ردّ اللاجئون السوريون على دعوات روسيا ونظام اﻷسد لعودتهم بوسم “العودة تبدأ برحيل الأسد” مؤكدين استحالة العيش في سوريا مع بقائه في الحكم؛ فهل تقتصر العوائق أمام عودة اللاجئين على شخص بشار اﻷسد؟
يرى رئيس ومؤسس مركز جسور للدراسات “محمد سرميني” في إجابته لـ” نداء سوريا” على ذلك التساؤل أن عودة اللاجئين السوريين ترتبط بنوعين من الأسباب، النوع الأول هو الحد المقبول من الضمانات الأمنية على أرواحهم وأموالهم وهذا مرتبط ببشار الأسد كرأس النظام الأمني في سوريا ومرتبط بتغيير سلوك النظام الحاكم في سوريا بعد بشار الأسد حيث لن يأمن اللاجئون للعودة إلا مع سيادة القانون بعيداً عن التسلط الأمني الواسع الذي تعيشه سوريا مع النظام الحالي، وبات مسلماً به أن النظام الحالي والذي رأسه بشار الأسد عاجز عن تغيير هذا السلوك الأمني الاستبدادي.
أما النوع الثاني من الأسباب الواجب توفرها وفقاً لسرميني فهو توفير الاستقرار الاقتصادي وفرص العمل والبنية التحتية والحالة المعيشية المقبولة في مختلف مناطق سوريا.
من جهته رأى الكاتب الصحافي أحمد مظهر سعدو أن المسألة في سوريا “لم تكن يوماً في شخص الديكتاتور المجرم بشار الأسد، بل كانت وعلى الدوام في هيمنة السلطة الأمنية (العصاباتية) بالضرورة على مجمل الوطن السوري، وتلك المقتلة التي ما زالت مستمرة في سوريا منذ عام 2011 وكذلك الوطن السوري بكليته المخطوف جغرافياً وديمغرافياً من قبل عصابة طائفية باتت مهيمنة على الوطن السوري منذ 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970 وحتى اليوم، ولأن أجهزة الأمن هي من تقود البلد السوري، ولأنها هي من دمر البنية التحتية لسوريا، فإنه لا أمان إطلاقاً لعودة أي لاجئ مهجر قسراً، ضمن ظروف بقاء السلطة الفاجرة والتي تعتقل كل من يعود إلى سوريا التي تهيمن عليها، وقد تقوم بقتله أيضاً”.
واعتبر أن “الحل” المفترض وفقاً للمنظور الدولي والمحدد بالقرار 2254 “هو ما يمكن المراهنة عليه في حل القضية السورية مستقبلًا، بالرغم من التخلي الكبير الذي عاشه كل سوري من قبل أصدقاء الشعب السوري بعد أعدائه، لذلك فإن المسألة السورية لا يبدو أنها قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحل وفق المتغيرات الآنية”.
أما سرميني فقد أشار إلى أن القرار 2254 يقضي بتوفير بيئة آمنة مناسبة للحالة الديمقراطية التي على أساسها يتم الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات، و”ربما تصور هذه الحالة بموضوعية صعب مع الظروف الحالية والتعقيدات الإقليمية والدولية لذلك تعمل الولايات المتحدة ضمن المجموعة الدولية على تشديد العقوبات والحصار ومنع إعادة الإعمار لإرغام نظام الأسد وداعميه على الانخراط الجاد في العملية السياسية، ورغم الآثار الجانبية لهذه الأدوات لكنها فعالة على المدى الطويل حيث ترهق نظام الأسد وتستنزف حلفاءه، ومن المتوقع الوصول لتسوية أمريكية روسية تضمن الحد الأدنى من تغيير سلوك النظام حتى وإن كان هذا الحد لا يلبي طموحات الشعب السوري ولا يضمن عودة كامل اللاجئين بشكل آمن وطوعي”.
ولكن رغم القطيعة الدبلوماسية الدولية مع نظام اﻷسد فقد أكدت تقارير عدة استمرار التنسيق اﻷمني معه على مستويات عدة عربياً وغربياً؛ “نداء سوريا” سألت سرميني عن رأيه حول ما إذا كانت ترغب تلك الدول بتفكيك اﻷجهزة الأمنية حقاً؟ ورأى أن “استمرار التنسيق الأمني ولو في ملفات ومسارات محددة هو أمر معروف وطبيعي بين الدول التي بينها خلافات تصل إلى حد القطيعة دون إعلان العداء المباشر، وقد ساهم تنامي ملف الإرهاب مع ظهور القاعدة وتنظيم الدولة في تعزيز الحاجة بالنسبة للكثير من الدول لإبقاء خطوط أمنية مع نظام الأسد وأفرعه الأمنية، لكن هذه الأجهزة الأمنية بمقدار ما تمتلك من المعلومات والخبرة المتراكمة خاصة في ملف العراق ولبنان وفلسطين بمقدار ما تمثل تحدياً للاستقرار الداخلي والخارجي، لذلك ترغب الدول ضمن الحل السياسي بعدم خلق فراغ أمني لكن في نفس الوقت تريد أن تضمن تغيير السلوك الأمني للنظام وضمان أن لا يشكل تهديداً للمصالح الإقليمية والدولية داخل سوريا وخارجها”.
من جانبه اعتبر “سعدو” أن “ما يجري من متابعة تنسيقية أمنية وسواها بل وتجارية رغم (قانون قيصر) يشير إلى التفلت الدولي والإقليمي من الالتزامات تجاه الشعب السوري، إنسانياً أولاً ثم سياسياً، ولا نرى أن المستقبل القادم في المدى المنظور، من الممكن أن يوحي بقرب القطيعة الكاملة مع هذا النظام أو إنهاء وجوده، بل لعل المصلحة الأمريكية التي تعول على أن من يحمي أمن إسرائيل هو فقط النظام السوري، ولأن مصلحة وحماية أمن إسرائيل هي الأهم، فإن التعويل الأرجح ما زال على بقاء وإعادة تدوير الأسد، إلا إذا حدثت تغيرات كبرى في السياسة الأمريكية للإدارة الجديدة، وهو ما لا يمكن توقعه عاجلاً”.
وفي إجابته على سؤال “هل يمكن للمطلوبين العودة في حال تغيير القيادة مع بقاء اﻷفرع اﻷمنية والمخابرات بعناصرها وضباطها؟” أجاب سرميني: “ربما من الصعب ربط التخوفات الأمنية للاجئين السوريين بقيادات النظام فقط دون ربطها برؤساء ومحققي وضباط الأفرع الأمنية، والذين من الصعب المراهنة على تغيير سلوكهم وطريقة تفكيرهم فضلاً عن أن معظمهم يرتبط باسمه الكثير من الجرائم والانتهاكات الواسعة إضافة إلى ضرورة التفكير بمختلف قضايا العدالة الانتقالية المرتبطة بحقوق الضحايا المادية والمعنوية” وهو ما وافق عليه “سعدو” بالقول: إنه “لا يمكن عودة أي سوري ثائر أو معارض، أو وطني مناهض للأسرة الحاكمة، في ظل هيمنة أفرع الأمن على مقدرات سوريا، ولا يمكن القبول أو السكون لأي وعد من هذه السلطة، بلا حل سياسي ينهي تغول الدولة الأمنية على السوريين برمتهم”.
وتبقى المشكلة اﻷعقد في وجود الميليشيات اﻹيرانية والروسية والمحلية، ومدى إمكانية حل ملفها مع تغير رأس النظام في سوريا؛ وقد أوضح سرميني أن وجود وبقاء النظام الحالي هو أحد ركائز وجود الميليشيات الإيرانية والتي سيتأثر وجودها مع أي حل سياسي يضمن الاستقرار في سوريا، لذلك تحاول هذه الميليشيات أن تضمن حضوراً أمنياً ومجتمعياً بتشكيل خلايا ومجموعات محلية حليفة وتابعة لها يجعل بقاء النفوذ الإيراني غير مرتبط ببقاء النظام؛ أما النفوذ الروسي فهو أكثر استقراراً في سوريا حيث تفرض روسيا نفسها كضامن للحل السياسي وتجعل وجودها جزءاً من هذا الحل، وذلك ضمن التفاهمات الإقليمية والدولية التي تساعدها في ذلك، كما أن هدف الوجود الروسي مختلف عن هدف الوجود الإيراني، حيث تركز روسيا جهدها على حيازة ولاء وتبعية المؤسسات الأمنية والعسكرية ومصادرة القرار السياسي والمواقع الحيوية الهامة دون التدخل بمؤسسات المجتمع ودوائر الحوكمة المحلية التي تضطرها للاحتكاك المباشر مع الناس.
واعتبر سعدو أن “مصير الميليشيات الطائفية والإيرانية التي استقدمها النظام السوري وأصبحت عبئاً كبيراً على مستقبل سوريا، هو المشكلة الأخطر في مستقبل البلاد حتى في ظل حل سياسي مبتغى، إذ لا بد من خروجها بغير رجعة، أي كل الميليشيات التي تشكل خطرًا على مجمل الشعب السوري، وتقض مضجعه، وتحيل حياته إلى ما يشبه الخوف المقيم، والدماء المستمرة عبر حالة الفلتان الأمني التي أنشأتها، وأوصلت عبرها وبها الواقع السوري إلى ما هو عليه”.
وختاماً يبقى ملف اللاجئين أحد أعقد الملفات السورية وأكثرها تشعُّباً حيث يشكلون عامل ضغط على الدول المستقبلة لهم وفي الوقت نفسه ورقة تحاول روسيا ونظام الأسد لعبها في وجه دول الغرب إلا أنها تقطع الطريق دائماً عليها بفرض الحل السياسي كشرط أساسي لتأمين عودة طوعية للاجئين وتمسك تلك الدول بمفاتيح الدعم المالي لإعادة الإعمار والاعتراف الدولي بالنظام الحاكم والسماح بتطبيع العلاقات معه.
المصدر: شبكة نداء سورية