قسد ولعبة الرهان على الزمن

عدنان علي

مع قرب أفول عام 2025 يبرز استحقاقٌ مهمٌّ يخصّ تنفيذ اتّفاق 10 من مارس بين الحكومة السوريّة وقيادة قوات «قسد»، بعد أن ظلّت قيادة قسد تماطل طوال الفترة الماضية في التنفيذ، مراهنةً ـ كما يبدو ـ على بروز تطوّرات في المشهد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي تُعفيها من الالتزام، أو تُضعف الحكومة في دمشق، وتُحسِّن شروط الاتّفاق بالنسبة لها.
ومع اقتراب هذا الاستحقاق، صعّدت أنقرة من ضغوطها على قسد، وعلى الحكومة في دمشق أيضًا، لمعرفة ما هي الخطوة التالية والخيارات المتاحة للتعامل مع ما تعتبره تركيا تلكّؤًا متعمّدًا من جانب قسد في الالتزام بموجبات الاتّفاق، مع التلويح باستخدام القوّة على غرار ما حصل في السنوات الماضية.
وخلال زيارة الوفد التركي الرفيع إلى دمشق، والذي ضمّ وزيرَي الخارجيّة والدفاع، إضافةً إلى رئيس الاستخبارات، شدّد وزير الخارجيّة التركي على ضرورة تنفيذ الاتّفاق، لكنّه لفت إلى أن الانطباع السائد يشير إلى عدم وجود نيّة لدى «قسد» لإحراز تقدّم في تنفيذ الاتّفاق، لافتًا إلى أنّها تنسّق مع إسرائيل، الأمر الذي يؤخّر التوصّل إلى نتائج إيجابيّة. ومثل هذا ما ذهب إليه وزير الخارجيّة أسعد الشيباني بقوله إنّ الحكومة السوريّة لم تلمس حتّى الآن إرادةً جدّيّة لتنفيذ الاتّفاق، كاشفًا عن تقديم الحكومة مقترحًا مؤخّرًا لتحريك الاتّفاق، وأنّ الردّ من جانب «قسد» ورد قبل يومٍ وتجري دراسته.
الداعم الرئيسي، وربّما الوحيد، لقسد هي إسرائيل، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجيّة التركي، وكما أوضحت معطيات أخرى سابقة.
والواقع أنّ المسار التفاوضي بين الحكومة وقسد منذ الإعلان عن اتّفاق 10 من مارس يسير بوتيرة متباطئة، ولم يُسفر تقريبًا عن إنجازات عمليّة سوى الاتّفاق المتكرّر على «مبادئ عامّة» لا يلبث كلّ طرف أن يفسّرها على هواه، وهو نمط من التفاوض غير منتج، ويذكّر بالمفاوضات التي كانت تجري لسنوات بين نظام الأسد والمعارضة في جنيف وأستانة وغيرها، وبالمفاوضات التي جرت قبل ذلك بين إسرائيل والأطراف العربيّة عقب مؤتمر مدريد، حيث ينتهج الطرف المعطِّل نهجًا تفاوضيًّا سلبيًّا يقوم على مبدأ «لَعَم»، أي نعم نظريًّا (كي لا يُتَّهم بالعرقلة والرفض)، ولا عمليًّا، عبر إغراق المفاوضات بالتفاصيل وتعريف المفاهيم والتفسيرات الشاذّة، بحيث تستغرق العمليّة سنوات، وتكون النتيجة صفريّة أو ما يقارب ذلك.
ولكن على ماذا تراهن قسد؟ بوجهٍ عام، يستهدف تكتيك إطالة أمد المفاوضات إحباط هذه العمليّة أو تقزيم أهدافها، ولعلّ الهدف الثاني هو الذي تعمل عليه «قسد»، أي العمل على تكريس الوقائع القائمة مع تغييرٍ محدود فقط في مضمونها، مقابل الحصول على اعترافٍ رسميّ من الحكومة في دمشق بهذا الوضع، بل واعترافٍ إقليميّ ودوليّ. وهل يمكن لهذا التكتيك أن ينجح في ضوء معطيات الواقع السوريّ الراهن والمعطيات الإقليميّة والدوليّة المتداخلة معه؟ الواقع أنّ الاحتمال ضعيف جدًّا، لأنّه يعاكس الإرادة المحليّة السوريّة الرسميّة والشعبيّة، ويعاكس إرادة دولة قويّة فاعلة متداخلة بقوّة في هذا الملفّ، وهي تركيا، كما لا يحوز على رضى الراعي الرئيسي لقوات قسد وللحكومة في دمشق، وهي الحكومة الأميركيّة. أمّا الداعم الرئيسي، وربّما الوحيد، لقسد هي إسرائيل، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجيّة التركي، وكما أوضحت معطيات أخرى سابقة. وبطبيعة الحال، لا تهتمّ إسرائيل كثيرًا بمصير قسد والأكراد في سوريا، لكنّها معنيّة أساسًا بإضعاف الحكومة في دمشق، وخلق أوضاع ضعفٍ مستديمة في البلاد عبر تفكيكها، وإذكاء الصراعات بين مكوّناتها المختلفة.
تسعى قسد إلى إجراء تعديلات في شكل الحكم عبر الربط بين هذا الدمج وإجراء ما تسمّيه إصلاحات سياسيّة ومؤسّساتيّة، وضرورة الاتّفاق على شكل الحكم وطبيعة المؤسّسات في المرحلة المقبلة..
ومن خلال هذه القراءة السريعة، ربّما يصحّ الاستنتاج أنّ الوقت المتبقّي أمام قسد للمناورة واللعب على عامل الوقت، على أمل بروز معطيات جديدة محلّيًّا أو إقليميًّا تؤدّي إلى تغيير المعادلة مع دمشق، بات ينفد، وقد لا يمضي وقت طويل حتّى تجد قسد نفسها أمام لحظة القرار: القبول بالتنازل أو القبول بالمواجهة مع الجانبين السوريّ والتركيّ، بينما تسعى الجهود الأميركيّة إلى عدم الوصول إلى هذه النقطة.
الحلّ الوسط الذي قد تتفتّق عنه قيادة قسد في حال اضطُرّت إلى تقديم تنازلات هو أن تكون هذه التنازلات محدودة، وتُبقي بيدها أوراق قوّة، كأن تنسحب من مناطق معيّنة مثل دير الزور أو الرقة، أو تسلّم حقول النفط للحكومة، أو أيّ تنازل آخر يمنحها وقتًا إضافيًّا لمحاولة تحسين شروط الصفقة.
وقد استبق وزير الدفاع التركي يشار غولر مثل هذا الاحتمال بقوله، في تصريحٍ أدلى به قبل وصوله إلى دمشق، إنّ المهلة الممنوحة لـ«قسد» للاندماج في الجيش السوريّ تنتهي مع نهاية العام الحالي، مشدّدًا على ضرورة أن تكون عمليّة دمج «قسد» بالجيش السوريّ بموجب خريطة طريق واضحة، وجدول زمنيّ معيّن وملزم وقابل للتنفيذ، بدلًا من أن تُدار هذه المرحلة عبر «عبارات غامضة لا نهاية لها»، ودون القبول بوجود أيّ هياكل أمنيّة موازية لقوات الحكومة على أرض الواقع.
وإضافةً إلى الدمج، تسعى قسد إلى إجراء تعديلات في شكل الحكم عبر الربط بين هذا الدمج وإجراء ما تسمّيه إصلاحات سياسيّة ومؤسّساتيّة، وضرورة الاتّفاق على شكل الحكم وطبيعة المؤسّسات في المرحلة المقبلة، وهي مطالب ترقى إلى مستوى طلب الشراكة النديّة مع الحكم في دمشق، وهو ما لن تقبل به دمشق ولا حليفها التركيّ.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى