بكـائيـة الـغـضـب والألـم

محمد خليفة

يا ربِّ أضنى عيوني السهدُ والسهرُ
والقلبُ من فـرطِ حزني كاد ينفطرُ

أجيلُ عينيَّ في أحوال أمتنا
فلا أرى غير ما يعمى له البصرُ

ولا أرى غير أمصارٍ يـدمرُها
حُمَاتُها وعلى أنْقَاضِها سَكِروا

يا ربِّ أمتنا ضاعـتْ وليس لهـا
سـواك رب مجير وهو مقـتدرُ

من للعروبة والاسـلام منتصر
إذا تداعى علينا الخطب والخطرُ؟

ملوكنا كلهم صاروا صهاينة
القـدسُ تلعنهم والبيتُ والحجرُ

من ذا يهب إذا انقض الغزاة على
بلادنـا وتمادى الروس والتتـرُ

من أي للعرب الأحرار “معتصم”
إذا هم اسـتصرخوه ليس يعتذرُ

وهب للذود لا يخشى عواقبـَه
لـبَّى النـداءَ ولبـى الله والقدرُ

هذي حرائرنا في الموصل اغتصبت
وفي دمشـق يهان الله والبشـرُ

كم حرة صرخت واستنجدت بهم
فلا استجابوا ولا هبوا ولا زأروا

تيتمت منذ أحقاب عروبتنـا
فما لها اليوم قحطان ولا مضرُ

لا خالـد بيننـا يحمي محارمنا
ولا الزبير ولا الصديق أو عمرُ

وما لعـدنان أسـباط ولا حفـد
كأنهـم عقموا أو أنهم عـقروا

غوت فريش وعادت جاهليتها
والهاشميون ما خانوا وما اسـتتروا

حكام مصـر مماليك بـلا نـسب
وللنخاسـة في جيناتهـم جــذرُ

مخنثـون ومخصيون ليس لهم
جنـس ولا بينهـم أنثى ولا ذكرُ

مهجنون خلاسيـون لا عرب
هـم ولا عجـم .. لكنهم بقـرُ

باعوا البلاد بلا خوف ولا خجل
من أين للعاهراتِ الخوفُ والخفرُ ؟

خانوا جماهيرهم دوما وما صدقوا
في العهد إلا مع الأعداء إن أمروا

جيوشنا هزمت دوما وما انتصرت
إلا اذا حاربتنا , فهي تنتصرُ

جنودنا هزبوا في كل معركة
من المعارك مع اعدائنا وجروا

كم مرة ولت الادبار أو رفعت
راياتها البيض حين الباس يستعرُ

كثبان سيناء والاغوار تعرفهم
جنوب لبنان والجولان والغجرُ

وكم توعدت الاعداء او شجبت
واستنكرت ثم جف الحبر والنذر

كل الأقاليم تاهت عن عروبتها
لا الشام شام , ولا مصر ولا قطر

هل هذه الشام شام الأكرمين بني
أمـية أم هـي الماخور والعهرُ

ما عاد أعدواؤنا يأتون من دول
أخرى، ولكنهم من بيينا ظهروا

مستعربون , وسيماهم كهيئتنا
عـيونهم مثلـنا في طرفها حورُ

ويرتـدون عـباءات مقصـبة
لكنهم فـقدوا الأخلاق أو فجروا

ذكورهم فقدوا أيضا رجولتهم
لهم شوارب لكن ما لهم ذكـرُ

إن عاهدوا نكثوا أو أقسموا حنثوا
أو صادقوا مكروا أو حالفوا غدروا

حتى الدعاة وأرباب اللحى فسقوا
صاروا نجوما كأهل الفن واشتهروا

أئمة الحـرم المكي قد صبـأوا
صلوا وصاموا وفي افعالهم كفروا

ناحوا على المسجد الاقصى وما ذرفوا
دمعا على أمــويّ الشام أو نـفروا

كم ولولوا عندما انهارت منابره
وهللـوا إذ يـباد الخلق والشجر !

بكوا على الحجر المهدوم وانتحبوا
وأنكروا محنة الاطفال إذ نحـروا

تاريخنا يشتكي منا وينكرنا
كأننـا لقـطاء فيه نحتـقـر

يارب حـكامنا أعداؤنا فـلـمـن
نـشـكو سواك ..ومن إلاك  ينتصرُ

والله لو عاد ابراهيـم ثانية
لأحـرقوه وقـالوا مـا لنا خبر

أو عاد حيا رسول الله لانتقموا
ومــسه من أذى حـكامنا ضررُ

ولو يعود يسوع من قيامته
لأعدموه على الخازوق وافتخروا

اعداؤنا اليوم حكام بلا قيم
خانوا العباد وباعوا الارض واتجروا

صرنا نحنُّ إلى المستعمرين فقد
شادوا وما هدموا  داووا وما بتروا

أضحت جميع بلاد الارض وجهتنا
في كل مصر من الامصار ننتثرُ

روما تبش ومدريد تعانقنا
والترك والصرب واليونان والمجر

الا بلاد ذوي القربى فموصدة
وما لنا خيمة فيها ولا جـحـرُ

وفي البحار لنا خمسون مقبرة
أحلامنا قبرت فيها كمن قبروا

الموج يبلعنا والثلج يقتلنا
والريح تلسعنا والحزن يعتصرُ

الغرب يستقبل الأفواج محتفيا
ومصر تطردهم طردا وتفتخرُ

برلين قبلتنا الأولى وملجؤنا
تهوي القلوب اليها وهي تنفطرُ

لا يثرب رحبت باللاجئين ولا
أم القرى وكأنا الرجس والقذرُ

الى السويد يتوق المسلمون وفي
ممالك الروم حج الناس واعتمروا

هنا النجاشيُّ من خوف يؤمنهم
يحنو عليهم ودمع العين ينهمرُ

اما الأعارب فالخذلان شيمتهم
سدوا الحدود وسدوا البحر لو قدروا

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. قصيدة جميلة ولكن لي اعتراض على بعض الأبيات من حيث المعنى والدلالة مثل :
    حكام مصـر مماليك بـلا نـسب
    وللنخاسـة في جيناتهـم جــذرُ
    يجب الا ننسى ان المماليك كمسلمين هم من ردوا التتار عن الأمة العربية فلا نشبه بهم ، ايضا الاسلام حارب النخاسة والعبودية ، ايضاً العروبة لا ترتكز على علاقة الدم ، فهي ليست عنصرية.
    مسألة أخرى: جنودنا هزمت في كل معركة .. الخ
    جنودنا شجاعة وعبرت القناة انما السياسيون يحرفون النصر الى هزيمة ..
    هناك الكثير في القصيدة تكسر من شهامة الإنسان العربي تتناقض مع ما عهدناه من مبادئ عن الاستاذ محمد خليفة.

  2. اخي الكريم أستاذ احمد
    أشكرك على اهتمامك وعلى ملاحظاتك التي اتفق مع بعضها بكل تأكيد , إلا أنني اختلف معك في تناولها كمادة علمية ينبغي أن تتطابق مع الحقائق الموضوعية . يجوز في الشعر ما لا يجوز في النص البحثي العلمي . الشعر حالة انفعالية , يجوز فيها للشاعر أن يخرج على القواعد الموضوعية والحقائق التاريخية , وكل القواعد . ويجوز للشاعر في حالة الانفعال ( الكفر ) بكل ما هو مقدس , ويجوز له التعبير عن ( الرفض ) لكل شيء . وهذا سائد ومعروف , وشعراؤنا الكبار كلهم عبروا عن انفعالات ذهبت بعيد في الكفر والرفض , دون أن يصنف أدبهم في خانة المروق الوطني والقومي . الشاعر أو الفنان يستخدم مثل هذه اللغة بهدف احداث صدمة لدى المتلقي ليفجر غضبه ورفضه وسخطه على واقع سيء أو فاسد .
    تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى