
إبراهيم كوكي كاتب سوري متميز له الكثير من الأعمال، قرأت له منها كتابي الاجندة وفتح الأندلس وكتبت عنهما.
ليلة سقوط الأسد – اسرار وخفايا ١١ يوما غيرت تاريخ سوريا. هو كتاب إبراهيم كوكي الجديد الذي أرّخ به للثورة السورية منذ انطلاقها في آذار ٢٠١١م. وحتى اللحظات الاخيرة لهروب رأس النظام الساقط بشار الأسد إلى روسيا. تأريخ فيه الكثير من المصداقية والمعلومات الموثقة من مصادرها.
بدأ إبراهيم كوكي كتابه من الظروف السياسية والمجتمعية التي عاشها الشعب السوري لعقود تحت ظل النظام المستبد الطائفي فترة حكم الاسد الاب والابن. ووضّح إن تراكم المظلومية والقهر والفساد وظروف العيش القاسية، مع رفض المعارضين للنظام وصراعهم معه ومواجهته بطيفهم الواسع الإسلامي والقومي والشيوعي والناصري والليبرالي عبر عقود ايضا مع الأثمان الغالية التي قدموها من أرواحهم وممتلكاتهم. يضاف إلى ذلك حصول الربيع العربي كشرارة أولى لتحرك عربي عام يطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر وليبيا و.. الخ. وحلت رحالها في سورية التي اعتقد النظام القمعي القاتل في سورية أن النظام فيها قوي ومتحكم وله تاريخ دموي من البطش والاعتقال والقتل للمعارضين السوريين. لكن شرارة الحرية وصلت وزادها عنفوان أسلوب النظام في التعاطي مع أطفال درعا الذين كتبوا على حيطان مدارسهم اوائل بشارات الحرية للسوريين جميعا.
لقد كان رد النظام القمعي والمسلح بعد ذلك. واصرار الشباب السوري الثائر السلمي بداية ثم المسلح على أن يخوض معركة الحرية حتى النهاية.
النظام قرر أن ينهي الثورة ولو قتل الشعب السوري كله ودمّر سورية كلها. وحصل ما لا يقبله عقل ولا يمكن تصوره. فسقط ما يزيد عن مليون شهيد سوري ومثلهم مصابين ومعاقين وتشرد نصف الشعب السوري خارجا وداخلا وتم تدمير أغلب المدن والبلدات الثائرة. ورغم ذلك كانت الثورة في حالة انتصار على النظام في اغلب المواقع السورية. لذلك استعان بالايرانيين والميليشيات الطائفية حزب الله وغيره. وبعد ذلك ومنذ ٢٠١٥م استعان بالروس ثم ساعد في إطلاق وحش تنظيم الدولة الاسلامية داعش الذي كان خنجرا مسموما في ظهر سورية وشعبها وثورتها.
لقد كانت حسابات القوى الإقليمية والدولية تعمل على وأد الربيع العربي ومنه الربيع السوري وثورته. وحصل توافق على إعادة تعويم النظام السوري وتثبيت مواقع القوى المتصارعة على الأرض تحت حجة للالتفاف للصراع مع داعش. واستقر الثوار السوريين في الشمال السوري ادلب وماوراءها حتى الحدود مع تركيا.
لم يسلّم الثوار للتوافقات الدولية وأن ثورتهم مشروعة أصلا منذ انطلاقتها. وان النظام يجب أن يسقط ليسترد الشعب السوري حقوقه. فما بالك بعدما عاش الشعب السوري من ويلات القتل والتشريد والتدمير على يد النظام و حلفائه الروس والإيرانيين وأدواتهم. لذلك بقي الثوار يعدون لمعركة إسقاط النظام. ينتظرون الفرصة كما قال قائد معركة التحرير الرئيس السوري بعد ذلك احمد الشرع.
حصل الأعداد وكانت الفرصة انقلاب ميزان القوى واختلال التحالفات في المنطقة. على اثر انطلاقة ثوار غزة ضد الاسرائيليين في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م. فقد بدأت معركة أمريكا وحليفتها إسرائيل ضد التمدد الإيراني في اقليمنا وبدأت معركة القضاء نسبيا على حزب الله اللبناني حيث أصبح النظام السوري فاقدا القوى الداعمة له على الأرض، بعدما فقد الكثير من جيشه بين منشق وهارب وقتيل. وساعد في ذلك انسحاب روسيا عن دعم النظام السوري الذي لم يستجب لمحاولاتها لخلق تقارب تركي سوري للتقدم تجاه حل يحقق جوهر القرار الدولي ٢٢٥٤.
هذا عن الفرصة، اما الاعداد فقد بدأ منذ سنوات حيث تحول الثوار الى شبه دولة في إدلب وجوارها. وصنعوا آلية مجتمعية سياسية اقتصادية عسكرية تنتج الكوادر المؤهلة للقتال ضد النظام ولبناء الدولة السورية وملئ الفراغ بعد اسقاطه.
ليس هكذا فقط بل كان هناك تخطيط استراتيجي وتكتيكي لمعركة التحرير خطوة خطوة ومدينة مدينة حتى الوصول الى دمشق وإعلان اسقاط النظام.
ولحصول ذلك كان لا بد من خلق قوة سميت العصائب الحمراء دورها اختراق صفوف العدو والتغلغل خلف خطوط النظام. وضرب مواقع السيطرة والتحكم وجعل جسم جيش النظام دون رأس مما جعلهم كقطيع هارب من موت لم يعرفوا من أين يأتيهم. وكذلك تواصل الثوار مع الكثير من قيادات جيش النظام لأجل استمالتهم ودفعهم للتخلي عن مواقعهم ، ونجح ذلك مع الكثير.
لكل ذلك عندما بدأت معركة التحرير تجاه حلب التي سرعان ما تم تحريرها بعد مقاومة ضعيفة من النظام وحلفائه. وانتقل الثوار الفاتحين بعد ذلك إلى حماة وحمص حيث كانت المقاومة من النظام وبقايا حلفائه الإيرانيين وحزب الله اشرس وخاصة في بعض المواقع العسكرية المتحكمة بموقعها مثل جبل زين العابدين. لكن النتيجة كانت سقوط زرع الرعب فيمن تبقى من الجيش السوري وقادته وأصبح الطريق إلى دمشق مفتوحا ليسقط النظام سقوطه المدوي الذي تابعه السوريين والعالم كله.
في الكتاب تفاصيل عن كواليس رأس النظام الساقط بشار الأسد وكيفية تعاطيه مع اندفاعة الثوار لإسقاط نظامه. لقد كان منشغلا بمحاولة إقناع حلفائه الإيرانيين والروس لأجل انقاذه وانقاذ نظامه.
الإيرانيين أعلنوا تخليهم عنه لانهم مشغولين في معركة الدفاع عن نظامهم نفسه داخل إيران في مواجهة إسرائيل وأمريكا. أما روسيا فقد راجعت متغيرات الارض وان النظام ينهار فعلا. وأنها متورطة في حربها ضد أوكرانيا. وانها لن تستطيع إنقاذ نظام ساقط موضوعيا بعدما رفض النظام السوري البائد كل محاولات العمل السياسي لحل ممكن في سورية بتدخل تركي روسي في فترات سابقة.
لذلك أصبح سقوط النظام بحكم المحقق وفي أيام معدودة. وفي هذه الحال لم يفكر رأس النظام بشار الأسد إلا أن يأخذ ما تبقى من أموال الدولة السورية ذهبا وعملة صعبة من البنك المركزي الذي تم سرقة كل محتوياته وأن ينقلها إلى الإمارات المتحدة ومن ثم الى روسيا بعدما استقر بشار الأسد هناك .
لقد انصب تفكير بشار الاسد على ان يسلم هو وعائلته الشخصية ويترك كل القيادات العسكرية لمصيرهم بما فيهم اخوه ماهر الأسد.
استأجر طائرة وجعلها تنقل له المال والثروات والأسرار وبدأ رحلته الى قاعدة حميميم ومنها الى روسيا.
يتابع الكتاب مصائر اغلب القيادات العسكرية والامنية للنظام الساقط وكيف عاشوا حالة رعب حقيقي وتصرفوا على قاعدة : اللهم أسألك نفسي. بعضهم توجه إلى الإمارات وبعضهم الى لبنان والبعض الى العراق. وبدأوا رحلة التخفي حتى لا يتم القبض عليهم ومحاسبتهم من الشعب السوري ودولة الثورة التي حطت رحالها في دمشق وبدأت عهدا من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعمل على بناء الحياة الأفضل لكل السوريين.
انتهى الكتاب لكن الحدث السوري مستمر في سيولته المتدفقة أملا وخيرا وحرية.
في التعقيب على الكتاب أقول:
نعم نحن بحاجة ماسة لتوثيق كل ما حصل في الثورة السورية قبلها وأثناءها حتى الانتصار. لكي لا ننسى ولكي نزداد معرفة وتعلم وان نعرف كيف نصون انتصار الثورة ونمنع الانحراف أو الاستغلال او الضياع. لقد حضر الشعب السوري يحمي ثورته ودولتها الوليدة وليتم التضافر بين الدولة والشعب للعمل سوية لمستقبل مشرق لسورية وشعبها.
كنت انتظر ان يتم اضاءة الأدوار الاقليمية التي دعمت الثوار السوريين على كل المستويات. فكما كان الروس والايرانيين وحلفاؤهم الميليشيات الطائفية حاضرين كل الوقت في قتل السوريين وتشريدهم وتدمير بلادهم. كذلك كانت الدولة التركية ودولة قطر حاضرتين داعمتين للثورة والثوار منذ البدء حتى لحظة الانتصار.
نعم نحتاج أن نذكر من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا ومن كان داعما لنا حتى وصلنا الى ما نحن عليه كدولة سورية جديدة تصنع حضورها و نجاحها وتألقها في العالم كله.
شكرا صديقي إبراهيم كوكي على هذا الكتاب الذي جاء في زمانه الصحيح. والى مزيد من الابداع.






