شرق إدلب المنسي.. ناحية سنجار نموذج لمعاناة المناطق الفقيرة بالخدمات

خالد الخطيب

تعيش ناحية سنجار الواقعة شرقي محافظة إدلب، ومعها عشرات القرى والبلدات التابعة لها، واقعاً خدمياً صعباً يختزل حجم الإهمال الذي تعانيه مناطق واسعة من ريف إدلب الشرقي، ويواجه الأهالي نقصاً حاداً في الكهرباء والمياه والرعاية الصحية والتعليم، إلى جانب تدهور البنية التحتية المدمرة أصلاً بفعل القصف السابق والمعارك العنيفة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، ما جعل الحياة اليومية أكثر قسوة وتعقيداً بالنسبة للأهالي في المنطقة. 

قال جابر عويد، ناشط في المجال الإنساني والإعلامي من بلدة سنجار بريف إدلب الشرقي، لموقع تلفزيون سوريا، إن مشهد القرى في المنطقة يختصر سنوات من الإهمال والدمار، فالشوارع ما تزال تحمل آثار القصف، والمنازل المهدمة تروي حكايات النزوح الطويل، بينما تغيب الخدمات الأساسية بشكل شبه كامل عن مركز الناحية وعشرات القرى التابعة لها في ريف منطقة المعرة الشرقي.

ويضيف عويد: “الكهرباء تكاد تكون معدومة في معظم القرى، وشبكاتها متهالكة وتعرضت للسرقة والتخريب على يد قوات النظام المخلوع منذ سنوات، لذلك تعتمد العائلات العائدة حديثاً على ألواح الطاقة الشمسية لتأمين إنارة بسيطة وتشغيل مضخات المياه المنزلية، لكن غلاء أسعار الألواح والبطاريات يجعلها حلّاً لا يقدر عليه كثيرون”. فمعظم الأهالي لا يملكون القدرة على شراء تلك التجهيزات، ويضطرون إلى تقنين استهلاك الطاقة أو العيش في الظلام لساعات طويلة.

أما المياه، فيقول عويد إن الشبكات العامة معطلة في أغلب القرى، والخزانات مهترئة، والآبار بحاجة إلى صيانة، ما يجبر السكان على شراء مياه الصهاريج بأسعار مرتفعة تفوق قدرتهم المعيشية، لتتحول المياه، أحد أبسط مقومات الحياة، إلى عبء يومي على العائلات. يضيف عويد، سكان المنطقة يعتمدون على تربية المواشي كمصدر رزق، وهي بحاجة لمصادر مياه دائمة، وندرتها تشكل عبئ إضافي على المربين.

وفي القطاع الصحي، يؤكد عويد أن مركز سنجار الصحي، الذي كان يخدم عشرات القرى، تحول إلى مبنى خاوٍ بعد أن دمرته الغارات الجوية، ولا توجد أي تجهيزات أو كوادر طبية، ويضطر المرضى في كثير من الأحيان إلى قطع أكثر من 70 كيلومتراً للوصول إلى مناطق أخرى (مدينة إدلب أو مدينة حماة) طلباً للعلاج أو الأدوية الأساسية، ما يفاقم معاناة كبار السن والأطفال والنساء، بعض المرضى وفق عويد، فقدوا حياتهم في الطريق قبل أن يصلوا إلى أقرب مركز صحي أو مستشفى.

قطاع التعليم متهالك

ويشير عويد إلى أن قطاع التعليم ليس بأفضل حال، فالكثير من المدارس مدمرة أو شبه مهدمة، ما أجبر بعض القرى على تحويل مبانٍ متهالكة أو خيم إلى صفوف مؤقتة، وبعض الطلاب من القرى والمزارع الصغيرة يقطعون يومياً مسافات طويلة للوصول الى المدرسة في قرية أو بلدة مجاورة من قرى ناحية سنجار، ومع ضعف الإمكانيات، اضطر عدد من الأطفال إلى ترك الدراسة لمساعدة ذويهم في تأمين لقمة العيش، لتتراجع نسب التعليم بشكل مقلق، وتزداد مخاطر الأمية بين الجيل الجديد، أما شبكة الطرق والمواصلات، فهي بدورها تعاني من تدهور كبير، إذ بقيت الطرق الترابية الرئيسية والفرعية بلا تعبيد منذ سنوات، وتعرقل الحفر والانهيارات الأرضية حركة السكان والمساعدات الإنسانية. ويشير عويد إلى أن الوصول إلى القرى النائية في الشتاء يتحول إلى مغامرة حقيقية بسبب الانزلاقات والطين وانقطاع الطرق.

فرن وحيد

بعد سقوط النظام المخلوع، أُعيد تشغيل الفرن الرئيسي في بلدة سنجار، لكنه لم يكن كافياً لتغطية احتياجات الأهالي المتزايدة. يقول السكان الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا إن هذا الفرن هو الوحيد الذي يزوّد جميع قرى الناحية بالخبز، إلا أن طاقته الإنتاجية محدودة، ومعداته قديمة ومتهالكة، ويضيف الأهالي أن سكان القرى البعيدة يضطرون إلى قطع مسافات طويلة يومياً للوصول إلى الفرن، أو دفع مبالغ إضافية للمعتمدين الذين يتولون توزيع الخبز، ما يضاعف من الأعباء المعيشية. والأسوأ من ذلك، بحسب وصفهم، أن جودة الخبز سيئة للغاية بسبب رداءة الطحين وضعف الصيانة، حتى إن بعضهم يقول ساخطاً: “الخبز لا يصلح حتى لتقديمه للحيوانات.” هذه الشكاوى تعكس جانباً آخر من معاناة سنجار وريفها، حيث لا يزال الخبز، رمز الحياة اليومية، رفاهيةً صعبة المنال في منطقة أنهكها الحصار والإهمال ونقص الخدمات.

ألغام تزرع الخوف

ويشتكي أهالي قرى ناحية سنجار من الانتشار الواسع للألغام ومخلّفات الحرب التي ما تزال تزرع الخوف في طرقاتهم وحقولهم منذ المعارك التي دارت في المنطقة بين عامي 2017 و2018. وقد حصدت هذه الألغام أرواح عدد من الأطفال ورعاة الأغنام، بينما لا تزال تهدد حياة المزارعين والعائدين إلى قراهم بشكل يومي، وبحسب ما أفاد به الأهالي لموقع تلفزيون سوريا، فقد تم توجيه عشرات المناشدات إلى محافظة إدلب وإدارة منطقة معرة النعمان للمساعدة في إزالة الألغام وتنظيف الأراضي، إلى جانب المطالبة بتحسين الخدمات العامة في المنطقة، لكن جميع الوعود التي قُطعت منذ أشهر لم تُترجم إلى أي خطوات فعلية حتى الآن، ويقول السكان إن استمرار تجاهل هذه المطالب يجعل حياتهم اليومية محفوفة بالمخاطر، ويزيد من عزلة المنطقة التي ما زالت تنتظر من يمدّ إليها يد العون لإعادتها إلى الحياة بأمان.

إحصاءات إدارة المنطقة

قال مدير المكتب الإعلامي في إدارة منطقة معرة النعمان، قتيبة خلوف، لموقع تلفزيون سوريا، إن واقع الخدمات في ناحية سنجار وقراها ما يزال متدهوراً للغاية رغم مرور سنوات على انتهاء المعارك. وأوضح أن المنطقة تضم فرناً واحداً فقط يعمل حالياً، إلا أن إنتاجه ضعيف ورديء ولا يغطي حاجة السكان، مضيفاً أن عدداً من الأفران الأخرى تعرّض للتدمير الكامل خلال القصف السابق الذي استهدف المنطقة.

وأشار خلوف إلى أن نسبة الدمار في قرى ناحية سنجار تبلغ نحو 40%، في حين وصلت نسبة النازحين العائدين إلى قراهم إلى نحو 90%، موضحاً أن الناحية تضم 79 قرية بالإضافة إلى مركزها الرئيسي، وفي ما يتعلق بالقطاع الصحي، قال خلوف إنه لا يوجد أي مركز صحي عامل حالياً، إذ لم تتم إعادة افتتاح المراكز المدمّرة بعد، مشيراً إلى أن الإدارة قامت بإنشاء كرفانات مؤقتة تمهيداً لتقديم الخدمات الطبية قريباً، ريثما يتم تعيين الكادر اللازم وافتتاح المراكز بشكل رسمي.

أما بالنسبة للطرق والمواصلات، فأوضح أن 70% من الطرق في المنطقة سيئة للغاية وغير صالحة للاستخدام، وأن وسائل النقل العامة شبه معدومة، ما يصعّب حركة الأهالي ويعزل كثيراً من القرى النائية، وفي قطاع التعليم، بيّن خلوف أن عدد المدارس الكلي في ناحية سنجار يبلغ 81 مدرسة، منها 51 مدرسة عاملة حالياً، بينما دُمّرت 3 مدارس بشكل كامل و27 مدرسة بشكل جزئي، إضافة إلى 10 مدارس إعدادية قيد التشغيل.

أما عن الخدمات الأساسية، فأوضح خلوف أن الكهرباء تصل إلى نحو 20% فقط من القرى، وبشكل متقطع لا يتجاوز ست ساعات في اليوم، في حين تبقى 80% من القرى دون كهرباء وتعاني من ضعف في الشبكات وغياب التوسعة. أما المياه فتتوفر بشكل محدود في بلدة سنجار وبعض قرى الريف الجنوبي مثل المريجب ووادي شحرور، لكنها تحتاج إلى صيانة شاملة لشبكات الضخ والتوزيع، وأضاف خلوف أن المنطقة لا تملك شبكة اتصالات أرضية، بينما تعمل الشبكات الخلوية بنسبة تغطية تقارب 50% فقط. كما لا يوجد سوى بلدية واحدة في سنجار، ويقتصر عملها على التنسيق مع المنظمات الإنسانية وتقييم الاحتياجات الخدمية، مشيراً إلى أن البلدية تفتقر للكادر الإداري والفني باستثناء رئيس بلدية مكلف مؤقتاً.

وختم خلوف بالقول إن إدارة منطقة معرة النعمان وضعت خطة أولية لإنعاش قرى سنجار، ترتكز على تأهيل القطاعات الحيوية الأساسية، وفي مقدمتها التعليم والصحة وشبكات المياه والصرف الصحي، مؤكداً أن العمل جارٍ بالتنسيق مع الجهات والمنظمات الإغاثية لتوفير ما أمكن من الخدمات وفق سلم أولويات إنساني وخدمي واضح.

ناحية سنجار

تبعد بلدة سنجار عن مطار أبو الضهور (شمالًا) قرابة 18 كيلومترًا، ومثلها عن بلدة جرجناز (غربًا)، بينما تبعد عن مدينة معرة النعمان حوالي 30 كيلو مترًا، بلغ عدد سكان البلدة حوالي سبعة آلاف نسمة عام 2017، بعد أن كان خمسة آلاف عام 2011، وحوالي 2500 عام 2004، نزح سكان البلدة إلى مناطق مختلفة من ريف إدلب وشمالي حلب، وتوجه بعضهم إلى المخيمات المنتشرة في المنطقة في الفترة ما بعد العام 2018 خلال معارك شرق السكة التي شنها النظام المخلوع وحلفاؤه في تلك الفترة.

واقتحمت قوات النظام المخلوع سنجار مرة واحدة، في آذار 2012، حينها أحرق المقتحمون العديد من المنازل، واعتقلوا بعضًا من أبنائها الذين شاركوا في المظاهرات السلمية منذ عام 2011، إلا أن القوات انسحبت خلال الفترة نفسها، ومنذ ذلك الوقت سيطرت المعارضة عليها، إلى حين خسارتها مرة أخرى في العام 2018. لذا كانت البلدة ملاذاً أمناً لعدد كبير من النازحين القادمين من مناطق ريف إدلب وشمال شرق حماة، ويعمل معظم أبناء بلدة سنجار بالزراعة، واستقبلت في الفترة ما بين العامين 2012 و2018 معظم النازحين من قرى ريف إدلب وشمال شرق حماة، التي اقتحمتها قوات النظام المخلوع، وشهدت سنجار كغيرها من مدن وبلدات ريف إدلب، مجازر إثر القصف بالطيران الحربي والمدفعية الثقيلة، أبرزها مجزرة سوق المحروقات في البلدة، أيار 2014، ومجزرة سوق الأغنام، في آب 2015.

وتضم ناحية سنجار قرى: أبو شرجي، وأبو العليج، وباشكون، وكراتين الكبير، والبرج، وبرنان، والدريبية، والدوادية، ولويبدة شرقية، واعجاز، وفحيل جلاس، وفروان، وغزيلة، وحلبان، والحيصة، والجابرية، والجهمان، وجب القصب، وكفريا المعرة، وكرسنتي، وخيرية، وخوين الشعر، وخيارة، وكراتين صغير، وخيرية صغيرة، ومغارة ميرزا، والمكسر، ومردغانة، والمريجب، ومريجب المشهد، والمتوسطة، ونباز، ولويبدة شمالية، والعوجة، وقصر الأبيض، وقطرة، وربيعة برنان، وربيعة موسى، ورسم العبد، وسنجار، وصريع، والصيادي، والشعرة، والشيخ بركة، وأم مويلات جنوبية، والصقيعة، وتل دم، وتل العوجة، وتل حلاوة، وتلعمارة، وثليجة، وأم صهريج، وأم تيني، وسرجة)، إضافةً إلى قريتي حوا وصراع.

اليوم، تمثل سنجار نموذجاً مصغراً لمعاناة الريف الإدلبي الشرقي، حيث يعيش الأهالي بين مطرقة الفقر وسندان غياب الخدمات، فالحياة هناك تدور في دائرة من الحرمان المزمن، لا كهرباء ولا مياه ولا صحة ولا تعليم، فقط إرادة السكان الذين يتمسكون بأرضهم رغم كل الصعوبات، في انتظار التفاتة جادة تعيد للمنطقة ما فقدته من مقومات العيش الكريم، وتكسر عزلة “الشرق المنسي” عن خارطة الاهتمام والخدمات.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى