الصين وإسرائيل: ما وراء اتهامات نتنياهو

سامر خير أحمد

يعبر استسهال بنيامين نتنياهو توجيه تهم جوفاء إلى الصين، في معرض ادّعائه وجود نشاط قطري صيني لفرض حصار إعلامي على إسرائيل، عن تردّي علاقات البلدين إلى درجة غير مسبوقة منذ اتخذت طابعاً رسمياً مطلع التسعينيات، كما يعبّر عن متانة علاقة نتنياهو بإدارة ترامب، لأن علاقة إسرائيل بالصين لم تكن معزولة يوماً عن مدى جودة علاقتها بواشنطن.
فقد كرر نتنياهو اتهاماته لقطر والصين مرتين؛ أولاهما حين قال أمام وفد من المسؤولين الأميركيين إن الصين وقطر تنظمان هجوماً على إسرائيل عبر منصّات التواصل الاجتماعي في العالم الغربي والولايات المتحدة، وثانيتهما حين صرّح لقناة آي 24 الإسرائيلية بأن “هناك محاولة لفرض حصار على إسرائيل من جهات ودول مختلفة، أولاً حصار إعلامي ممول بمبالغ طائلة من قطر ومن دول أخرى مثل الصين”.

تعكس تصريحات نتنياهو مدى تبنّيه الخطاب السياسي الأميركي ضد بكين، ومفاده بأن الصين تمثل الخطر الأكبر الذي يهدّد الحضارة الغربية

وإذا كان مفسَّراً ذهاب رئيس الوزراء الإسرائيلي لتوجيه اتهامات لا دليل على صحتها ضد دولة قطر، في إطار هروبه إلى الأمام من فعلته الشنيعة باستهداف العاصمة القطرية بحجة اغتيال قادة حركة حماس، لعل تلك الاتهامات تعمل مبرراً لما أمر به من هجوم عسكري، فإن إدراجه الصين في تصريحاته لا ينطلق من الدوافع نفسها، حتى إن الصين استغربت أقوال نتنياهو، واعتبرتها مفتقرة إلى “الذكاء السياسي” لأن “إلقاء اللوم على الأصوات الناقدة على بعض منصات التواصل الاجتماعي، ثم توجيه أصابع الاتهام إلى الصين ليس سوى حالة من البحث عن العلاج الخاطئ للمرض”، كما قال بيان السفارة الصينية في إسرائيل. لكن إقحام الصين في محاولات نتنياهو تبرير قصفه الدوحة، والدفاع عن صورة دولته أمام حالة الإدانة الدولية الواسعة التي باتت تتعرض لها بشكل غير مسبوق على خلفية همجية الجيش الإسرائيلي في حربه ضد غزة، يعكس تسارع تردي العلاقات بين بكين وتل أبيب التي كانت ازدهرت على الصعيد التجاري قبيل وصول ترامب إلى البيت الأبيض في فترته الرئاسية الأولى عام 2017، ثم دخلت نفقاً مظلماً منذ ألغت إسرائيل مشروع تطوير وإدارة ميناء حيفا من شركات صينية بضغط من الولايات المتحدة التي تستعمل الميناء لأسطولها السادس، فضلاً عن إخضاع استثمارات الصين في إسرائيل والصفقات المتبادلة معها للتدقيق الأمني.
وبالطبع، الموقف السياسي الجذري الذي اتخذته الحكومة الصينية ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، وسماحها بانتشار المواد الإعلامية التي تدين إسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي ذائعة الصيت بين الصينيين في حالة تشبه حشد الرأي العام الصيني لإدانة إسرائيل والتعاطف مع حقوق الشعب الفلسطيني، ليس بعيداً عن مداخلة نتنياهو غير المسبوقة في مضمونها المباشر ضد الصين، خصوصاً أن موقف بكين هذا اختلط فيه البعد الأخلاقي بالبعد السياسي، إذ جمع بين الدفاع الإنساني عن حقوق الشعب الفلسطيني، والسعي لإدانة الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل عبر اتهام نظامها العالمي أحادي القطبية بالهمجية ومخالفة القانون الدولي، تمهيداً للتبشير بنظام عالمي مختلف يقوم على تعددية الأقطاب والحوكمة على أساس القانون الدولي.
على صعيد متصل، تعكس تصريحات نتنياهو مدى تبنّيه الخطاب السياسي الأميركي ضد بكين، ومفاده بأن الصين تمثل الخطر الأكبر الذي يهدّد الحضارة الغربية، وأنها تمارس سياسة تقوم على الدعاية التي تجافي الحقيقة، وأنها في المحصلة تمثل نقيضاً لكل القيم الغربية النبيلة. في عزفه على هذا الوتر، يحاول نتنياهو كسب مزيد من التعاطف من إدارة ترامب وأنصارها باعتباره يواجه معها العدو الرئيسي نفسه، ثم باعتباره ضحية للتضليل الإعلامي الذي يمثل تهمة تلصقها واشنطن بالصين، وليس مجرماً دموياً على وجه الحقيقة.
ولا ريب أن معنى هذا أن حرصه على إرضاء إدارة ترامب يفوق كثيراً اهتمامه بأي مصلحة اقتصادية أو استراتيجية مع دولة بحجم الصين، وهي التي بنَت معها تل أبيب علاقات سرية وعلنية منذ أزيد من 50 سنة أعقبت اعتراف الغرب بجمهورية الصين الشعبية، واستعادتها المقعد الدائم في مجلس الأمن في أواخر 1971، حتى إن إسرائيل كانت سنوات عديدة ثاني أكبر مزوّد للصين بالتكنولوجيا العسكرية بعد روسيا، ويُعتقد أنها أفادت من ذلك في تطوير صناعاتها العسكرية بعد الاطلاع على التكنولوجيا الأميركية التي نقلتها إليها إسرائيل.

تصريحات نتنياهو في شأن الصين وقطر تغازل الافتراضات الغربية السطحية، التي تتهم بالكذب من يقول الحقيقة ويتخذ الموقف الأخلاقي والإنساني السليم

ولولا الدعم غير المتناهي الذي تتلقاه إسرائيل من إدارة ترامب، ربما لم يكن نتنياهو ليذهب بعيداً في خطابه ضد الصين كما فعل، ففي مراحل سابقة، حين كانت علاقته بالإدارة الأميركية أقل دفئاً كما جرى خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، لم يتوان نتنياهو عن السعي لتعميق علاقة حكومته مع بكين، حتى إنه زارها في 2013 وأبرم معها اتفاقية تجارية بقيمة 400 مليون دولار، ثم راحت العلاقات التجارية والعلمية والتكنولوجية والاستثمارية بينهما تزدهر خلال السنوات التالية حتى بلغ التبادل التجاري بينهما ذروته في عام 2018 بقيمة 11.6 مليار دولار، وهو ما مثّل 11 ضعفاً لقيمته في مطلع القرن الحادي والعشرين، قبل أن تعود العلاقات لتتراجع نتيجة ضغوط واشنطن على حليفتها إسرائيل في إطار التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والصين وصراعهما على شكل النظام الدولي.
في المحصلة، لا يختلف جوهر تصريحات نتنياهو في شأن الصين كثيراً عن جوهر تصريحاته في شأن قطر رغم اختلاف دوافعهما؛ في الحالين، تقوم تصريحاته على ادعاءات غير موضوعية، تغازل الافتراضات الغربية السطحية، التي تتهم بالكذب من يقول الحقيقة ويتخذ الموقف الأخلاقي والإنساني السليم، وتشكك في دوافعه بدل أن تنظر في أخطائها وسوء صنيعها، وهو ما يذكّر بالمَثَل الذي نصح به الناطق الإعلامي الصيني رئيس الحكومة الإسرائيلية: “من الأفضل معالجة السبب الجذري بدلاً من مجرد معالجة الأعراض”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تصريحات زعيم قوات الإحتلال الإرhابي والمطلوب لمحكمة الجنايات “نتnياهو” ضد بكين تعكس ههماهاته للخطاب السياسي الأميركي ، بأن الصين تمثل الخطر الأكبر الذي يهدّد الحضارة الغربية، معللاً بوجود نشاط صيني قطري لعزل إSرائيل، متناسين بأنه لولا الدعم الأمريكي لم ولن تستطيع الدولة الوظيفية “إSرائيل” ورئيسها من التحدث بهذه الإتهامات والتهجم على الآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى