قراءة في رواية: ساق البامبو

أحمد العربي

البامبو أو الخيزران. “سوق تنمو بعض قطعها في أي ظرف جديد” وسعود السنعوسي روائي كويتي قرأت أغلب رواياته. وهذه أول رواياته وأهمها.
نحن أمام رواية متميزة في الموضوع والأسلوب .موضوعها مشكلة العمالة الآسيوية (الفليبيّن هنا)، في دول الخليج، الكويت تحديدا في الرواية، وما ينتج عنها من تداعيات. الأسلوب انها مكتوبة بلسان بطلها الفليبيني من جهة أمه، الكويتي من جهة أبيه. راسما الصورة الحياتية له في المجتمعين
.تبدأ الرواية مع (عيسى الكويتي و هوزيه الفلبيني)، الإنسان المنشطر بين شخصيتين تكونان ذاته
في الكويت كما الخليج يجلبون عمالة منزلية .للخدمة في كل مناحي الحياة. “جوزافين” الفليبينية التي كان نصيبها العمل عند عائلة الطاروف .العائلة مؤلفة من أم وبناتها وولدها الوحيد، محكومة بعملها كآلة دون النظر إلى إنسانيتها .الشاب راشد ابن العائلة يتعامل معها بإنسانية نادرة. فهو مثقف نقدي تجاه المجتمع والحياة. يرى في بلاده خيرا وأخطاء .ومنها أن سطوة المال عند الكويتي وذل الحاجة عند العمالة الاجنبية تلغي الجانب الإنساني في التعامل.علاقة تنمو بين راشد و جوزافين وحب يتشكل، ولقاء جسدي بعقد زواج عرفي ثم زواج رسمي. أنجبت جوزافين عيسى او خوسيه. الام جوزافين من الفيليبين البلد الآسيوي الفقير. المنقسم اجتماعيا بشدة. قلة موسرة والاغلب مدقع الفقر. لها أب محارب قديم مدمن على رهان الديوك. شارك بحرب ضد الصينيين قديما. أُسر وعاد معطوب نفسيا. ابنته الكبرى بدأت بالعمل عاهرة لترد له مالا للعيش. و تمويل رهاناته المستمرة. وبعد عدة سنوات .ولتحمي نفسها من ذل الجنس كسلعة. عادت للبيت تحمل طفلتها في أحشائها وتترك عملها وتصطدم بوالدها وتنجب ابنتها. ترهن حياتها لطفلتها متحدية والدها. كان مصير جوزفين (ام عيسى) كاختها لولا ان جاءتها الفرصة لتعمل في الكويت. دفعت لحصولها على فرصة العمل هذا قرضا ظل يمتص اغلب ما تنتجه في عملها في الكويت. وجدت في الكويت حياة ممتلئة عملا ووفرة .ولكنها ألغت إنسانيتها .وجدت براشد( والد عيسى) نافذة انسانية فتحها لها الرب. راشد الشاب المثقف والعارف للكويت بكل تفاصيلها. الكويت المريضة بالتمييز الاجتماعي .بين ابناء العائلات الاصيلة والعاديين والبدون (الكويتيين المظلومين بعدم اعطائهم الجنسية رغم انهم كويتيين عريقين). أما العمالة الأجنبية فهم غير محسوبين اصلا من البشر. يحب فتاة من بيئة مستواها أقل من حالهم. تحول امه (بنت الاصول) دون زواجه بها .لاختلاف المستوى بينهم. يعكف بعدها على قراءة المجتمع ونقده. فهو كاتب صحفي وروائي. عالمه الكتب وله صديقين أحدهما (بدون) غسان، يصنعون عالما صغيرا بديلا عن واقعهم. جوزفين كانت مركبه النفسي للعبور نحو الانسجام مع نفسه. يجلس معها خلسة، يناقشها يطلّ معها على عالمها، وتحس معه بانسانيتها. ويأتي الحب تتويجا للعلاقة مع الوصال الجسدي وورقة الزواج العرفي .ويحصل الحمل بعد ذلك . وليعطي شرعية لعلاقته بها يتزوجها رسميا. أما أمه ممثلة البنية الاجتماعية المتخلفة مع بناتها. تقررّن طرد الخادمة. وطرده من حياتهم إن لم يتخلى عنها. فهو يعتدي على كرامتهم ويجعلهم سخرية ويضرب أصولهم. إنه يدمرهم. يتركهم يسكن مع زوجته الفلبينية وينتظر المولود. ويحضره لأمه وأخواته، لعلهنّ يرضين عنه. لكنه يجد عداء مطلقا. و لا حل عندهم بالنسبة لزوجته سوى أن يرميها وابنها (الشيء) ويعود لهم . يحارب وينهزم اخيرا، انه يواجه مجتمعا بكامله. يُعيد الام والولد للفلبين .بعد أن سجل زواجه وابنه رسميا في النفوس الكويتية. ووعدها بأنه لن يتخلى عنها وعن ابنه أبدا. وسافرت لتحصل منه شهريا على مبلغ للعيش وولدها. عادت للبيت استقبلها ابوها (مندوزا) على مضد. بمزاجه وعدوانيته تجاه كل شيء. يصبر عليها لكونها تأتيه بمال من تحويلات زوجها لها. تلد جوزفين عيسى أو هوزيه في الفيلبّين وبقربه ابنة خالته ميرلا (ابنة الزنى). جده يندد ببناته، يأتون باولاد مجهولي الاباء. سيكبر في الجو المعادي من جدّه. والمتفاعل مع ابنة خالته ويكتشف نفسه رويدا رويدا. هو كويتي وله أب تزرعه الام في نفسه. يسأل نفسه ما هذا الأب الذي يتخلى عنهم. سيكبر منقسما بالإسم و الانتماء والدين، أمه مسيحية وأبوه مسلم واصدقاؤه بوذيين. يدخل رويدا الى عالم الايمان يستشعر في نفسه الله، امان وحب وخير وعدل. سيكتشف أن الفقر عدو الانسان الاول. مصيبته أساسها ذل الحاجة وكذلك حال خالته وابنتها. وليكون ابنا لقيطا. سيتوحد مع الطبيعة، مع أشجار جدّه وكلبه و ديوكه وجدته الساكنة بجوارهم. لا يعرف عنها شيء؟ !!.سيحاول التعلم ولا يستمر في ذلك لأنه لا يمتلك المال . ستتزوج أمه ثانية. و ياتيه اخا وتسافر الى البحرين مجددا. يصاب أخاه باختناق يعطب دماغه يجعله انسانا يكبر دون عقل. وتعود امه لتجد أنها أضاعت ولدها بغربتها وعملها وتتفرغ لولدها المعاق بالمطلق. سينقطع الأب عن تواصله معهم وعن امدادهم بالمال بعد احتلال الكويت من قبل العراق. يدفعه جده للعمل وليعمل في شروط لا إنسانية لا تكاد تؤمن لقمة العيش .ومع تغيير العمل كل ستة أشهر لكي لا يلتزم اصحاب العمل معهم من تثبيت أو تعويض. يعمل في بيع الموز وعاملا في مركب سياحي. يعيش حلما يموت يوما بعد يوم. حلمه ان يعود يوما للكويت ارض العسل، يلتحق بأبيه الذي انقطعت أخباره مطلقا. انه جزء من حياة الشقاء الذي اسمه الفيليبين. يلتقي بكويتي يعرف منه عرضا أن أباه كان مع المقاومة ضد العراقيين أيام الإحتلال. وأنه أسر. سيلتقي بسياح كويتيين ويتقرب منهم ويعلن لهن كويتيته. يرحلوا ويتركوا له الغصة. يكبر وتكبر معه بنت خالته، المسكونة بعقدة انها ابنة زنى. وان الرجال كلهم وحوش يمتهنون المرأة للمتعة فقط . وهي ضحية ذلك. وأنها ترى به إنسانا مختلفا، تبادله عواطف مشوشة. سيحبها وسيكون محرم عليها كاثوليكيا لكونها إبنة خالته. وهي معقدة من الرجال أصلا ولن تقبل به. .وستبني علاقة نسائية منحرفة، وتأخذ مسارا انتقاميا من نفسها. سيبتعد عن العائلة و عن جدّه بكل أمراضه، الذي يعود وحيدا وضعيفا في الليل بعد تناوله مشروبا مسكرا محليا. يرفضهم هو وابنة خالته. وليموت بعدها تاركا جرحا نفسيا عند الجميع. .وتموت بعده العجوز بجوارهم مجهولة الهوية. ويكتشف انها جدته .وأن جده مجهول الأب أيضا. إنها مشكلة يتوارثها الأبناء عن الآباء .بحكم شروط واقع يعيد انتاج الخطيئه وكل ما يهين الانسان ويجعله نكرة. سيكبر ويكتشف أن الفيليبين مصيره و مستقره وان الكويت ووالده حلما مستحيلا. سيتصل بهم (أخيرا) من يقول لهم انه صديق والده. وتعرفه الأم، سيكون غسان صديق أبيه ( الوحيد المتبقي حيا )، أما صديق والده وليد سيقتل جراء اختطاف طائرة في عملية ارهابية. سيكتشف جثمان والده في احدى المقابر الجماعية في العراق. وان تنفيذا لوعد قطعه غسان لصديقه والد عيسى فإنه سيعيده للكويت، ويحصل . سيكتشف ان الكويت كلها ترفضه. العائلة الخائفة على نوعها المتميز(عائلة الطاروف العريقة). وان شكله الفلبيني عار عليها. سيجد في غسان ابا بديلا غسان (البدون) المأزوم بأنه ابن الكويت. الذي شارك في مقاومتها ضنت عليه بحق المواطنة. ومنعته من الاقتران بحبيبته (عمة عيسى) لنفس السبب. وليعيش متوحدا ومعوضا هضم حقوقه بالثقافة والنقد من خلال الكتابات الأدبية والصحف. ويجد عيسى أختا له ولدت مثله يتيمة بعد اعتقال أبيه ومقتله في العراق. سيجد عيسى أن بيئة معادية تنتظره ولاتعترف به. وتنكره كخطيئة وتخفيه كعار. سيرفضونه اولا. ثم يضبطونه تحت جناحهم وعدم فضح وجوده لكي لا يصيبهم بالعار (هذا الشيئ الفلبيني). سيعاني كثيرا. وسيتعرف على الإسلام في قلبه. ومن صدق معاملة بعض المتدينين. ويرفض إسلام البعض الذي يشيء الاسلام. يتعرف على الاخرون، ويلتقي بشلة الكويتيين الذين التقاهم في الفلبين. وسيكون سادسهم وسيجد بهم وجها آخر للكويت صانع المستقبل. ويشاركهم نشاطهم الحقوقي. ويترك بيت الجده. ويسكن وحيدا ويعمل ليعيش كويتيته وانسانيته المهدورة. سيعرف انه ابن راشد الطاروف. يلاحقه أهله بالطرد .سيتحدى ويقرر العمل وتركهم. سيقطعون عنه المصروف يدفعون لطرده من العمل. ويسدون الحياة في وجهه. الكويت ترفضه مجددا. يجد أن تعاطف اصدقاؤه معه لا يكفي. ولا غسان صديق الوالد ولا خوله اخته. و هم اضعف من ان يحموه وهم مثله ضحايا. وتبقى نقطة النور الوحيدة ابنة خالته وحبيبته اميلا. يتابعها بانهيارها هي الاخرى ويساعدها على تجاوز ازمتها الوجودية. وتلفظه الكويت ويعود ليتزوج اميلا وينجب راشد الصغير هذا ما تبقى له من الكويت
رواية تضع الاصبع على عار الفقر والتخلف وكل الأفكار والسلوكيات عدوة الإنسان بكونه انسان اصلا، إنها رواية تكشف العار لنتحرر منه. الانسان اولا. هذه رسالة الرواية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى