لم تكشف دمشق الكثير عن تفاصيل الزيارة التي أجراها مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا الكسندر لافرنتييف واللقاء الذي عقده مع بشار الأسد وعدد من قادة النظام الجمعة، لكن الإشارات العابرة إلى ملف اللجنة الدستورية أكد عدم امكانية انعقاد جولة جديدة لها خلال الأيام القليلة المقبلة.
وحسب إعلام النظام فإن اللقاء “بحث آخر تطورات الملف السوري، وعلى رأسها أعمال اللجنة الدستورية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية المفروضة على سوريا”.
وحمّل موقع رئاسة الجمهورية أطرافاً خارجية المسؤولية عن عرقلة أعمال اللجنة الدستورية، وقال إن الطرفين “اعتبرا أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تعرقل عمل اللجنة، وأكدا أن أي تقدم على المسار السياسي يتطلب التزاماً بالمبادئ الأساسية والثوابت التي يتمسك بها السوريون بخصوص مكافحة الإرهاب وحماية وحدة وسلامة الأراضي السورية، والتي لا يملك أي طرف الحق في التنازل عنها”.
وتأتي زيارة مبعوث بوتين إلى دمشق في وقت كان يفترض فيه عقد الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وهي الزيارة الثالثة لسوريا، حيث سبق وأن زارها في آب/اغسطس 2020، والتقى الأسد قبل أيام من انعقاد الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة، تبعتها زيارة أخرى بعد شهرين، وكان الهدف منها التحضير لانعقاد مؤتمر “اللاجئين” الذي استضافته العاصمة السورية في تشرين الأول/أوكتوبر.
وكان الاجتماع حول سوريا الذي استضافته قطر في الحادي عشر من آذار/مارس 2021، وضمّ وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر، قد خلص إلى ضرورة السعي لعقد الجولة السادسة للجنة الدستورية قبل منتصف شهر نيسان/أبريل، ورغم تأكيد وزير خارجية روسيا على هذا الموعد في تصريحات لاحقة، إلا أن الترتيبات اصطدمت مجدداً بمماطلة وفد النظام وتعمّد عرقلتها.
لقاء الدوحة الثلاثي وما صدر عنه بخصوص العملية السياسية في سوريا بشكل عام، ومفاوضات اللجنة الدستورية بشكل خاص، يبدو أنه شجع وفد الأمم المتحدة إلى سوريا لإجراء اتصالات مع الأطراف الثلاثة الممثلة في اللجنة من أجل التحضير لعقد جولة جديدة قبل بداية رمضان، كان يفترض أن تناقش المضامين الدستورية، حيث طلب المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن من رئيسي وفدي المعارضة والنظام تقديم مقترح لجدول أعمال الجلسة ينسجم والمواضيع التي تم الاتفاق في الجولة الماضية على مناقشتها خلال الجولة السادسة التي لم تنعقد بعد.
وحسب مصادر معارضة فإن وفد النظام قدّم ورقة عمل خلت من أي مقترحات جادة واقتصرت على الجمل الإنشائية والعبارات المكررة حول السيادة الوطنية ووحدة أراضي سوريا ومكافحة الإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية، دون التطرق إلى اختصاص عمل اللجنة.
ويقول عضو وفد المعارضة العميد ابراهيم جباوي “المدن”، إن الوفد سبق وأن أرسل قبل ستة أسابيع مقترحاً حول جدول أعمال الجولة السادسة بناءً على ما تم الاتفاق حوله في الجولة الماضية، و”بينما تقدمنا ببرنامج عمل للجولة القادمة يتضمن مناقشة مبادئ ومضامين دستورية، فإن ردّ النظام خلا من أي اقتراحات جدية يمكن مناقشتها، الأمر الذي تسبب بإحباط جديد للفريق الأممي على ما يبدو، والذي لم يبلغنا بعد ذلك بأي جديد يذكر”.
وعادة ما يقوم الفريق الأممي بنقل مقترحات كل طرف إلى الآخر قبل عقد أي جولة من المفاوضات، من أجل تسجيل الملاحظات حولها قبل عقد لقاء غير مباشر بين رئيسي الوفدين، يكون بمثابة إعلان عن الاستعداد لانطلاق الجولة الجديدة، بعد أن يتم الاتفاق فيه على الخطوط الأساسية لما سيتم مناقشته فيها، وهو ما لم يتم حتى الآن.
ويرى جباوي أن الطرف الآخر يواصل سياسة التعطيل والمراوغة التي يعتمدها منذ بداية المفاوضات، ما يؤكد مجدداً عدم جدية النظام في المشاركة بأعمال اللجنة الدستورية، محملاً روسيا المسؤولية عن استمرار النظام بالمماطلة، بسبب عدم قيامها بالضغط الكافي لإجباره على الانخراط في الحل السياسي.
لكن عضو وفد المجتمع المدني في اللجنة الدستورية إيلاف ياسين ترى “أن الروس على ما يبدو غير قادرين على القيام بالضغط الكافي على النظام من أجل ذلك”، وأن الحديث عن موعد قريب لانعقاد الجولة السادسة لا يبدو منطقياً.
وتضيف في تصريح ل”المدن”، أن “كلاً من كتلة المجتمع المدني ووفد المعارضة قدّم أجندة عمل مقترحة للجولة القادمة، بناء على رؤيتنا حول ما نعتقد أنه يفيد في دفع العملية الدستورية، لكن النظام مصرّ على إضاعة الوقت بالحديث في الورقة التي قدمها للمبعوث الدولي عن مسائل لا علاقة لها بعمل اللجنة الدستورية، ولا تشير إلى اهتمامه بعقد جولة سادسة لها، وبالتالي فإن تفاؤل وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي تحدث عنه باستئناف قريب لعمل اجتماعات اللجنة الدستورية لا يبدو أنه مبني على أي أساس”.
ومن الواضح أن تعطيل النظام لعقد جولة سادسة للجنة الدستورية السورية لا يُفاجىء أحداً، لكن اللافت عدم اهتمام المعارضة بزيارة مبعوث الرئيس الروسي الأخيرة إلى دمشق، حيث جرت العادة أن تحظى لقاءات المسؤولين الروس مع قادة النظام باهتمام كبير ومحاولات لقراءة ما يمكن أن تسفر عنه، لكن إصرار موسكو على مواصلة دعم مواقف النظام يبدو أنه حسم التقديرات حول إمكانية أن يكون لدى الروس مشروع جاد للحل السياسي في سوريا، على الأقل حالياً.
المصدر: المدن