تتسارع خطوات مليشيات إيرانية لتأكيد سطوتها على محافظة دير الزور السورية، شرقي سورية، التي تُعدّ محطة رئيسية على طريق طهران – بيروت، الذي يعمل حكام إيران على إنجازه من خلال خلق ظروف لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية مقبلة. ومن بين هذه الظروف تغيير النسيج الاجتماعي، وتجنيد أبناء المنطقة في صفوف هذه المليشيات.
في السياق، تمّ تجنيد نحو 6700 سوري من أعمار مختلفة في صفوف القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها أخيراً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في المناطق التي تسيطر عليها هذه المليشيات في محافظة دير الزور. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن المليشيات الإيرانية تستغل الحالة المعيشية الصعبة للسكان لتجنيدهم في صفوفها، لافتة إلى أنها تقدّم رواتب تراوح بين 70 و100 دولار لهؤلاء المتطوعين حسب مهامهم. وأشارت المصادر إلى أن بعض الشبان والرجال يضطرون للانخراط في صفوف المجندين لتفادي انتقام هذه المليشيات، الذي يصل في بعض الأحيان إلى القتل في حال الرفض. وأوضحت أن معظم سكان المناطق التي يسيطر عليها الإيرانيون والنظام السوري تركوا بيوتهم ونزحوا إلى الضفة الأخرى من نهر الفرات، حيث سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وذكرت أن مدينة الميادين، التي كان عدد سكانها أكثر من 60 ألف نسمة، لم يبق فيها سوى آلاف عدة فقط، وكذلك الحال في مدينة البوكمال. ويشطر نهر الفرات محافظة دير الزور من الوسط، ويسيطر الإيرانيون على القسم الجنوبي الذي يسميه السكان المحليون بـ”الشامية”، بينما تسيطر “قسد” على القسم الشمالي المعروف بـ”الجزيرة”، والذي يقع ضمن ما بات يُعرف اصطلاحاً بـ”شرقي الفرات”.
وتسيطر هذه المليشيات بشكل كامل على المنطقة الممتدة من مدينة الميادين، جنوب شرقي مدينة دير الزور، إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، المقدّرة بنحو 60 كيلومتراً، وما بينهما من قرى وبلدات. وتحتفظ هذه المليشيات بنفوذ لها داخل دير الزور منذ أواخر عام 2017، تاريخ إسقاط تنظيم “داعش”. وأبرز هذه المليشيات: “لواء فاطميون” الذي يضم مرتزقة من أفغانستان، و”لواء زينبيون” الذي يضم مرتزقة من باكستان، بالإضافة إلى “لواء الإمام علي” و”حركة النجباء” وقوات من “الحرس الثوري” الإيراني، ومليشيات أخرى من “الحشد الشعبي” العراقي.
وتتبع للإيرانيين مليشيات محلية بقيادة أشخاص يرتبطون مباشرة بالحرس الثوري الإيراني، أبرزهم الشيخ القبلي نواف البشير، الذي يقود ميلشيا “الباقر”، وتضم مرتزقة من قبيلة البقارة، إحدى كبريات القبائل في ريف دير الزور، لكن القسم الأكبر من أبنائها معارضون للنظام السوري. وكان البشير نفسه من القياديين في صفوف المعارضة السورية وتعرض للاعتقال في عام 2011، قبل أن يُفرَج عنه ويغادر سورية. غير أنه فاجأ الشارع السوري المعارض في مطلع عام 2017 بعودته إلى دمشق، ليعلن تشكيل هذه الميلشيا التي تعمل على ترسيخ المشروع الإيراني الهادف إلى تغيير هوية محافظة دير الزور.
وأوضح الكاتب محمد خالد الشاكر، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الإيرانيين اختاروا مدينة الميادين في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، مركزاً لمشروعهم في شرقي سورية، مشيراً إلى أن مظاهر التشيّع تبدو أكثر وضوحاً في هذه المدينة لجهة تغيير أذان المساجد وتعديل أسماء الشوارع وإنشاء مزارات دينية لربط المنطقة بالمشروع الإيراني في سورية. وأضاف الشاكر، وهو أحد أبناء الميادين، أن الإيرانيين “يحاولون رسم خريطة الهلال الشيعي للسيطرة على المنطقة. ومحافظة دير الزور محطة مهمة على الطريق البري الذي تعمل إيران على إنشائه، ويمتد من طهران مروراً بالعراق وسورية وصولاً إلى العاصمة اللبنانية على ساحل المتوسط”.
ورأى الشاكر أن محاولات الإيرانيين العبث بالنسيج الاجتماعي في محافظة دير الزور “خطيرة للغاية”، مضيفاً أن هذا الأمر يحوّل السوريين إلى أعداء بعضهم لبعض. وأعرب عن اعتقاده بأن أي تسوية سياسية مقبلة “لن تجدي نفعاً في حال نجح الإيرانيون في تغيير النسيج الاجتماعي، وخلق الشروخ بين أبناء الوطن الواحد في محافظة دير الزور ومناطق سورية أخرى”، مضيفاً أن “لا حل حقيقياً في سورية طالما هناك وجود إيراني على أراضيها”.
المصدر: العربي الجديد