاريخ سوريا الحديث، رغم حصول هزات وانقلابات ومواجهات أهلية، وما نال بقية السوريين وقع عليهم.
ورأى كيلو أن المسيحية الشرقية ترتكب خطأً قاتلاً في انفكاكها عن “الجماعة التاريخية” على حد تعبيره. وشرح هذه الأطروحة في أكثر من مقال، ما أثار عليه حملات من النقد من طرف بعض الأقلام التي تقف في المعسكر الآخر. ولكنه ظل ثابتا عند الدعوة إلى “رد المسيحية إلى مكانها الصحيح من مجتمعاتها”. وذهب أبعد حين رأى أن واجب المسيحيين أن يبادروا إلى فتح هذا النقاش، أو عقد مؤتمر يضم ممثلين عنهم يلتقون في بيـروت أو القاهرة، “يتدارسون خلاله كل ما هو ضروري لرد المسيحية إلى موقعها التاريخي كجزء من المجتمع العربي/ الإسلامي”، وعليها بذلك أن تخوض معاركه وتشاركه مصيره، تفرح لفرحه وتحزن لحزنه، وترفض اعتبار نفسه جزءاً من سلطاته أو خادماً لديها، فتتقاسم مع مواطنيها أقدارهم، سهلة كانت أو صعبة. بغير ذلك، لن تبقى المسيحية في هذه المنطقة، و”سيكون مصيرهم كمصير النظم التي يخدمونها: على كف عفريت، وخاصة إن انتصرت بالفعل جماعات الإسلام السياسي المتطرفة”. وفي بداية الثورة السورية رد كيلو على تصريحات بطريرك الموارنة بشارة الراعي التي أطلقها من باريس، حيث رأى أنه وضع المسألة في “سياق خاطئ”، واصفاً موقفه بـ “غير المنطقي” و”غير المقبول”. وشدد كيلو على أن البطريريك الراعي رئيس أقلية مسيحية في المشرق، وبالتالي هو لا يتحدث باسم المسيحيين. وقال: “الراعي يتحدث فقط باسم كنيسته، وهو لا يلزم أحداً بمواقفه”، لافتاً إلى أن أكثرية المسيحيين في سوريا هم من الأرثوذكس، أما الموارنة في سوريا فأقلية تنتشر في حلب وفي مشتى الحلو وحمص، وعدد محدود في اللاذقية، مؤكداً أن المسيحيين جزء أساسي من المجتمع السوري، وبالتالي يجب أن يكونوا راغبين في حل مشكلات هذا المجتمع المزمنة.
وتفرد كيلو في الموقف من الإسلام السياسي، والإخوان المسلمين تحديداً، وهو ردد في أكثر من مرة أنه “إذا كان رأيي تعبيراً عن ديموقراطية مدنية وعلمانية، ورأيهم تعبيراً عن ديموقراطية إسلامية، فلا ضير في ذلك ما دامت الديموقراطية هي القاسم المشترك بيننا، فسوف نقبل المسلمين الذين يتسلمون زمام السلطة عن طريق الانتخابات، شرط أن يقبلوا بالنظام الديموقراطي”. وخاض حوارات على هذا الأساس، وكتب مقالات من أجل كسر الحواجز، وإشراك جميع الأطراف في صياغة رؤية واحدة لسوريا المستقبل، وكان موقفه لافتاً من مسألتي السلاح والمذهبية في بداية الثورة، واتخذ موقفاً حاداً منهما. وبالنسبة إلى السلاح، فإنه “سيؤدي إلى معركة ينتصر فيها من يملك سلاحاً أكثر، ولديه الاستعداد لممارسة عنف أشد”، ذلك أن استخدام السلاح، يحول المعركة من صراع في سبيل حقوق إلى “همجية لا هدف لها غير قتل الآخر”. أما المذهبية فـ “ستحدث في حال نجاحهاـ نقلة نوعية في طابع الحراك الجماهيري وأهدافه وقواه، وستلعب دوراً كبيراً في رده إلى الوراء”. ورد ذلك إلى حال الوضع بين عامي 1978 ـــــ 1982، عندما همشت الحركة المسلحة الشعب، وخاضت معركتها على أسس مذهبية/ طائفية، كان من الحتمي أن تؤسس لموازين قوى أفضت إلى هزيمتها. وبالنسبة إلى كيلو ليست معركة سوريا، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تصير دينية أو مذهبية أو طائفية. سوريا تريد الحرية، ومن يحرفها عن هذا الهدف الجامع يخنها ويفرط بتضحياتها وفرصها، مهما كانت مسوغاته.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا