
حين سألني توماس عن الإجازات، كنت أبحث في جيبي عن ذاكرتي. لم أجدها. ربما سقطت في بلدٍ سابق.
قال وهو يفرك يديه كمن خرج تواً من ساونا: كيف تقضون العطل في بلادكم؟ تسافرون؟ تتزلجون؟ تذهبون إلى الجبال؟ نظرت إليه طويلاً. نظرة رجلٍ يُسأل عن لون بيته بعد الحريق.
قلت: أي عطلة تقصد يا توماس؟
ابتسم، وبدأ يشرح بحماسة من يملك تقويماً صالحاً للحياة: في الشتاء نأخذ الأطفال إلى الجبال، نتزلج، نقع، نضحك، ثم نكسر الجليد في البحيرات ونسبح بعد الساونا كي نشعر أننا أحياء.
أومأت برأسي. لم أرد أن يسمع صوت شيءٍ ينكسر داخلي. قلت: نحن أيضاً نكسر أشياء… لكن ليس الجليد. نكسر الخاطر، والظهر، وأحياناً الخبز اليابس على الركبة.
سكتَ قليلاً. واصلتُ قبل أن يسأل أكثر. نحن في الشتاء نتزلج، نعم، لكن على أسعار الحطب. نمارس رياضة القفز من خبرٍ سيئ إلى خبرٍ أسوأ. أما الإجازات، فلا نأخذها، بل تأخذنا غصباً، ثم تعيدنا أسرع مما جاءت. نعمل فيها ورديات إضافية، نحمل الليل على أكتافنا، ونقايض التعب بلقمةٍ تسكّت الجوع ولا تشبعه.
قال لي عن سفرهم، عن أكلات الشعوب، عن الرقص حول عمودٍ مكلل بالزهور في ليلة منتصف الصيف.
ضحكت. قلت: نحن أيضاً نرقص… لكن حول عمود الكهرباء إذا اشتغل فجأة. ونأكل أكلات شعبية جداً: خبز، صبر، وانتظار. ومعظم الأ وقات،نأكل الهوا نحن لا نسافر يا توماس، نُهجَّر. ولا نخطط للعطلة، نخطط للنجاة.
أنهى حديثه مبتسماً، كأن شيئاً لم يُقل. أما أنا، فعدتُ إلى البيت مثقلاً بسؤالٍ أطول من الشتاء. جلستُ في المساء بين البساتين، تمدّدت على مخدّة كشبر، لففتُ سيجارة، وأكلتُ قطعة بطيخ.
ضحكت وحدي. شكرتُ الله، أننا، رغم كل شيء، ما زلنا نعرف كيف نأخذ إجازة قصيرة من الانكسار… على وسادةٍ صنعتها الذرة والفقر والذاكرة.
الكشبر: أوراق يابسة حول عرانيس الذرة تصنع منها الوسائد .






