من هو المثقف؟
وما وظيفته؟
ما من كلمة حظيت بتعدد التعاريف ككلمة المثقف فمن «المتعلم «إلى «العالم «من «الأديب «إلى «الكاتب «إلى «المفكر «ومن «الطليعي» إلى «النخبوي «إلى « الأنتلجينسيا «…مرت هذه الكلمة عبر تاريخها الحديث بكل خطوات الاعتبار، ثم النقد والازدراء ثم إعادة الاعتبار ، إلى التخوين .. إلى … الخ.
إن زئبقية مفهوم المثقف تجعله غامض الملامح، لا هوية ولا حدود له «هل هو الكاتب، العال، التقني، المهندس، الطبيب، أم الأستاذ؟ هل هو الشخص المحافظ المحتمي وراء سلطة في حاجة إلى سلطته الرمزية التبريرية؟ أم هو ذلك الإنسان الحالم الذي ينشد تجاوز المعتاد والمألوف وإبداع الجديد المختلف؟ هل المثقفون طبقة آم فئة أم جماعة .. الخ ، ثم هل يمكن اتخاذهم كتشكيلة إنسانية واجتماعية موضوعا لبحث سوسيولوجي ؟ « محمد نور الدين أفاية .
إن المقاربة الأنتربولوجية الموازية تاريخيا لظهور هذا المفهوم، وكذلك الرؤية الشعبوية ( ثقافة الجميع) وسعتا مفهوم الثقافة ووظيفة المثقف لكن دون المساهمة في تحديد المثقف، مع أن التعريف بالوظيفة الاجتماعية في الفكر الماركسي يعتبر نقطة تحول في اتجاه التحديد وذلك عندما وسع أنطونيو غرامشي مفهوم المثقف، ورأى أن (جميع البشر مثقفون)، ثم استدرك بأن قال ( جميع البشر لا يمارسون وظيفة المثقفين في المجتمع ) « انطونيو غرامشي – قضايا المادية التاريخية – ترجمة فواز طرابلسي – ص 131».
إن الثقافة دون هذه الوظيفة لا تجعل منهم مثقفين وهذه الوظيفة بمعناها الاجتماعي لا تقبل التجريد أو الإطلاق ، فالمثقف هو الذي يحمل رؤية فكرية، ويحمل بديلا مجتمعيا، أي له القدرة على صياغة رؤية كلية تعي التناقضات وتطرح البدائل لحسم كل التناقضات وتجاوزها .
حدد ناجي علوش مفهوم المثقف من كونه واحدا من الذين يسمون – الانتلجينسيا– ( يملك قدرا من الثقافة التي تؤهله لقدر من النظرة الشمولية، وقدرا من الالتزام الفكري والسياسي ) ، ثم يستدرك الكاتب علوش قائلا أننا في العالم العربي لم يحدث عندنا عصر تنوير، ولا عصر ثورة علمية، ولا ثورة بورجوازية تحررية على الإقطاع ، وكل ما حدث عندنا منذ الحملة النابليونية ومرحلة الاستعمار لا يعدو أن يكون اتجاها إصلاحيا توفيقيا يستند على التراث حينا والثقافة الأوربية حينا آخ ، فتولدت لدينا مدارس فكرية وسياسية مقلدة، وعليه فإننا أمام مثقفين عضويين لا ينسجمون مع المفهوم الأوروبي المعروف، ولا يمتلكون ثقافة الانتلجينسيا ولا عمق التزامها ولكنهم على الرغم من ذلك هم على قدر من الثقافة والالتزام بالنسبة لمجتمعهم المتخلف .
هكذا فإن المثقف لدينا إما يكون تقليديا عندما يرتبط بالمجموعة القديمة والطبقات الآيلة إلى الزوال، أو يكون مثقفا حداثيا عندما يساهم في تعبئة المجموعة الاجتماعية الصاعدة ويبلور مطامحها وأهدافها .
بعبارة واضحة وفصيحة، إن المثقفين إما أن يكونوا أدوات للهيمنة على مستوى المجتمع المدني، وهي الهيمنة التي تمارسها المجموعة الاجتماعية المسيرة على مجموع الجسم الاجتماعي، وإما أن يكونوا أداة من أدوات السيطرة على مستوى المجتمع السياسي .
يرى الدكتور محمد عابد الجابري أنه إذا أخذنا بوجهة النظر هذه ونظرنا من خلالها إلى «المثقفين» في حضارتنا فسيغدو من السهل علينا (أن نضع فقهاء السلاطين وكتابهم وأعضاء مجالس أنسهم من ألأدباء والشعراء..في صنف المثقفين العضويين التقليديين الذين يقومون للسلطة بدور أدوات الهيمنة، بينما نضع الفئات الأخرى المعارضة للدولة …. في صنف المثقفين العضويين الجدد وبذلك نكون قد ركزنا على جانب الصراع في المجتمع والتاريخ، الصراع الذي ينخرط فيه ويشارك في إذكائه المثقف وغير المثقف..وبالتالي سنكون قد افقدنا مقولة «المثقفين» حمولتها الراهنة، وتبنينا بالتالي مع غرامشي تصورا عريضا للمثقف) « المثقفون في الحضارة العربية – محمد عابد الجابري – مركز دراسات الوحدة العربية – ص: 20».
إن وضع المثقف يتحدد بالدور الذي يقوم به في المجتمع كمشرع آو معارض أو مبشر بمشروع أو على الأقل صاحب رأي وقضية، وهو يمثل ضمير المجتمع والناطق باسم قوى التغيير والتقدم. فإن كانت له هذه الشجاعة الفكرية واستطاع أن يقف إلى صف المظلومين آو الثوار أو الطبقة الحاملة للمشروع الجديد، فهو يستحق أن ينعت بالمثقف العضوي – أنتلجينسيا، عكس( المثقف – الموظف) الذي لا يعيش إلا لمهنته ومنصبه وخدمة المتحكمين من الطبقة السائدة، ولقد سماهم سارتر تقنيو المعرفة (الانتلجينسيا التقنية).
المثقف: من المواجهة إلى الاستسلام ومن الالتزام إلى التعالي الأكاديمي؟
إن المثقف اليوم يجتاز أزمة قد تعصف بوجوده الفكري وموقفه النضالي وتشوه علاقاته سواء مع أصحاب السلطة السياسية أو مع الجماهير الشعبية، فهو مقموع مقهور لا يقوى على مواجهة السلطة السياسية القائمة، ولا يقوى على قيادة المجتمع أو تقوية إرادة المقهورين والمنبوذين.
أمام هذا الموقف الإشكالي يلجأ عدد من المثقفين إلى التعالي الأكاديمي من منظور أن كل نضال هو ضرب من الديماغوجية ألانفعالية، ويترتب عن هذا الموقف الإشكالي تخلف المثقف ودونيته بالنسبة للسلطة السياسية التي تستوعبه وتعلبه وتوظفه، وهي في ضعفه وغيابه تنتج ثقافتها وتعيد إنتاجها باستمرار فيستمر وجودها بتخاذل المثقف واستسلامه، أما غيابه من ساحة النضال إلى جوار الجماهير التي أصبحت أكثر جرأة من المثقف في الاحتجاج والانتفاضة، فإن ذلك يتسبب له في خسران وضعه. فلم تعد الأزمة بينه وبين السلطة أو بينه وبين المجتمع وإنما أزمة علاقة بينه وبين نفسه من حيث أنه لم يعد جديرا بأن يحمل اسمه ( المثقف ). فبالأحرى أن يكون طليعيا واعيا يدرك الواقع ويتباعد عنه ليقترح بديلا من أجل التغيير .
إن مساءلتنا عن دور المثقف ووظيفته وعلاقته بالسلطة والمجتمع، يجعلنا نطرح استفهامات كثيرة عن أسباب تخاذله أو تقصيره في أداء دوره أو تعاليه الأكاديمي،ومن بين هذه الأسباب ما يرجع إلى البيئة التي يعيش فيها ومنها ما يرجع إليه بالذات ،ومن صور التخاذل والعجز والاستسلام عند المثقفين :
أ- هيمنة البؤس واليأس على كتاباتهم ومواقفهم ، إذ يظهر من خلال إبداعاتهم الشعرية والقصصية والروائية والكتابات الفكرية ذات الصبغة السياسية والاجتماعية لمثقفينا أنهم غير راضين عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية السائدة فينتقدونها أو يتعاملون معها بالنقد والتجريح ،ويمكن استنتاج هذا الرأي من خلال عناوين الكتابات الإبداعية التي تستبطن دلالات البؤس واليأس (الليل – الضباب – العزلة – الجنون – الصمت – البكاء – الدموع – التسكع – الموت – …) ،وعلى المستوى الفكري والفلسفي منهم من ينتقد المظاهر المستحدثة في المجتمع ومنهم من ينتقد استبداد التراث القديم على الفكر والروح، هذا مثقف حداثي ينتقد مظاهر التفكك والتناثر والانحسار والكبت، وهذا مثقف تقليدي ينتقد مظاهر التبعية والاغتراب للغرب، وآخرون يعبرون عن اليأس من الأوضاع الاجتماعية، فيتحسرون على الفقر والجهل والفساد.
إن هيمنة لغة البؤس على كتابات العديد من مثقفينا يقودهم إلى اليأس من إصلاح شؤون المجتمع، علما بأن دور المثقف ليس هو التعبير، وإنما الاستنهاض، وليس الكلام وإنما الفعل حتى تكون الثقافة سلطة تقف في وجه ثقافة كل سلطة جائرة .
فالفكر ليس بضاعة وإنما رسالة، وليس وظيفة وإنما دعوة والمثقفون هم ورثة الأنبياء فكرا وحركة قيما وسلوكا عزيمة وكفاحا .
ب – تحول العديد من المثقفين إلى منظرين حزبيين (لا إيديولوجيين)، أو أقلام دعائية للأحزاب والمنظمات السياسية العاملة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، بل منهم من تحول إلى تكنو – سياسي – حزبي في خدمة الأجندات الانتخابية أو يعمل رئيسا ومدبرا للشأن العام في المؤسسات التمثيلية كمنفذ للسياسات الحكومية.
أصبح المثقف في إطار هذه المؤسسات البيروقراطية ( الإدارية ) مديرا أو رئيسا ينفذ أوامر السياسي، ويبرر أفعاله لأجل استقرار المؤسسات، وحتى يستقر وضع المثقف فكريا وحركيا كعلاقة مؤسسية (فيصل الدراج) . فيكون عامل تثبيت واستقرار الأوضاع الاجتماعية والسياسة عوض أن يكون عامل تغيير وتجديد ، وليسقط بذلك المثقف في جبة السياسي، ويتحول السياسي بفضل مساعدة المثقف إلى داعية أو شيخ أو زعيم أو أب روحي.
إن صنعة رجل السياسة هي فن الممكن، وصنعة المفكر هي فن ما ينبغي أن يكون، الأول تحركه المصالح والثاني تحركه الأفكار وقد رأى (هورويتز) أنه بينما تعطي السياسة الأولوية للاحتواء والتأثير، يعطي رجل الفكر الأولوية للبحث والأفكار، وبهذا فان المجتمع يكون بصدد وظيفتين اجتماعيتين مشروعتين، ولكنهما مختلفتين إحداهما تتطلب الاستقرار والاستمرار وهي وظيفة السياسي والثانية تنطوي على سعي دائب للتغيير والتحويل، وهي وظيفة الفكر ، الأول – السياسي – يريد الانضباط في السلوك من الجميع ، والثاني – المثقف – يريد الحرية والتنوع في الفكر للجميع لذا غالبا ما ينظر السياسي للمثقف كطرف مناقض له وهذا التناقض بين فهم رجال السياسة وبين الثقافة تبرزه كلمة ( غورينغ ) نائب هتلر حينما كان قال قولته الشهيرة : (عندما اسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي).
ج- الجهل أو تجاهل المحيط والإنسان والتاريخ :
إن المثقف العاجز عن الإحاطة بمحيط ثقافته،الجاهل والمتجاهل لمتغيرات المحيط المادي والاجتماعي الإنساني والسياسي لا يمكنه أن يؤسس رؤية أو مشروعا لخدمة مصلحة جماعته أو أمته .
وحين يجهل أو يتجاهل المثقف تراثه وإرثه ولا يحاسبهما بأدوات العلم والتاريخ أو يتغاضى عن الحقائق والتفاصيل المحرجة والمغايرة للسائد، ثم يلجأ للأحكام الجاهزة على حساب التحليل العلمي والتاريخي، فإنه بذلك يفقد نزاهته وموضوعيته التي تتمثل في الكشف عن الحقيقة والدفاع عنها، لأنه هو المؤتمن والحارس الأمين على المبادئ والقيم .
وحين يجهل أو يتجاهل المثقف القضايا الاجتماعية ولا يسعى للتخفيف من الأزمة المجتمعية بدراسة أسبابها، وإظهار سبل الخروج منها، مفضلا الاعتكاف على العمل الأكاديمي بدعوى الموضوعية والتجرد العلمي، إنما يعمل على تغييب الصراع السياسي والاجتماعي أو يبتعد عنه ، بدعوى أن تكريسه للبحث العلمي يضعه بمنأى عن مصالح الآخرين ، ولا صوت يعلو على صوت الحقيقة، مما يخلق هوة بينه وبين الآخرين .
و حين يجهل أو يتجاهل المثقف تاريخه محيطه، وحين لا يبالي بالاهتمامات الإنسانية ويقتصر على مناصرة المثاليات فهو مغترب وبالتالي يغيب دوره كمثقف طليعي. ولقد خلص بعض رجال السياسة إلى أن المثقف والمفكر والعالم لديهم مشاعر ضعيفة في ما يتعلق بالولاء والارتباط بالأمة. ورأى(مانهايم) صاحب كتاب (الايدولوجيا واليوتوبيا) أن المثقفين يمثلون تلك الجماعة الخاصة المؤهلة لأن تفلت من شراك الإيديولوجية وتحلق بأجنحة العلموية وأن ترتفع إلى شمس الحقيقة ، وبالتالي فالنخبة المثقفة لا تشكل طبقة أو غير مرتبطة بأي طبقة اجتماعية وأنها تمثل جماعة غير متجانسة يتم تجنيدها على نطاق واسع من الحياة الاجتماعية.
أين صوت المثقف حتى لا يتهم بالصمت؟
تكاد حيرة المثقفين أو صمتهم أن تكون في المرحلة الراهنة ظاهرة شبه عالمية، فالمثقف الذي بوأه المجتمع الإنساني مكانة ريادية وأضفى عليه ظلال القدسية، لكونه صاحب رسالة ، وداعية إلى بناء غد أفضل وأجمل، نجده اليوم يفقد الإيمان بإمكانية انبثاق فجر جديد، وان كل ما جناه من معاركة الواقع المعاش يحمل طعم المرارة والخيبة. وأمام تراكم المشاريع الفاشلة والتجارب المحبطة رأى أن ينكس رايته وأن يختار الصمت. وصمت المثقفين أخذ أبعادا مقلقة وطرح أكثر من سؤال وأثار أكثر من نقاش، بعضهم رأى فيه تعبيرا عن استسلام مؤقت أمام وطأة واقع لا يقهر، وبعضهم الآخر رأى فيه عودة نهائية إلى الانعزال عن السياسة على نحو ما كان نادى به شوبنهاور، في حين ذهب فريق ثالث إلى تأويل هذا الصمت على أنه تعبير عن شعور المثقف بأن مهمته قد أنجزت .
إذا بحثنا عن الأسباب التي دفعت إلى إدانة هذا الشعار والى اختيار الصمت، تعين علينا أن نتوقف عند عدد من الظواهر الأساسية و منها :
أولا : خيبة أمل المثقفين الذين عجزوا عن النهوض بمهمتهم ورسالتهم النبيلة فلم يفلحوا في رسم بناء مستقبل أفضل، ولم يفلحوا إلا في تكبيل مواطنيهم بمزيد من الخيبات .
ثانيا هبوط رصيد الماركسية، ومن نافلة القول أن غالبية المثقفين الذين خاضوا المعارك والحروب الفكرية كانوا قد اعتنقوا الماركسية كفكر وإيديولوجيا وبالذات الدفاع عن فكرتي الحرية والعدالة، مما يعطى رسالة المثقفين معناها الإنساني والحضاري .
ولما فقدت الماركسية حظوتها وزال عنها بريقها، انتقل العديد من هؤلاء المثقفين إلى الدين وكأنه انتقال المقاتل إلى خط دفاعي ثان.
والواقع أن الماركسية كانت توفر للمثقف العناصر اللازمة لنقد النظام القائم
ثالثا تبلور ظاهرة رفض المثال والنزعة المثالية وهو رفض يتعارض في الواقع مع الصورة التقليدية للمثقف المناضل ضد الظلم والعبودية، وهكذا حلت محل صورة المثقف الذي يسبر أفاق الغد، صورة المفكر الساعي وراء تجميد الزمن.
وبعد الصمت وخيبة الأمل انبرى البعض إلى اتهام المثقف بالخيانة عن المبادئ والقيم ، فهذا جوليان بندا يرى خيانة المثقفين بأنها ممارسة المثقفين للعواطف السياسية ، فأشار إلى أن المثقف ( يخون وظيفته بنزوله إلى ميدان الصراع العام هادفا إلى ضمان انتصار العواطف الفعلية لإحدى الطبقات أو الأجناس أو الأمم ). وكمدافع عن الحق والعدل فإن المثقف يملك الحق في التدخل في الشؤون العابرة والمؤقتة من أجل صالح الإنسانية ولكن ممارسته السياسية تعتبر بطبعها عابرة ومؤقتة أي مجرد استجابة للأزمات أكثر من أن تكون اشتراكا يوميا .
وإن اندماج المثقف في النسق الإداري (التعليمي خصوصا) ، يضعه بشكل واضح في موقف التبعية، وكان من الحتمي أن تؤدي هذه التبعية إلى تقليل درجة عدم الارتباط ألاجتماعي والذي اعتبره مانهايم أحد الشروط التي تمكن المثقف من أن يتخطى الاعتبارات الإيديولوجية القائمة .
نقطة ضوء : العروي والجابري نجمان ثاقبان في سماء الثقافة
المغربية والعربية
إن المأساة التي نعيشها اليوم هي غياب صوت ودور المثقف الذي يحضر دائما في لحظات الانتقال، وغيابه اليوم عن لجة الصراع الدائر اليوم في المغرب حيث لا وجود اليوم لمنتجي الايديولوجيا الإصلاحية أو الثورية كعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري :
* العروي ومشروع الدفاع عن الحداثة والتاريخ
جاهر باختياراته في الدفاع عن الحداثة والتاريخ في المجال السياسي وسعيه لبلورة رؤية عقلانية في المجال الفكري.
تشبث بقيم النظر والعمل التاريخي رغم الانتكاسات والتراجعات والهزائم التي حصلت في الواقع .
أنتج فكرا سياسيا وإيديولوجيا قابلا وقادرا على تغيير الواقع (مفهوم الدولة )-(مفهوم الحرية)-(مفهوم الحداثة)-(مفهوم الايدولوجيا)-(مفهوم العقل)…وهي كلها مفاتيح كبرى لمقاربة إشكالية الحداثة، وبذلك سار على درب رواد الإصلاح أمثال (الطهطاوي – لطفي السيد – الأفغاني – سلامة موسى – علي عبد الرازق – علال الفاسي…)
طور الثقافة العربية بالدفاع عن المثاقفة التي ترى في المشروع الحضاري الغربي أفقا لإنسانية مستقبلية مشتركة قادرة على النظر إلى ذاتها والى الآخرين من زوايا مختلفة .
* محمد عابد الجابري و مشروع النهضة عبر نقد العقل العربي
حاول الكاتب بناء مشروعه « النهضوي « وانشغل به لمدة عقود ، من خلال مشروعه في « نقد العقل العربي « (1980-1990) رافضا استنساخ التجارب، أو تبيئة تجارب الآخرين ومفاهيمهم وتقنياتهم في حاضرنا متبعا طريقة النقد والتفكيك وإعادة البناء، وهو بذلك يؤسس لقواعد جديدة رافضة لتاريخانية العروي وللنزعة التاريخانية التغريبية.
ولقد حققت الثقافة المغربية بفضل هذه المشاريع الثقافية الكبرى طفرة نوعية في مجال الفكر ونقد التراث، كما أبانت عن الطموحات الإرادية للمثقفين المغاربة وقدرتهم الفعلية على توجيه التاريخ .
ونذكر أن هذين المفكرين كانا في بداية مشوارهما العلمي منخرطين في العمل السياسي الحزبي، بل منهما من تحمل مسؤولية القيادة في حزب الاتحاد الاشتراكي (عضوا للمكتب السياسي) وهو الأستاذ المرحوم محمد عابد الجابري الذي كان له الفضل في صياغة التقرير الإيديولوجي للحزب آنذاك .
ورغم انخراطهما في العمل الحزبي إلا أنهما لم ينحرفا ويسقطا في أتون المصالح السياسية الضيقة، بل حاربا بكل الأسلحة الثقافية ما يمكن أن يزعزع قناعاتهما الثقافية والإيديولوجية .
اليوم تراجعت أطروحات النظر إلى وظيفة الثقافة ودور المثقف، فهل تستطيع ثقافتنا المغربية الجديدة كسب رهانات الحاضر وذلك ببناء مشاريع ثقافية مطابقة لحركية تاريخنا وتحديات العصر الحاضر ؟
المصدر: جريدة الاتحاد الاشتراكي/ المغرب