يتّجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى موسكو غداً الخميس للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن إدلب في شمال سورية. ولم تكن هذه القمة واردة حتى قبل أيام، إذ كان بوتين يحاول التملص منها، لولا مخاوف خروج الوضع عن السيطرة، بعد الرد التركي الواسع على الهجوم الذي استهدف القوات التركية يوم 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) وأدى إلى مقتل 33 جندياً.
تبدو إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد خلال القمة الروسية التركية مرتفعة، في ظل براغماتية الطرفين، وإصرارهما على عدم الدخول في صدام مباشر، وقد بدا ذلك ملفتاً في الإشارات التي جرى تبادلها خلال التصعيد أخيراً، فعلى الرغم من أن الصاروخ الذي أدى إلى مقتل الجنود الأتراك كان روسياً موجّهاً، إلا أن أنقرة لم تحمّل موسكو مسؤولية الهجوم. في المقابل، لم يتدخل الروس لحماية قوات النظام والمليشيات الإيرانية من الانتقام التركي الذي أدّى إلى سقوط عدد كبير من القتلى. وجاءت تصريحات الرئيس أردوغان بأنه “ليس لديه مشكلة مع إيران وروسيا في سورية”! لتؤكد هذا التوجّه. وهو يُدرك أنه لا يحظى بدعم فعلي من حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو من الولايات المتحدة، في حال دخوله مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران في سورية، خصوصاً في هذه المرحلة التي يبدو فيها الرئيس الأميركي مستغرقاً بالكامل في احتواء تداعيات فيروس كورونا الذي أخذ يهدّد الاقتصاد الأميركي، ومعه فرص الفوز بولاية رئاسية جديدة. وقد كان وزير الدفاع الأميركي واضحاً عندما قال إن بلاده “لا تفكر بتقديم دعم جوي للعملية العسكرية التي تنفذها تركيا في إدلب”. كما أن تركيا لم تتلق حتى الآن رداً من واشنطن على طلبها الحصول على منظومة صواريخ باتريوت، لنصبها في إدلب، وإنشاء منطقة حظر جوي. فوق ذلك، يدرك الرئيس أردوغان حدود الدعم العسكري الذي يمكن أن يقدّمه لفصائل المعارضة السورية. وكانت وسائل إعلام روسية قد أشارت أخيراً إلى استعداد موسكو تزويد المقاتلين الأكراد بصواريخ مضادة للطائرات، في حال قرّرت أنقرة المضي قدماً، وتزويد المعارضة السورية بصواريخ مماثلة، سرت تكهنات بشأنها بعد إسقاط عدة طائرات للنظام فوق إدلب الشهر الماضي.
يبدو واضحاً أن العمليات العسكرية في إدلب، خلال هذه المرحلة على الأقل، قد بلغت غايتها، وحقق كل طرف منها أقصى ما يمكن، في حدود ما تسمح به موازين القوى على الأرض والظروف السياسية المحيطة، فالنظام السوري وحلفاؤه تمكّنوا من السيطرة على الطريق الدولية حماة – حلب والبلدات الكبرى على طولها. في المقابل، تمكّن الأتراك من استعادة مصداقيتهم التي تضرّرت كثيراً سنوات، بسبب ارتفاع مستوى الخطاب، وتواضع مستوى الأداء. كما تمكّنوا من رسم خطوط حمراء لما يمكن أن يقبلوا به في إدلب.
يعدّ بوتين أستاذاً في الانتهازية السياسية، وهو يدرك صعوبة الموقف التركي عموماً، بسبب وضع أردوغان داخلياً، وعلاقاته المعقّدة مع حلفائه في الغرب، وتبلور محور إقليمي في مواجهته، يضم دولاً عربية إلى جانب اليونان وقبرص الرومية وحتى إسرائيل، لكن بوتين يدرك أيضاً أن “الناتو” الممتنع عن دعم تركيا في إدلب سيكون مرغماً على التدخل إلى جانبها، في حال اتسع نطاق المواجهة، وطاولت أراضي تركية. ولهذا السبب، سيجنح هو الآخر نحو التهدئة.
احتمالات التوصّل إلى اتفاق في موسكو غداً يؤيّدها احتدام المعارك على الأرض، فمنذ الإعلان عن موعد القمة، يستميت الطرفان، الروسي والتركي، وحلفاؤهما من أجل السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية، لرسم حدود الهدنة بالنار قبل انعقاد القمة. ولا يعود السؤال، إذن، حول ما إذا كان اتفاقاً سيولد غداً في موسكو، بل عن ماهية هذا الاتفاق. تشير الخرائط التي يسرّبها الجانبان إلى أن غزة أخرى في طريقها إلى الظهور في الشمال السوري، حيث سيتم حشر ثلاثة ملايين سوري مع بضعة آلاف من المقاتلين في شريط صغير من الأرض بين الطريق الدولية والحدود التركية. أين إيران من هذا؟ هي تحاول الدخول على خط التطورات في الشمال السوري عبر دعوتها إلى قمة ثلاثية لإحياء مسار أستانة. ولكن من يرغب اليوم بقمّة في طهران، الموبوءة بكورونا، تلحقه بالرفيق الأعلى على نية إطفاء نار إدلب السورية؟
المصدر: العربي الجديد