
بعد زيارته إلى سوريا، خلص وزير الخارجية الألماني إلى “استحالة” عودة اللاجئين طواعية في الوقت الحالي. تصريحاته هذه أثارت حفيظة زملاء حزبه الذين رفضوا اعتبار حجم الدمار “حجة” تحول دون العودة الطوعية أو الإلزامية للسوريين.
بعدما أبدى تحفظا حول إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تعرض وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى وابل من الانتقادات من داخل حزبه، الاتحاد المسيحي الديمقراطي.
وكان فاديفول قد شكك عقب زيارته إلى سوريا الأسبوع الماضي، في إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم نظرا لحجم الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد، وقال وزير الخارجية الألماني خلال زيارته لمدينة حرستا، بضواحي دمشق إنه “لم يشهد شخصيا من قبل مثل هذا القدر من الدمار”، وأضاف: “من الصعب حقا على الناس العيش
بكرامة هنا”.
فاديفول في مرمى الانتقادات
هذه التصريحات أثارت حفيظة قسم كبير من الحزب المحافظ الذي ينتمي إليه الوزير نفسه إلى جانب المستشار فريدريتش ميرتس.
غونتر كرينغس، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي، في تصريحات لصحيفة “بيلد” الألمانية، نشرت الاثنين (الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عبّر عن امتعاضه رافضا اعتبار درجة الدمار في سوريا حجة تحول دون العودة “الطوعية أو الإلزامية” للاجئين. وتابع بأنّ الحرب الأهلية السورية “قد انتهت، وأن العودة إلى أجزاء واسعة من البلاد باتت ممكنة لمعظم السوريين الذين غادروها”. وأضاف “من سيعيد بناء بلد مدمر إن لم يكن مواطنوه ومواطناته؟”.
مطالب باستراتيجية واضحة
الرئيس الإقليمي للحزب المسيحي الديمقراطي في ولاية سكسونيا-أنهالت ووزير الاقتصاد فيها، سفين شولتسه، بدوره، رفض تصريحات يوهان فاديفول، مشددا على “ضرورة العمل على استراتيجية لعودة سريعة لهؤلاء الأشخاص”.
وكانت وزارة الداخلية الألمانية، التي يقودها الوزير ألكسندر دوبرينت المنتمي للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، قد قررت مؤخرا عدم السماح بما يعرف بـ”رحلات الاستطلاع” للاجئين السوريين. ويعني ذلك أن من يسافر إلى وطنه يخاطر بفقدان وضع الحماية الذي يتمتع به. و”رحلات الاستطلاع” هذه فكرة اعتمدتها الحكومة السابقة بهدف التحضير لعودة محتملة.
صراع داخل البيت الواحد؟
ولأن الانتقادات هذه صادرة بشكل رئيسي من الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الحليف الأصغر داخل الحزب المحافظ، نفى الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي، كارستن لينيمان، وجود أي خلاف داخل التحالف المسيحي المحافظ حول الأمر. وقال في تصريحات لقناة “إيه آر آدي”: “هذا صراع وهمي”، مؤكدا أن دوبرينت وفاديفول يتفقان في الرأي، وقال: “نقوم بالترحيل. يجب علينا بالطبع ترحيل مرتكبي الجرائم”.
“صراع وهمي” كان التوصيف الذي استخدمه أيضا المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفان كورنيليوس، معلقا على النقاش الدائر في تصريحات لصحيفة “بيلد”. وأوضح أن الحكومة تعمل على تحقيق “استقرار سريع في سوريا لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين”، وتابع بأن “الاستقرار والعودة وجهان لعملة واحدة”. كما ردد في هذا السياق، ما سبق أن صرح به الوزير فاديفول في دمشق بوضوح، حين قال “يجب ترحيل” مرتكبي الجرائم إلى سوريا.
هل يتحول ملف اللاجئين السوريين إلى محور خلاف داخل التحالف المحافظ في ألمانيا؟
تكشف تصريحات وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، عقب زيارته إلى سوريا، عن تباين واضح داخل التحالف المسيحي الحاكم بشأن مقاربة ملف اللاجئين السوريين. فبينما رأى فاديفول أن حجم الدمار الهائل يجعل العودة الطوعية “مستحيلة في الوقت الراهن”، اعتبر عدد من قيادات حزبه أن هذا الموقف يفتقر إلى الواقعية السياسية، مشددين على ضرورة وضع إستراتيجية تُعجّل بعودة السوريين، سواء طوعًا أو إلزامًا.
ويُشار إلى أن هذا الخلاف يعكس اختلافًا في الرؤى بين من يركز على البعد الإنساني في معالجة القضية، ومن ينظر إليها من زاوية الأمن والاستقرار الداخلي. وفي المقابل، تحاول الحكومة الاتحادية الحفاظ على توازن دقيق بين احترام التزاماتها الإنسانية من جهة، وتطبيق سياسات الترحيل بحق مرتكبي الجرائم من جهة أخرى، في وقت يعتقد فيه مراقبون أن النقاش الحالي يعيد طرح سؤال جوهري حول حدود الدور الألماني في معالجة تبعات الحرب السورية.
المصدر: جريدة الحرة






