سنوات من الدمار والخراب يتلوها إعمار وبناء، جملة قصيرة تختصر الواقع في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي، أو ما تعرف بمنطقتي “درع الفرات”، و “غصن الزيتون”، الواقعتين تحت إشراف الجيشين الوطني السوري والتركي عسكرياً، والحكومة السورية المؤقتة خدمياً.
بدأت المنطقة بشكل عام تتعافى شيئاً فشيئاً من آثار المعارك والقصف الذي استمر لسنوات، وكانت النقطة الفاصلة في تاريخ الريف الشمالي لحلب في أواخر عام 2016، وبداية عام 2017، عندما أطلقت تركيا حينئذ بمشاركة الجيش السوري الحر معركة واسعة ضد تنظيم الدولة، استطاعت بموجبها السيطرة على المنطقة الممتدة من مدينة اعزاز حتى مدينة جرابلس غربي نهر الفرات، ومرت المدن التي تمت السيطرة عليها بعد ذلك بمراحل متعددة، أولها إعادة النازحين، ومحاولة إنعاش المؤسسات الخدمية والبنية التحتية، إلى أن بدأت حالة من الهدوء النسبي والاستقرار تسود تلك المناطق خلال العامين الماضيين، وهو ما دفع الحكومة السورية المؤقتة للتفكير بشكل جديّ بإطلاق مشاريع خدمية وتجارية وصناعية واسعة، على أمل كسر حالة الركود الاقتصادي، التي أتت تزامناً مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وشهدت المدن الكبيرة التي تمت السيطرة عليها بعملية درع الفرات، ومنها الباب وجرابلس واعزاز ومارع تطوراً ملحوظاً، وخاصة على مستوى البناء والخدمات، حيث أنجزت المجالس المحلية بإشراف الحكومة المؤقتة، وبدعم الحكومة التركية، عدداً من المشاريع، التي تكللت ببناء عشرات المدارس والدوائر الحكومية والحدائق، إلى جانب تعبيد الطرق وإعادة ترميم الأسواق الرئيسية داخل المدن.
وانعكس ضعف القبضة الأمنية، وتفجير السيارات والدراجات النارية المفخخة في قلب المدن والأسواق وبين المدنيين، سلباً على الواقع المعيشي والاقتصادي، ما أدى لإحجام التجار ورجال الأعمال والمستثمرين عن افتتاح مشاريع تجارية ضخمة.
ولم يمنع ذلك المجالس المحلية، والحكومة السورية المؤقتة من اتخاذ خطوة نحو الأمام على طريق النهوض بالمنطقة، وانتشالها من حالة الركود الاقتصادي التي عانت منها. ففي العامين الماضيين، بدأ العمل على مشاريع وخطط متنوعة، من ضمنها إنشاء مدن صناعية بريف حلب، في محاولة لجذب المستثمرين، ودعم اقتصاد المنطقة.
المدن الصناعية.. توزعها وأهميتها
في الثامن من شباط عام 2018، أعلن المجلس المحلي لمدينة الباب عن وضع حجر الأساس لمشروع المدينة الصناعية الأولى بريفي حلب الشمالي والشرقي، بحضور شخصيات تركية وفعاليات مدنية، ووصفها آنذاك بأنها أكبر تجمع صناعي في منطقة درع الفرات بمساحة 561 ألف متر مربع.
المجلس قال حينئذ إن المدينة الصناعية الواقعة على طريق الباب – الراعي، تعتبر من أهم المشاريع الاقتصادية التي ستساعد في النهوض بمستوى دخل الفرد، بما يضمن المعيشة الكريمة لأفراد المجتمع، كما ذكر أنها ستكون خطوة على طريق جذب المستثمرين، بعد أن توفرت البنية التحتية الأساسية لقيام أي استثمار صناعي، والتخلص من ظاهرة البطالة التي تعاني منها الطاقة البشرية.
وأوضح عمر واكي، المسؤول عن المدينة لموقع تلفزيون سوريا، بأن المدينة الصناعية في الباب بدأت بمرحلة الإنتاج بنسبة 5 بالمئة، وأن الخطط على المدى البعيد تتمثل في تقديم كل الخدمات التي تناسب الصناعيين بالمواصفات العالمية.
وأشار “واكي” إلى أن مشروع المدينة الصناعية من شأنه الحد من البطالة، ورفع مستوى الدخل لدى الفرد، وإدخال القطع المالي الأجنبي إلى المنطقة، مضيفاً أن المشروع سينعكس إيجاباً على عوائل 6000 شخص يعملون داخل المدينة الصناعية، وبالتالي على المنطقة بشكل عام.
وتتميز المدينة الصناعية في الباب بتوفير الخدمات اللازمة والبنى التحتية (الكهرباء – صرف صحي – شبكة مياه كبريتية – مواصلات – تعبيد الطرقات)، فضلاً عن موقعها الجغرافي، إذ تقع على الطريق الرئيسي الواصل بين مدينة الباب ومعبر الراعي الحدودي مع تركيا.
أما في مدينة اعزاز، فبدأ المجلس المحلي فعلياً في تجهيز البنية التحتية للمدينة الصناعية بمساحة 185 ألف متر مربع، بالتنسيق مع الجانب التركي، وصرح “ياسر الزعيم” المسؤول الإعلامي في المجلس المحلي بالمدينة، لموقع تلفزيون سوريا أن المدينة الصناعية تبعد عن اعزاز ما يقارب 7 كيلومترات، وعن الحدود السورية التركية 11 كيلومترا.
وأفاد “الزعيم” بأن تفعيل المدينة الصناعية سيكون له دور في تسريع عجلة الاقتصاد، وإيجاد فرص عمل للشباب في ظل ارتفاع معدل البطالة وسوء الأوضاع المعيشية، وإيجاد بيئة آمنة لجلب الاستثمارات إلى مدينة اعزاز.
وذكر أن المكتب الفني في المجلس المحلي عمل على وضع مخطط هندسي للمدينة الصناعية يتناسب مع آلية عمل الصناعيين، ضمن شروط هندسية وفنية، وأضاف أن المدينة الصناعية ستقسّم لعدة محاضر، أقلها بمساحة 1500 متر مربع، وأكثرها 5000 متر مربع.
وسيتم تجهيز المدينة الصناعية بجميع الخدمات، حسب المجلس المحلي، وأهمها تعبيد الطرقات، وتجهيز شبكة الصرف الصحي وتوفير الكهرباء والماء، وبناء سور حماية، ومحطة وقود، مع توفير الحراسة وكاميرات المراقبة وشبكة إطفاء حرائق.
المدينة الصناعية الثالثة ضمن ريف حلب الشمالي يتم العمل على إنشائها داخل مدينة الراعي على الحدود السورية التركية، وفي الأول من الشهر الجاري أعلن المجلس المحلي عن وضع حجر الأساس للمشروع بحضور شخصيات سورية وتركية.
“حسين عيسى” رئيس غرفة تجارة وصناعة مدينة الراعي أكد خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بدء بعض المستثمرين بالإنشاء داخل المدينة، بالتزامن مع استمرار أعمال البنية التحتية من قبل إدارة المدينة الصناعية.
وأشار “عيسى” إلى أن المدينة ستبدأ مرحلة الإنتاج الصناعي خلال النصف الثاني من عام 2021.
ومن أهداف المدينة تأمين أرضية للمستثمرين، وتخفيض نسبة البطالة، وبناء مركز للتدريب المهني ضمن المدينة لتعليم الشباب للحرف الموجودة، ما يعني رفع النمو الاقتصادي في المنطقة.
وأفاد بأن الحكومة التركية ستؤمن للمدينة الصناعية طاقة كهربائية بسعر مخفض، مع تأمين الدعم اللوجستي، وتسهيل عبور ونقل وتصدير البضائع.
جذب المستثمرين وإنعاش الاقتصاد
تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في الشمال السوري، يعد أحد أهم الأهداف التي تضعها الحكومة السورية المؤقتة نصب أعينها من وراء إنشاء المدن الصناعية في مدن ريف حلب.
وخلال الاطلاع على التعريف العام بالمدينة الصناعية، يلاحظ الإشارة بعناية إلى دورها في تطوير القطاع الصناعي، ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما استيعاب الأعداد الضخمة من الشبان العاطلين عن العمل.
وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة الدكتور “عبد الحكيم المصري” قال لموقع تلفزيون سوريا إن المنتجين سيجدون -بعد تجهيز المدن الصناعية- مكاناً مجهّزاً بالبنية التحتية اللازمة والمرافق العامة لإقامة المصانع أو المعامل، وهذا ما سيشجع المستثمرين على الاستثمار، كونهم سيوفرون جهد البحث عن مكان لإقامة المشاريع.
وأضاف “تشجيع المستثمرين للاستثمار في هذه المناطق سيوفّر فرص عمل وحركة تنموية وبالتالي تحسين الواقع الاقتصادي، وكذلك ستتحسن أوضاع المنتجين في المنطقة، خاصة ممن يمكن استخدام منتجاتهم كمواد أولية في بعض الصناعات”.
من جانبه أكد رئيس مجلس محافظة حلب الحرة “عبد الغني شوبك” وجود تسهيلات لدخول وخروج الصناعيين والتجار والبضائع من وإلى تركيا عن طريق المعابر الحدودية، كما ذكر لتلفزيون سوريا وجود شبكة طرق حديثة تصل بين المدن الصناعية والمنافذ الحدودية، وكذلك وجود ضمانات للصناعيين بخصوص الحماية الأمنية.
ويعتقد “شوبك” أن المدن الصناعية سيكون لها دور في تنمية المنطقة، وتأمين الموارد للأسواق المحلية، وإيجاد فرص عمل، وتصدير البضائع إلى الخارج، “وهو ما سيؤدي إلى ازدهار المناطق المحررة مستقبلاً”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا