تأزمت العلاقة مجدداً بين النظام السوري وأكراد سورية عقب تصريحات لرئيس النظام بشار الأسد اتهم فيها قطاعاً واسعاً من الأكراد بـ “التعامل مع المحتل”، معتبراً الوجود الكردي طارئاً في سورية وليس أصيلاً، وهو ما دفع أحزاباً كردية لشن هجوم جديد على حكومة النظام مستثنية الأسد، داعية إياها إلى تبنّي لغة العقل وتغيير ذهنيتها للتوصل إلى حل سياسي ينهي المأساة السورية. وكان الأسد قد أنكر، يوم الجمعة الماضي، وجود “قضية كردية” في سورية، متهماً ما سماها “مجموعات كردية”، بـ”العمل تحت السلطة الأميركية”. وادّعى أن هذه المجموعات أتت إلى شمال سورية “خلال القرن الماضي فقط بسبب القمع التركي لها واستضفناهم في سورية”. كما أشار الأسد في تصريحات تلفزيونية إلى أن هذه المجموعات “بدأت بطرح طروحات انفصالية منذ عقود عدة وبشكل أساسي في بداية الثمانينيات”، مضيفاً أنه “عندما قامت الدولة التركية في مراحل مختلفة بقمع وقتل الأكراد في تركيا، نحن وقفنا معهم، لم نقف ضد قضيتهم إذا كانوا يسمونها قضية”.
وتابع “في سورية أخذوا جنسية. وهم لم يكونوا سوريين بالأساس. فإذاً كنا دائماً إيجابيين تجاه الموضوع الكردي، وما تُسمّى (القضية الكردية) هي عبارة عن عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب”. واشترط الأسد اتخاذ الأكراد موقفاً عدائياً من الأميركيين والأتراك، للتوصل إلى اتفاق معهم حول منطقة شرقي نهر الفرات التي يسيطرون على معظمها، مضيفاً “لا يمكن أن نصل إلى نتائج في أي حوار معهم لو التقينا آلاف المرات إلا عندما يحددون موقفاً واضحاً، وهو موقف وطني، أن تكون ضد الأميركي، ضد الاحتلال وضد التركي لأنك أيضاً ضد الاحتلال. التركي محتل والأميركي محتل”. وهي ليست المرة الأولى التي يتهم فيها بشار الأسد أكراد سورية بـ “الخيانة”، إذ سبق له أن قال في عام 2017، إن “كل من يعمل لمصلحة الأجنبي، خصوصاً الآن تحت القيادة الأميركية، إن كل من يعمل تحت قيادة أي بلد أجنبي في بلده وضد جيشه وضد شعبه هو خائن”، وفق تعبيره.
ولم يتأخر ردّ أحزاب كردية منضوية بما يسمّى بـ “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، مشيرة في بيان شديد اللهجة إلى أن بشار الأسد “يتحدث بنفس الذهنية واللغة التي كانت سبباً في ما جرى للشعب السوري والكارثة التي حلت به، بعيداً عن الواقع وعن الدروس التي كان يجب استنباطها من المأساة السورية والآلام التي يعانيها الشعب السوري بكل مكوناته”. وأشار 31 حزباً في البيان إلى أن “هذه الذهنية وهذا المنطق لا يدل على المساهمة أو حتى تقبّل لأي حل سياسي ينهي هذه المأساة”، مضيفة أن “مكونات الشعب السوري في شمال وشرق سورية بعربها وأكرادها وسريانها وجميع المكونات الموجودة أصيلة ومتعايشة في مناطقها مع بعضها البعض، قبل رسم حدود الدولة السورية الراهنة، ولهذا هي مكونات أصيلة ولم تأت من أية بقعة أخرى ولا يمكن لأي كان المزاودة على وطنيتها وانتمائها السوري”.
وأشارت إلى أن “هذه المكونات تلاحمت بأصالتها ووطنيتها ودافعت عن وجودها وكرامتها عندما تركها النظام فريسة للإرهاب الظلامي ومستخدميه، واستطاعت تطوير إدارتها الذاتية الديمقراطية لتكون مثالاً يحتذى به في مجمل سورية، التي هي فسيفساء بانتماءاتها المتنوعة إثنياً وعقائدياً”. ولفتت إلى أن “الحكومة السورية تتفق مع تركيا وتتناغم مع مخططات (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان ضد بلدنا سورية”، داعية “هذه الحكومة إلى تبنّي لغة العقل والتقرب من الواقع السوري كما هو من دون أي تجاهل، كون التجاهل والإنكار يعقّدان الأمور أكثر”، وفق البيان. ومن أبرز الموقعين على البيان، حزب الاتحاد الديمقراطي، حزب سورية المستقبل، حزب الاتحاد السرياني، حزب السلام الديمقراطي الكردستاني، الحزب الشيوعي الكردستاني، حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية (يكيتي) والحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي)، بينما غابت عن القائمة أحزاب المجلس الوطني الكردي الممثلة في الائتلاف الوطني السوري.
من جهتها، أفادت “الإدارة الذاتية” الكردية في بيان أن “منطق النظام لم يجلب معه أية حلول على مدى السنوات التي مضت؛ وأن الإصرار على هذا التناول لا يخدم فرص الحل”، مضيفة أنه “من الأفضل أن يعي النظام بأن التغيير مهم وأن الحل الديمقراطي هو الحل الأنجح، ولا بد من أن يكون هناك انفتاح على التغيير السائد في سورية؛ كذلك اعتبار القضية الكردية جزءاً مهماً من الحل الوطني السوري العام”.
ومن الواضح أن الأحزاب الكردية تركت الباب موارباً أمام حوار مع النظام السوري، فوجّهت نقدها لحكومة النظام، ولم تأت على ذكر بشار الأسد، رغم أن التصريحات المعادية للأكراد في سورية عادة ما يطلقها الأسد نفسه. وفشلت عدة جولات حوار وتفاوض عقدت تحت إشراف روسي في العام الماضي وفي العام الحالي في العاصمة دمشق وفي قاعدة حميميم الروسية، بين المجلس السياسي لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي يشكل المقاتلون الأكراد ثقلها الرئيسي، إلا أنها فشلت بسبب إصرار النظام على تفكيك هذه القوات وتسلُّم منطقة شرق الفرات منها، مقابل الاكتفاء بتقديم حقوق “ثقافية” للأكراد، لا أكثر.
بدوره، رأى عضو لجان الديمقراطية السورية، إبراهيم مسلّم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تصريحات رأس النظام السوري ضد الأكراد “جاءت نتيجة الضغوط الروسية على النظام السوري، كجزء من التسوية التي تسعى إليها روسيا مع تركيا”. وأضاف أنه “قبل أيام عدة اتهم ممثل النظام في الأمم المتحدة تركيا بكونها دولة راعية للإرهاب، وبعدها يأتي رأس النظام ليقول بأنه لا عداء بين سورية وتركيا، وبأن هناك تداخلاً ثقافياً بينهما ومن غير المنطقي أن تكون هناك خلافات جدية”. ورأى مسلّم أن هناك تسوية جديدة “ربما تكون فاتورتها منطقة أخرى سوف تحتل من قبل تركيا في شرق الفرات”، مضيفاً “في هذه الحروب القذرة والتسويات بين الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، نرى المدنيين يدفعون حياتهم ثمناً، سواء تحت القصف في سورية أو نتيجة للظروف القاسية على الحدود”.
من جهته، اعتبر عضو الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي، المنسق العام لحركة الإصلاح الكردي، فيصل يوسف، أن “القضية الكردية في سورية هي قضية وطنية تستوجب حلاً في إطار سورية المستقبل، وهي تستمد شرعيتها من شعب يعيش على أرضه التاريخية ويرنو للخلاص من الحرمان والمظالم”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الحرمان من الحقوق القومية للشعب الكردي والسياسات الشوفينية المتبعة بحقه والاستبداد الذي مارسه السلطة بحق مناضليه، أوجد قضية عادلة تلزم الإنصاف والقرار العادل لحلها وتضمين ذلك بالدستور العتيد للبلاد الذي تراد صياغته برعاية دولية، وهو ما يعمل عليه المجلس الوطني الكردي راهناً وتعزيزه بموقف كردي موحد”.
ومنذ بدء الثورة السورية في عام 2011 مرّت العلاقة بين أكراد سورية والنظام بمنعرجات عدة، فأفسح الأخير المجال أمام نشوء الوحدات الكردية لوأد الحراك الثوري الكردي في سورية. ولطالما اتهمت المعارضة السورية الوحدات الكردية بمساعدة النظام في شمال وشمالي شرق سورية، في حربه ضد فصائل المعارضة المسلحة. كما اتهمت المعارضة أحزاباً كردية، وفي مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، بتبني توجه انفصالي، وهو ما دفعها إلى إبعاد هذه الأحزاب عن المعارضة السورية واعتبار المجلس الوطني الكردي ممثلاً لأكراد سورية. من جانبها، ترفض “الإدارة الذاتية” هذه الاتهامات وتعتبر مشروعها وطنياً سورياً “لا يمس بقيم سورية كوطن ولا وحدتها”.
مع العلم أنه بدعمٍ أميركي كبير ومباشر، سيطرت قوات “قسد” خلال عامي 2016 و2017 على منطقة شرق الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية، أي نحو 60 ألف كيلومتر مربع، وتضمّ أغلب ثروات البلاد المائية والزراعية والنفطية. وخاضت هذه القوات منذ تأسيسها أواخر عام 2015 حرباً طويلة مع تنظيم “داعش” بدعم من التحالف الدولي، حتى بسطت نفوذها على هذه المساحة الكبيرة، فبات الأكراد لاعبين رئيسيين في سورية. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دفعت العملية التركية في شرق نهر الفرات الأكراد السوريين للعودة مجدداً إلى النظام السوري، في محاولة لإيقاف التهديد التركي عند حدود معينة. وأبرمت “قسد” اتفاقاً عسكرياً مع الروس والنظام يقضي بانتشار قوات الأخير وقوات روسية على الحدود لحمايتها من الهجمات التركية. وعبرت قوات للنظام مناطق “قسد” للانتشار على الحدود السورية – التركية لإيقاف العملية العسكرية التي أطلقتها أنقرة، وترافق ذلك مع دخول قوات روسية أيضاً إلى مناطق ونقاط عدة، وخصوصاً في ريف حلب الشمالي الشرقي وفي ريف الرقة الشمالي، وفي محافظة الحسكة التي أقام فيها الروس قواعد عسكرية ونقاطاً خصوصاً في مدينة القامشلي وريفها.
المصدر: العربي الجديد