الاقتصاد الألماني في مهب جائحة كورونا.. إلى أين؟ 

د. رائد وهيبة

تستمر مناطق الحجر الصحي بالاتساع بحيث تجاوزت ثلث سكان العالم حتى الآن، وذلك مع استمرار الانتشار السريع لجائحة كورونا في ألمانيا الذي لم تعرف ذروته بعد. ومع قلق الأفراد على صحتهم وحياتهم لا يبتعد عن الأذهان قلقهم المتزايد حول المستقبل وما ستؤول إليه الأوضاع بعد ذلك.

كثير من الأسئلة تدور في أذهاننا، متى ستعود الأنشطة الإنتاجية للعمل وتفتح المتاجر؟ كيف سيكون تأثير كورونا في ألمانيا على الاقتصاد وعلى حياتنا المعيشية؟ هل سنفقد فعلاً وظائفنا؟ وتعدى البعض استخدام المصطلحات المألوفة في هذا المجال كالركود أو حتى الكساد إلى كلمات أكثر راديكالية كانهيار الاقتصاد أو تبدل العالم في أعقاب جائحة كورونا وما إلى ذلك.

فكيف سيكون الحال في رابع أكبر اقتصاد في العالم، ما هي الآثار المحتملة لأزمة فيروس كورونا على الاقتصاد الألماني في الفترة القادمة؟

بدايةً يمكن القول إن جائحة كورونا في ألمانيا عطلت الانتعاش المؤقت الذي بدأه الاقتصاد الألماني في الربع الأخير من عام 2009، بعد بعض المصاعب التي واجهها لا سيما في منتصف العام الفائت. ورغم أن التوقعات الحالية خاضعة لارتياب كبير وتستند إلى الافتراضات، إلا أن ما لا شك فيه الآن أن الاقتصاد الألماني يتجه إلى الركود هذا العام.

فقد عدل معهد كيل (IFW) أحد أهم مراكز الاقتصاد في ألمانيا توقعاته، ليتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي (المؤشر المستخدم عادةً لقياس النمو) بين 4.5 إلى 9% هذه السنة، وذلك يتوقف على طول فترة الإغلاق في البلاد. وهي نسبة قد تتجاوز في حدها الأعلى ما حصل خلال الأزمة المالية عام 2008/2009.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن استخدام كلمة الركود الاقتصادي عوضاً عن الكساد على سبيل المثال، يعتمد على التفريق بينهما من حيث شدة وطول فترة الانخفاض في الناتج المحلي الاجمالي، والذي ينخفض في فترة الكساد على الأقل بنسبة 10% ويمتد غالباً لسنوات، في حين كان وسطي فترات الركود بعد عام 1945 حوالي 11 شهراً

وبالعودة إلى الاقتصاد الألماني، يعود السبب الرئيسي للخسائر الاقتصادية المباشرة إلى التدابير الاحترازية، فضلاَ عن ارتفاع درجة عدم اليقين بشأن مدة وشدة الوباء وعواقبه التي تعيق أجزاء من الحياة الاقتصادية، بالإضافة إلى انقطاع سلاسل التوريد لاسيما تلك القادمة من آسيا.

إذاَ، ما هي القطاعات التي ستتأثر بشكل خاص ومباشر بسبب جائحة كورونا؟

يشير التقرير إلى أن أولى تلك القطاعات التي يُفترض أن يحدث انخفاض أولي في قدراتها الإنتاجية بنسبة 90% خلال فترة الإغلاق، تشمل الفنادق والمطاعم والطيران والأنشطة الترفيهية (السفر والرياضة والترفيه). أما قطاع إنتاج السيارات، كواحد من القطاعات ذات الأهمية النسبية الكبيرة في الاقتصاد الألماني، فسيخفض إنتاجه بنسبة قد تصل إلى 70%. ورغم أن تجارة المواد الغذائية تعوض بعضاً من مبيعات المطاعم المفقودة، إلا أنه من المتوقع أن تتقلص تجارة التجزئة بنسبة تصل إلى 40% خلال تلك الفترة.

ومع تلك الآثار السلبية على بعض القطاعات، إلا أنه من المرجح أن يعاني ما يقرب نصف الاقتصاد الألماني من خسائر ضئيلة أو معدومة. فكل من قطاع العقارات والاسكان، وصناعة المعلومات الاتصالات، وأجزاء من القطاع العام تقود الطريق في هذا الوقت.

وبصرف النظر عن بيع المواد الغذائية بالتجزئة، فإن خدمات التوصيل فقط ستوسع أنشطتها بشكل مؤقت. كما أن قطاع الرعاية الصحية من المرجح أن يعمل بطاقة أعلى حتى نهاية العام.

كيف سيكون وضع العمالة؟ وهل سترتفع البطالة بشكل كبير كما يرتبط نظريا بفترات الركود عادةً؟

على المدى القصير، في حال كانت فترة الإغلاق غير طويلة لا يُتوقع أن يؤثر ذلك على معدل البطالة بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة، حيث ستكون الكثير من الشركات حريصة على الاحتفاظ بموظفيها، مدعومةً بالإجراءات الحكومية لدعم الشركات كبدل العمل القصير وتقديم مساعدات دعم السيولة، أما في حال استمر الإغلاق لفترة أطول فسيبدأ تأثيرها بالظهور متمثلاً بارتفاع معدلات البطالة بسبب لجوء بعض الشركات إلى تخفيض العمالة فيها. وعندها يجب على الحكومة إعداد مزيد من الاجراءات الاقتصادية للتخفيف من تلك الآثار.

أما على المدى الطويل فيعتبر الاقتصاد الألماني في وضع جيد بشكل عام للتعامل مع آثار الأزمة. وفي هذا السياق، تقدم الحكومة الألمانية حزمة دعم بحوالي 750 مليار يورو تهدف إلى دعم العائلات والمستأجرين والموظفين والمستقلين والشركات.

فقد تم تخصيص 50 مليار يورو لتقديم إعانات مباشرة على مدى ثلاثة أشهر، للشركات الصغيرة والعاملين المستقلين مثل الفنانين ومقدمي الرعاية وغيرهم. كما تم إنشاء صندوق لدعم استقرار الشركات من خلال توفير ما يصل إلى 400 مليار يورو كضمانات ائتمانية للشركات، مع تخصيص 100 مليار يورو للاستثمارات المباشرة المحتملة في الشركات. وبالإضافة إلى ذلك تم إعداد برنامج ائتمان خاص يصل إلى 100 مليار يورو للمساعدة في دعم السيولة في الشركات.وكإجراء إضافي تم منع الملاك من طرد المستأجرين إذا لم يعد بإمكانهم دفع الايجار بسبب أزمة كورونا.

أخيراً، يمكن القول أن الأزمة الحالية كانت بمثابة صدمة اقتصادية بسبب آثارها الكبيرة والسريعة في نفس الوقت، فقد كان التراجع في الأسواق المالية وعمليات الإنتاج أسرع منه في الأزمة المالية عام 2008/2009. إلا أن ذلك يتزامن مع فرصة الخروج منها بسرعة أكبر مما كانت عليه في ذلك الوقت، وتصاعد الفرص مرهون بحل طبي أسرع من المتوقع للسيطرة على الجائحة أو عواقبها الصحية..

المصدر: موقع أبواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى