العالم إلى أين؟ – ٣ –     متغيرات عالمية

د- عبد الناصر سكرية

– التطرف الديني.
يمتد العالم العربي والإسلامي ومعه بلدان أفريقية جميعا، على مساحات جغرافية إستراتيجية وحيوية هامة جدا بالنسبة للسياسة الدولية بما تتميز به من مواقع إستراتيجية برية وبحرية وبما تختزنه أراضيها الشاسعة من ثروات طبيعية من مختلف أنواع الموارد الحيوية الأساسية للصناعات والحياة الحديثة؛ وليس النفط فقط؛ وبما تتمتع به من طاقات بشرية شبابية متنوعة ومن حيوية إنسانية عالية. جميع مجتمعات هذه البلدان متدينة أو تميل إلى الإيمان الديني كقوة محركة مؤثرة في حياتها..
هذه البلدان ذاتها هي في ذات الوقت محط أطماع قوى وأطراف النظام العالمي الرأسمالي الذي يعمل للسيطرة على كل موارد البشر وطاقاتهم الذاتية والطبيعية..
كما أن هذه البلدان عرفت منذ بدايات خمسينات القرن العشرين ثورات تحررية هدفت إلى التحرر الوطني من جهة والاستقلال السياسي والاقتصادي من جهة ثانية. وكثير منها نجح في إنجاز مراحل مهمة في تلك الاتجاهات الاستقلالية فتصاعد الخطاب الوطني التحرري النهضوي في عمومها بتأثير مباشر ودعم واضح من مصر العربية الحرة بقيادة جمال عبد الناصر لها. وهو الأمر الذي أزعج أطراف النظام العالمي الرأسمالي وساهم بفعالية في تأسيس توازنات دولية لصالح البلدان النامية المتطلعة الى التحرر الكامل. وكانت حركة عدم الانحياز القوة الأساسية في ذلك التوازن الدولي..
وفي أوروبا كان من نتائج الحرب العالمية الثانية، صعود الحركات الشعبية الوطنية ذات الطابع المطلبي الحياتي.. فتقدمت أحزاب ونقابات تقدمية أنجزت لعموم الفئات الشعبية مكتسبات حياتية هامة جعلت تلك الأحزاب والنقابات تتمتع بسلطات الأمر والنهي والتقرير الفعلي حيث صارت تمثل التطلعات الشعبية وتعبر عنها وتحميها. وكان هذا أيضا عنصر إزعاج لقوى النظام العالمي الرأسمالية المتطلعة للسيطرة التامة على العالمين أجمعين..
أما في الولايات المتحدة فقد تصاعدت أيضا حركات شعبية احتجاجية ذات تطلعات وطنية واجتماعية تقدمية وصلت ذروتها في حركة رفض الحرب على فيتنام ورفض الانخراط في الجندية والمشاركة في الحرب..
فكانت تلك التحركات عنصر إقلاق وإزعاج كبيرين لقوى النظام العالمي لكونها قامت في عقر داره الأمر الذي لا يمكن احتماله أبدا ..
ومن الموضوعية القول أن ربع قرن من التاريخ البشري الحديث امتدت بين عقدي الخمسينات والستينات إلى أواسط سبعينات القرن العشرين ، شكل منارة إنسانية كانت الإرادة الشعبية تحتل موقع الريادة والقيادة فيها وكان للحركات الشعبية الوطنية دورها السياسي والثقافي والاجتماعي الفاعل. وكان لظهور قيادات شعبية وطنية تاريخية الدور الأبرز في تقرير مواصفات تلك الحقبة المتميزة من عمر التاريخ الإنساني الحديث والمعاصر..
فكان جمال عبدالناصر وأحمد بن بللا وماوتني تونغ وشوإن لاي وكاسترو وغيفارا وبيرون والليندي ولومومبا ونيكروما وسيكوتوري وديجول ونهرو وتيتو وغيرهم كثير من زعامات عالمية عملاقة صنعت تلك الحقبة الجميلة..
كل هذا قض مضاجع قوى الهيمنة العالمية وقوض سيطرتها على مقدرات العالم وهدد مستقبل تلك السيطرة الاستعمارية المتوحشة..
الأمر الذي أرعب تلك القوى ودفعها إلى تبني إستراتيجيات إجرامية عدوانية قاتلة مباشرة ومواربة. كان منها الاغتيال المباشر أو القتل كما حصل مع غيفارا ولومومبا وجمال عبد الناصر والليندي وغيرهم. كذلك افتعال الحروب والتدخلات العسكرية المباشرة ..
وكانت المسألة الدينية اكتشافها المستجد بعد أن درست وعرفت وأدركت مدى تأثير الدين في تلك المجتمعات المتمردة – المستهدفة..
وكان مما ساعدها في اللعب على المسألة الدينية ، أن القوة العظمى – أي الإتحاد السوفييتي –  المنافسة لها ذات إيديولوجية إلحادية تتنكر للدين والإيمان الديني ونعني الفكر الشيوعي..
ومع توالي غياب كثير من تلك القيادات التاريخية المتحررة من الهيمنة الاستعمارية ؛ منذ أواخر ستينات القرن العشرين ؛ بدأ نجم التلاعب بالمسألة الدينية بالبروز والتصاعد بعد أن كان خافتا غير مسموع قياسا إلى معايير التحرر والنهضة والاستقلال والعدالة والتنمية. فكان إيذانا بنشوء ظاهرة التطرف الديني والشعوذات الدينية والمذاهب الدينية والطائفية الشائهة والغريبة والانقسامية والمنغلقة والمنفصلة عن الواقع ؛ فيما أدت رعاية قوى النظام العالمي الجائر لها إلى تحويلها إلى وقائع متزمتة متطرفة عدائية عدوانية.

– التطرف الديني :
منذ اواسط سبعينات القرن العشرين بدأت وتيرة الخطاب الديني بالارتفاع إيذانا بمرحلة جديدة يراد لها أن تكون العواطف الدينية وتفرعاتها الطائفية والمذهبية ، أساسا للاهتمامات العامة ومعيارا لتقييم الأمور واتخاذ المواقف وتحديد المنطلقات والمواقع. كانت أفغانستان وما دار فيها من أحداث منطلق مرحلة متقدمة من ذلك النهج الديني – التوظيفي..
كان التنافس الأمريكي – السوفييتي على أشده وحينما دخلت قوات عسكرية سوفييتية إلى أفغانستان؛ لجأت الولايات المتحدة الأمريكية، رأس وقيادة النظام العالمي الرأسمالي، إلى إشعال حرب ” دينية ” لمحاربة الشيوعية انطلاقا من أفغانستان. ولما كان الافغان مسلمين؛ كان” الإسلام ” غطاء لتلك الحرب على فكر الشيوعية الإلحادي وتدخلها في أفغانستان. فانطلقت عمليات واسعة لتجنيد آلاف الشباب المسلم من أنحاء البلاد العربية والمسلمة وأقيمت معسكرات خاصة لهم للتدريب والتثقيف والتعبئة ” الدينية ” للذهاب إلى أفغانستان وقتال الشيوعية الملحدة الكافرة ، وكان ذلك كله بإشراف وتنظيم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي اتخذت شعار ” الجهاد ” الديني عنوانا لتلك الحرب ..ترافق ذلك بحملات إعلامية نفسية تحريضية ضخمة لتسويق أهداف الحرب وتنسيبها للإسلام وتحريض الشباب المسلم على الانخراط فيها. أسست الوكالة تبعا لذلك ما أسمي بتنظيم القاعدة فكانت غطاء لتجنيد الشباب وزجهم في حرب أفغانستان ضد نظام الحكم الشيوعي والقوات السوفييتية ..وكان أسامة بن لادن أحد الأعوان فتأسست له شركة مالية ليتم تحويل الأموال إليها وتمويل الحرب..( وهو التنظيم ذاته الذي صار يستخدم أمريكيا لتغطية ما يسمى الحرب على الإرهاب ألإسلامي ، بعد انتهاء حرب أفغانستان ..)
ثم راحت عشرات المطابع الحديثة تطبع ملايين المنشورات الدينية ” الإسلامية ” التي تناسب تلك الحرب ووضعيتها وتواكب إستراتيجية العدوان على العالم العربي والإسلامي ..تم توزيع ملايين النسخ الفاخرة شكلا – طباعة وتلوينا وإخراجا – والمتهافتة مضمونا منبوشة من صفحات مطوية متهالكة منسية من كتب ” التراث ” الديني أيام أزمنة الانحطاط والتبعية والضعف.. وأوصلوها إلى كل بيت وكل قرية وكل ركن في بلاد العرب والمسلمين..( وسوف يكون لمثل هذه الكتابات المنسوبة للإسلام دور بارز منذ ذلك الوقت في سياق حرب مستمرة يشنها النظام العالمي المجرم الفاسد ضد الأمة العربية وهويتها ومقومات وجودها وضد الإسلام ذاته ..)
تكثف توزيع تلك المنشورات والكتيبات وعقدت حولها المؤتمرات والحوارات واللقاءات والمقالات والتحليلات حتى صارت أكثر مادة مقروءة ومسموعة متداولة وفي متناول الناس جميعا لا بل كأنها تلاحقهم وتطبع عقولهم وتفكيرهم في كل وقت وكل مكان. حتى كأن قاذفات صاروخية عملاقة قذفت الناس جميعا في فضاء ديني بحت ليس فيه إلا الكلام الديني والشروحات الدينية بأسلوب نمطي تلقيني تحريضي انقسامي..
وأعيد ترتيب اهتمامات الناس ليأخذ الحديث في الأديان نصيبه الأعظم ؛ كذلك المقارنات التفصيلية والتفضيلية بين الأديان والمذاهب … وأعيدت صياغة منطلقات وإستهدافات وظيفية تواكب هذا الأمر ..كان ذلك يهدف إلى استرداد المعايير الوطنية والتحررية والإنسانية التي أرستها نضالات الشعوب المختلفة المتطلعة إلى التحرر والتقدم ؛ ولا سيما  في حقبتي خمسينات وستينات القرن العشرين. استردادها ثم طمسها ثم محوها من قاموس التداول الشعبي والاهتمام الإنساني واستبدالها بمعايير عصبية دينية تلهي الناس عن حقائق واقعهم الاجتماعي وما فيه من فقر وجوع وتشرد وظلم وتعسف وسرقات وفساد نظم واحتلال أرض وقتل أبرياء وتشريد بشر..
كان ذلك هدفا مشتركا خطيرا لكل تلك القوى المسيطرة والمهيمنة على مقدرات البلاد والعباد والراغبة في مزيد من السيطرة ومصادرة المزيد من موارد الطاقة والقوة والثروة..
أضيف إلى هذا حاجة ملحة استجدت بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وانتهاء دور الشيوعية كعدو خارجي ؛ فشكل الإسلام ذلك العدو – الهدف الذي سيستخدم كشعار لتغطية وتبرير أهداف قوى النظام العالمي الإستراتيجية في إحكام السيطرة التامة على الداخل أيضا وليس الخارج فقط..
فجرى تصعيد الاهتمام بالمسألة الدينية وكل ما يتفرع عنها بتركيز شديد على الإسلام وجرى ربطه ببراعة فائقة بإرهاب اصطنعوه وراحوا يحاربون العالم بحجته. ويحاربون الإسلام ذاته في سياقه..
تصاعد الخطاب الديني فتكاثرت التشكيلات الدينية والأحزاب والمسميات المحلية الدينية فراحت بدورها تعمق الحديث في الدين وتلاحق كل حديث آخر متهمة إياه بالعداوة مع الله أو الابتعاد عنه. وبات تفريخ ” رجال دين ” بمستويات علمية وثقافية وضيعة ظاهرة ملفتة وتأسست معاهد دينية كثيرة لإعطاء أغطية أكاديمية لأولئك ” المشايخ ” وجرى تركيز إعلامي ومالي عليهم حتى باتوا مصادر معتمدة ذات أولوية بل مصداقية في الذهن الشعبي، يحللون ويفتون ويرشدون الناس في كل أمر وليس فقط في الأمور الدينية.. مستفيدين من إيمان ديني فطري عام طيب لدى الناس.. مما  فاقم من حدة المسألة الدينية بخلفياتها المتزمتة واعتباراتها الشكلية والسطحية فمهدت الطريق لظواهر دينية تتغطى خلفها قوى النفوذ الإقليمية والدولية وتستخدمها ببراعة في التجييش الطائفي والمذهبي وفي التحريض التقسيمي على عنف متبادل  مخرب مدمر..
ومع انفجارات أبراج نيويورك تصاعدت حدة الخطاب الديني أكثر فأكثر وأبرزت أسماء ومنظمات ميليشيوية ” دينية ” نسبت إليها تلك التفجيرات وصارت هدفا معلنا مباشرا لقوى دولية كثيرة تدعي محاربتها كإرهاب فيما هي أدوات تستخدمها تلك القوى وتمرر من خلالها أهدافا لها كثيرة وخطيرة..
ولما كان مطلوبها أيضا ترويض مجتمعاتها الداخلية وامتصاص كل توجه فيها إلى التمرد أو التغيير ؛ جرى استقدام نماذج بشعة من تلك الأدوات التي أحسنوا صناعتها وتبويبها وإخراجها إلى حيز الواقع ، وسمحوا لها بممارسة أعمال عدوانية ” إرهابية ” تعطي المبررات والذرائع لما يعلنونه ويتخذونه من ممارسات عدوانية إجرامية بحق كل الناس أينما كانوا. وهكذا ظهرت في بلدان أوروبا وأميركا وعموم العالم الغربي قوى مسلحة منظمة رغم الرقابة الأمنية الشديدة لأجهزة تلك الدول وتعاونها التام فيما بينها.. فلم يعرف أحد كيف وصلت وكيف تسلحت وكيف تنظمت تلك الأدوات بعيدا عن تلك الرقابة الأمنية المحكمة وما تتملكه من أجهزة ترصد ومراقبة وتجسس. وتم تنفيذ عمليات إجرامية بهدف الترويع والتركيع أمام إستراتيجيات الفهم والفعل وردات الفعل المرسومة والمطلوبة. وتوالى ظهور منقبات وممارسات استفزازية تحمل الشكل الإسلامي والمضمون التحريضي المطلوب. ليصبح النموذج الإسلامي ” المخيف ” جزء من صلب الحياة اليومية للإنسان الغربي مع ما يؤدي إليه من استنفار وتحريض معاكس وردات فعل رافضة..
وقد نشأت بتأثير تلك الإثارة المروعة للمسألة الدينية، عشرات المذاهب والجماعات الطائفية في المجتمع الأمريكي، ذات معتقدات غريبة أو عنصرية أو متطرفة ساهمت في تغليب الصياغة الدينية على قضايا الحياة ومتطلباتها المعيشية. وهو ما حظي برعاية القوى النافذة لكونه يخدم توجهاتها العامة..
وبين أخذ ورد وفعل هنا وردات مدبرة هناك؛ برز التطرف ” الديني ” كظاهرة عامة ملازمة لتواجد المسلمين أينما كانوا.. وصار أداة لحروب بالوكالة وتغطية لأهداف خبيثة ؛ تتستر قوى كثيرة خلفه وتسخره في معاداة كل دعوة وطنية أو تحررية عادلة محقة وكل هدف إنساني نبيل وكل وئام أو لحمة اجتماعية وطنية ..
فبات التطرف الديني سمة ملازمة – وإن كانت مفتعلة ومبرمجة – لأحداث القرن الواحد والعشرين..
فكان تأسيس ميليشيات إرهابية أعطوها عنوانا ” إسلاميا ” زائفا وصلت ذروة الإبداع في الخداع والتزوير والتزييف فيما يسمى داعش وسابقاتها كجبهة النصرة الصيغة المجددة لتنظيم القاعدة المكشوف. فصارت غطاء لكل عمل إجرامي ليس فقط في بلاد العرب بل في كل بلاد العالم الإسلامي وحتى الغربي ؛ لأهداف مبيتة مخفية..
وفي خضم تلك التحضيرات والأعمال جميعا ، لعبت أحزاب وحركات ومنظمات سياسية ذات طابع ديني في تعزيز تلك الظواهر باعتبارها شكلت أرضية استقطابية خصبة لها ؛ دون الوقوف عند الخلفيات المغرضة والأهداف الخبيثة لأطرافها…ثم جرى إقحام أعداد متزايدة من نخب عربية أو مسلمة في ذلك الفضاء الديني المرغوب ساهمت بشكل أو بآخر في تفعيل الحوارات الدينية وجعل الخطاب الديني سائدا طاغيا على أي خطاب غيره. بعض تلك النخب لم يكن قبلها يبدي أي اهتمام ديني أو يلتزم مسلكا دينيا فبدا وكأنه فعل وظيفي مطلوب فكان تحول الكثيرين منهم مفاجئا سريعا دون مقدمات منطقية أو أعراض تحولية..
بعضها كان علمانيا أو لا دينيا وبعضها ذا سلوك لا مبالي ثم تحولوا إلى الفضاء الديني ..بعضهم أجرى تقييمات موضوعية مفيدة وكثيرون تسابقوا في إعطاء شيء من المسوغات لتلك الحروب الدينية ؛ وشيء من المبررات التي تؤيدها وتساهم في تغطية أهدافها الخبيثة المبيتة ، بقصد أو بغير قصد..انخرط كثيرون في مناقشة وتحليل تلك الكتابات الدينية المتزمتة والانقسامية التحريضية دون الانتباه إلى مروجيها وملفقيها وما يريدون من ورائها..
كان الرد عليها مطلوبا بلا شك  ؛ إنما بخلفية تفنيدها وبيان تهافتها و الدفاع الموضوعي عن الأمة وتاريخها وتراثها الحضاري وليس من باب تزكية صحتها وسلامة تعبيرها عن فكر الأمة وتاريخها وتراثها ؛ فبدا وكأنهم يبررون لأطراف تلك الحرب الدينية المبيتة ، مقاصدهم باعتبار أنهم محقون في مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة أي التطرف الديني غطاء للإرهاب المنسوب للإسلام حصرا. وكان الأخطر ” اعتراف ” مريب من بعض النخب بأن تلك الظواهر الإرهابية المجرمة ما هي إلا تكامل موضوعي مع تراثنا الإسلامي وتاريخنا العربي. فيما بدا وكأنه تبرير لقوى النظام العالمي حروبها ضد الإسلام والوجود العربي…ولا تزال بعض النخب المثقفة تمارس ذات الدور بخلفيات ليست بريئة دائما. بما يصرف الأنظار والاهتمام عن الأخطار الحقيقية الراهنة ..
أمام هذا الواقع للمسألة الدينية ينبغي على المتنورين الملتزمين بالولاء للأرض والشعب والوطن التصدي الموضوعي العاقل لتحقيق هدفين أساسيين :
– الأول : سحب الركون الشعبي الفطري إلى المؤسسة الدينية التقليدية وإلى ” المشايخ ” الذين يسمون رجال الدين ، وإيقاف اعتبارهم مرجعيات لفهم الدين أو الحياة ..ووضع حد لأفكارهم البالية وفتاويهم المتهافتة التي تزيد في تفاقم الجمود والسلبية والاتكالية والتفكير الغيبي  والضعف والانقسام والتحريض المخرب.
– الثاني : إعادة الاعتبار للفهم الموضوعي لمشكلات مجتمعاتنا وحياتنا الراهنة بإطلاق حوارات ثقافية فكرية تسلط الأضواء على مشكلات بلادنا وأمتنا وتعميق عمليات الجدل الاجتماعي بين أطرافها بما يساهم في تعزيز اللحمة بين أبنائها وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم ورد أي عدوان عليها من أي مصدر كان… ثم الانطلاق لاستنهاض الأمة جميعا وبناء مستقبلها المتقدم.
وفي الوقت الذي تلح فيه مسألة تصويب الخطاب الديني وإعادة الاعتبار للتفكير العقلاني الموضوعي المتحرر من الخوف والجهل والتبعية ، إلا أن هذا ينبغي أن يتم في إطار الدفاع عن مقومات الأمة والتصدي الحقيقي لما تواجهه من مشكلات وما تتعرض له من عدوان متعدد المصادر والغايات والوسائل والميادين. وليس في إطار التشكيك بالأمة وتاريخها وتراثها وإهدار إيجابياتها وهدم ثقتها بذاتها ومعنويات أبنائها وإسقاط الأمل بالمستقبل الأفضل.
إن تصحيح الوضع في المسألة الدينية في بلادنا العربية سيشكل بداية تصويب المسألة الدينية على مستوى العالم. لأن الإسلام هو محور هذه المسألة وكل ما يثار فيها وحولها. ولن يتحقق هذا بغير مشروع نهضوي عربي تجديدي منبثق عن حركة تنوير وتحرير للعقل والأرض والإنسان، منتظمة متكاملة ذات إستراتيجيات شعبية للعمل المتصاعد.

يتبع

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى