تبحث العروبة القبلية عن الأصل والنسب، فهي عروبة القبيلة والدم، بالتالي فلكي يكون البلد عربيا يجب أن يكون سكانه من أصول عربية وإذا وجدت أعراق أخرى فالبلد لن يكون عربيا صافيا، وفق ذلك وفي المراجعات التاريخية لا يمكن أن يقال عن بشار بن برد أنه ينتمي للعروبة بغض النظر عن مساهمته الشعرية العربية، كما لا يمكن أن يقال ذلك عن سيبويه أحد أكبر علماء النحو، وتقف العروبة القبلية حائرة أمام صلاح الدين الأيوبي بأصوله الكردية، وربما تقف حائرة أمام أحمد شوقي الشاعر المصري العظيم بأصوله التركية.
وتضطر العروبة القبلية إلى تبني خطاب مزدوج في مسألة عروبة مصر وقسم هام من سكانها من أصول قبطية، وكذلك بلدان المغرب وغالبية سكانهم الأصليين من البربر قبل الاسلام (كان هناك أعراق أخرى قبل الإسلام منها القرطاجيين الفينيقيين والروم) ولا يعلم أحد على وجه اليقين ماهي نسبة الدم العربي الصافي في بلدان المغرب العربي بعد أن اختلطت الدماء عبر مئات السنين.
ويمثل الأندلس بحضارته العظيمة واحدة من أكثر المسائل صعوبة أمام العربية القبلية، فالقبائل العربية التي هاجرت للأندلس وساهمت بدون شك في نشر اللغة العربية لا تمثل غالبية سكان الأندلس بل أحد مكوناته، في حين أن سكان الأندلس قد تعربوا فعلا بلغتهم وثقافتهم وعاداتهم في ظل الاسلام حتى من بقي منهم على المسيحية أو اليهودية.
العروبة القبلية هي مزيج من النزعة القبلية المغرقة في القدم والتأثيرات الفكرية للأفكار القومية الأوربية التي سادت في نهاية القرن التاسع عشر.
من أجل ذلك بحث بعض القوميين العرب عن بسمارك عربي يوحد الأقطار العربية وسقطت عندهم فكرة الديمقراطية إلى المرتبة الثانية أو الثالثة. في عصر ارتفعت فيه الديمقراطية في الغرب على حساب التأثيرات القومية السابقة.
من وجهة نظر العصر تبدو العروبة القبلية نزعة قديمة، لكن الأمر يختلف بالنسبة للعروبة الحضارية.
فالعروبة الحضارية ليست رابطة النسب والدم، بل هي رابطة اللغة والثقافة، رابطة تتصل بتاريخ طويل مشترك من تبادل المعرفة والأدب والشعر والعلم والتراث الاسلامي، ومثل تلك الرابطة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها فهي حقيقة موضوعية وليست ايديولوجية برسم السياسة.
بالتالي فوجود أعراق أخرى ضمن بوتقتها الحضارية لا يمثل مشكلة بل مصدر غنى واعتزاز.
فصلاح الدين الكردي كان يفكر بعقل الأمة وليس بعقل العرق والنسب، وكان هدفه تحرير بيت المقدس وليس الفوز بكيان منفصل في الموصل، ومن أجل ذلك أصبح بطلا ورمزا تاريخيا.
وفي الأندلس وخلال أقل من مئة عام سادت اللغة العربية، وأسلمت الغالبية الساحقة من السكان الأصليين. وخلال مئات السنين أصبح الأندلسيون جزءا أصيلا من الحضارة العربية – الاسلامية بل كانوا في مقدمتها في حقول عديدة منها الشعر (أبو البقاء الرندي والمعتمد بن عباد) والفلسفة (ابن رشد وابن الطفيل وابن باجه) والعلوم الاسلامية (ابن حزم والقرطبي) والتاريخ والاجتماع (ابن خلدون) والطب وعلوم الأدوية (ابن البيطار) والرياضيات والفلك (عباس بن فرناس). وغيرهم.
ومن السخف أن يعاد تصنيف أعلام الأندلس من شعراء وأدباء وعلماء وفلاسفة وفق أصولهم العرقية فجميعهم ينتمون إلى بوتقة حضارية واحدة تتمثل في الهوية العربية – الاسلامية.
هكذا فاذا كانت العروبة القبلية نزعة برسم الماضي فالعروبة الحضارية حقيقة من حقائق المستقبل.
المصدر: صفحة معقل زهور عدي