هل إصلاح السلطة الفلسطينية جادٌّ؟

داود كتّاب

قدّم الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس حزمةً واسعةً من التعهّدات خلال مؤتمر دعم قيام الدولة الفلسطينية، الذي عُقد في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي. وشملت هذه التعهّدات إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عامة خلال عام من إعلان وقف إطلاق النار في غزّة، على أن يلتزم المُرشَّحون برنامج منظمّة التحرير الفلسطينية وبمرجعيتها القانونية والسياسية في إطار الشرعية الدولية.
ومن المعروف أنّ السلطة الوطنية الفلسطينية نشأت بموجب اتفاق المبادئ (أوسلو) الموقَّع في البيت الأبيض عام 1993، وباسم منظمة التحرير. ومن ثم جاء كل ما نتج عن الاتفاقيات اللاحقة استناداً إلى مرجعية المنظمة. وقد برز هذا الأمر بوضوح بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في انتخابات 2006، حين أعلن إسماعيل هنيّة استقالته من الحركة لتسهيل استمرار الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة. لكن هذا لم ينجح في إقناع أحد، وبقيت حكومة هنيّة بلا غطاء دولي، ما أدى إلى شلل مالي ومصرفي عميق، إلى درجة أنّ المؤسّسات الدولية لم تقبل توقيع وزير مالية تلك الحكومة.
إلى جانب التعهّد بالانتخابات، أعلن الرئيس الفلسطيني سلسلةَ إصلاحاتٍ تشمل إعادة تشكيل نظام مخصّصات أهالي الأسرى والشهداء، وإعادة النظر في المناهج التعليمية، وتعيين نائب لرئيس المنظمة، إضافة إلى إصلاحات قانونية ومؤسّسية واسعة.
ومع ذلك، من الطبيعي أن يساور كثيرين الشكّ في جدّية الإصلاح، خصوصاً أنه مضى على انتخاب الرئيس الحالي نحو عشرين عاماً، من دون إجراء انتخابات رئاسية جديدة، كما حُلّ المجلس التشريعي الفلسطيني ولم يعد هناك جسم رقابي أو دستوري يضبط المراسيم والقرارات الصادرة في غياب السلطة التشريعية. مع هذا، قد يوفّر ما يجري داخل الأراضي الفلسطينية في الآونة الماضية مؤشّراتٍ على تحرّك أكثر جدّية لمكافحة الفساد ودفع مسار الإصلاح قُدماً. فقد كُشف عن قضية فساد كبيرة تتعلّق بمسؤول المعابر، الذي غادر البلاد قبل محاسبته، كما جرى التحفّظ على وزير النقل واستبداله، وأُبعِد وزير المالية أخيراً بالتوازي مع توقيف عشرة موظفين سابقين في الوزارة بشبهات فساد.
مكافحة الفساد وإصلاح مؤسّسات السلطة مطلبان وطنيان، ويأمل الفلسطينيون أن تكون الإصلاحات جديّة وعميقة، لا مجرّد استجابة لإملاءات الخارج
تُتابع ملفّات الفساد وفق آليات متعدّدة، فبعضها يُحوَّل إلى القضاء، فيما يتم التحفّظ على جزء آخر كي يقرر الرئيس كيفية التعامل معهم وفق ما يشير مطّلعون. وأخرى تعالج عبر المقايضات بهدف استعادة الأموال العامة. تُظهِر هذه التطوّرات محاولةً من السلطة للتجاوب مع مطالب المجتمع الدولي بإجراء إصلاحات جذرية، في إطار السعي نحو إعادة التعاون الدولي.
رغم ذلك، لا يبدو أنّ غالبية الفلسطينيين مقتنعون بوجود تغيير استراتيجي في مسار الإصلاح. فكثيرون يرون أنّ الخطوات الحالية لا تتجاوز الحدّ الأدنى المطلوب لضمان استمرار التعاون الدولي، فيما يشير آخرون إلى أن القيادة كان عليها إعطاء الأولوية المطلقة لتحقيق الوحدة الوطنية. فإن لم تنجح القوى الفلسطينية في تحقيق الوحدة خلال حرب الإبادة الجارية في غزّة، وفي ظلّ المخاطر الوجودية التي تهدّد الشعب الفلسطيني، فمتى يمكن أن تتحقّق هذه الوحدة؟
قد يقول قائل إنّ الرئاسة رفضت شروط حركة حماس حفاظاً على العلاقة مع واشنطن، لكن ما ثمرة تلك العلاقة؟ وهل استطاعت السلطة وقف الحرب أو توفير الغذاء والدواء لمئات آلاف الجائعين والمرضى في غزّة؟
الأكيد أن مكافحة الفساد وإصلاح مؤسّسات السلطة مطلبان وطنيان، ويأمل الفلسطينيون أن تكون الإصلاحات جديّة وعميقة، لا مجرّد استجابة لإملاءات الخارج. ورغم صدور تقرير مفصّل من 173 صفحة حول إعمار غزّة، تبقى الأسئلة معلّقة: هل ستتمكّن السلطة من لعب دور محوري في الإعمار؟ وكيف يمكنها فرض رؤيتها على العالم وهي لا تتحدّث باسم كامل الشعب الفلسطيني، خصوصاً الفصائل غير المشاركة في منظمة التحرير؟
الإصلاح ضرورة ملحّة، لكنّ إصلاحاً بلا وحدة وطنية سيظلّ عاجزاً عن إقناع أحد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى