سيرة رجل عاش من أجل وطنٍ لا من أجل الأضواء توثيق حياة المناضل عمر حسين حرب

جمال حرب

ابتداءً من اليوم وقريبا جدا، أبدأ على هذه الصفحة سرد قصة حياة المناضل عمر حسين حرب، منذ نشأته الأولى، مرورًا بمحطات نضاله وما تعرّض له من ظلم وتجاهل، وصولًا إلى رحيله.
هذا التوثيق يعتمد على شهادته الشخصية كما رواها بصوته خلال ما يزيد عن مئة ساعة تسجيل، إضافةً إلى أكثر من ثلاثمائة صفحة فولسكاب مكتوبة. وقد تمّ الإعداد والتدوين من قبَل الأخوين: جمال حرب وإبراهيم الخطيب.
نكتب هذه السيرة ليس من أجل تمجيد فرد، بل من أجل أن تتعرّف الأجيال على نموذجٍ من أبناء هذه الأمة، عاش نقيًّا، وناضل بصمت، وترك أثرًا يستحق أن يُروى.
✦ الفصل التمهيدي: الجذور
وُلد عمر حسين الشيخ حرب في عائلة حملت إرث القهر والمواجهة قبل أن يحمل هو وعيه السياسي.
تنتمي العائلة إلى قرية المرج في البقاع الغربي – لبنان؛ قرية عاش أهلها هلى الزراعة وتحت وطأة الفقر وظلم الانتداب الفرنسي. كان الشقيقان حسين الشيخ حرب (والد عمر) ومحمود الشيخ حرب شابين لا يقبلان العيش على الهامش. وفي عام 1931، اتّخذا قرارًا سيغيّر مسار حياتهما: ترك القرية والاتجاه نحو يافا — المدينة التي كانت تُسمّى عروس الساحل والمتوسط.
في يافا عملا في مطعم، ثم سرعان ما أصبح لكل واحد منهما مطعمٌ خاص على مقربة من الساحل. هناك اختلطت رائحة السمك المشوي برائحة الطموح القادم من السهل اللبناني بين جبلين، وتزوّجا من عائلات يافاوية عريقة، وبدأت حياة جديدة.
لكنّ الساحل الجميل كان يخفي عاصفة قادمة
فالانتداب البريطاني على فلسطين لم يكن أقل قسوة من الانتداب الفرنسي، وظهرت عصابات صهيونية مسلّحة — الهاغاناه، الأرغون، وشتيرن — تمارس الاعتداءات تحت حماية السلطة البريطانية.
تحوّل عمّه محمود من صاحب مطعم نهارًا إلى مناضل ليلًا، يجمع الشباب ويخطط لمقاومة العصابات. وفي إحدى الليالي داهم البريطانيون المكان واعتقلوه، فنُقل إلى معتقل عكا وبقي مسجونًا نحو 18 شهرًا. تولّى والد عمر إدارة المطعم، وظل يتنقّل بين العمل وزيارة شقيقه في السجن.
في تلك الفترة، وُلد عمر في يافا.
كبر وهو يسمع همس الكبار عن ظلم الفرنسيين في لبنان، وظلم البريطانيين في فلسطين، ومقاومة عمّه، ودموع الأمهات عند الشاطئ.
ثم جاءت نكبة 1948.
اشتدت الهجمات، وارتفع الرصاص قرب مطاعم العائلة. خرجت العصابات الصهيونية إلى الشوارع، وبدأ التهجير القسري. اضطرت العائلتان إلى ترك كل شيء: المطاعم، البيوت، الأثاث، الذكريات، رائحة الخبز وصوت البحر.
في ليلة لا تُنسى، حملوا ما خفّ وزنه وغلا ثمنه، واستقلوا قاربًا من مرفأ يافا باتجاه بيروت، محاطين بدموع النساء وقلوب الرجال المنكسرة.
كان معهم أبناء حسين:
وهم بالإضافة الى عمر،رائفة،عدنان،عايدة
ومعهم أبناء عمّهم محمود:
عبدالرحمن،محمد،احمد،انتصار
تركوا فلسطين خلفهم، لكن فلسطين لم تتركهم.
وصلوا أولًا إلى بيروت، ثم عادوا إلى البقاع حيث بدأ عمر تعليمه وتشكّل وعيه: وعي يرى في الظلم عدوًا أوّل، وفي الفساد خصمًا دائمًا، وفي النظام الطائفي الذي ورثه لبنان عن الانتداب قيدًا لا بد من كسره.
هكذا بدأت رحلة عمر:
طفلٌ رأى النكبة، فصار شابًا يبحث عن العدالة، ثم رجلًا نذر عمره ليقاوم الفساد كما قاوم أبوه وعمه الظلم والاحتلال.
رحلة تدوين… لذكرى رجل عاش من أجل الوطن، لا من أجل الأضواء.
تابعونا في الحلقات القادمة.

المصدر: صفحة جمال حرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى