هل بات الاتفاق الأمني السوري الإسرائيلي على الأبواب؟

أحمد مظهر سعدو

كل المؤشرات السياسية تشير إلى أن الاتفاق الأمني المزمع بين الحكومة السورية وإسرائيل أصبح قاب قوسين أو أدنى من الوصول إليه أو التوقيع عليه.

ورغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي في قضم الأراضي السورية، والتعدي على الجغرافيا السورية على طريقة من يفاوض بالنار – وهي بالضرورة سياسة إسرائيلية طالما اتبعتها خلال مراحل متتابعة في حروبها ضد المحيط الإقليمي العربي على مدى عقود، أي منذ قيام الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية على أرض فلسطين – فإن المفاوضات التي تجري تباعًا في السر أو في العلن بين الطرفين السوري والإسرائيلي تشي بأن هناك جدية سورية في التوصل إلى اتفاق أمني يسهم في وقف هذه التعديات الإسرائيلية، ويفسح المجال لحكومة دمشق ما بعد 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 لأن تتفرغ، حقيقة وواقعيًا، إلى ما هو أهم: بناء الدولة ومؤسساتها المهدمة، وإعادة الإعمار في سوريا، وتأمين مجمل الخدمات الكثيرة المفتقدة منذ أيام المجرم الفار، والتواصل مع الجهات الداخلية الكثيرة التي تحاول تحصيل مكاسب، سواء في الجنوب السوري أو شمال شرق سوريا أو كذلك شمال غربها.

إن إسرائيل ومعها بعض من توابعها في السويداء يصرّون على عدم الامتثال إلى هذا الاتفاق الثلاثي، ومن ثم الاستمرار بالضغط على دمشق عبر ورقة السويداء لتحصيل ما هو أكثر وأعمق في المفاوضات الجارية بين دمشق وإسرائيل.

يقال إن إسرائيل غير متعجلة في أمرها وصولًا إلى التفاهم أو الاتفاق المتوقع، وأنها مستمرة في لعب دورها في الهيمنة وتعدياتها المستمرة، وهي الأقوى، وكذلك الخارجة من جملة حروب في المنطقة تعتقد أنها منتصرة فيها كلها، وبدعم أميركي واسع وغير محدود لم تملكه أو تتحصل عليه إسرائيل منذ نشأتها. وترى التقديرات أن دمشق هي التي تستعجل الوصول إلى اتفاق أمني رغم الشروط والخرائط الإسرائيلية الصعبة والمؤلمة، في حين لو قبلت بها دمشق، ومنها عدم الانسحاب من كامل الأراضي التي دخلتها إسرائيل بعد 8 كانون الأول/ديسمبر، والبقاء في جبل الشيخ كقمة استراتيجية لا تجد إسرائيل حتى الآن من يستطيع إرغامها على الانسحاب منها، علاوة على الشرط الصعب الآخر وهو عدم السماح بوجود أي سلاح سوري ثقيل داخل المنطقة الجنوبية من سوريا (القنيطرة ودرعا والسويداء)، ناهيك عن شرط تريده إسرائيل وهو فتح معبر أو ممر تسميه بالإنساني باتجاه محافظة السويداء.

ورغم التوصل إلى اتفاق ثلاثي كان قد أعلنه الشيباني مؤخرًا بين سوريا وأميركا والأردن، وهو الذي يُعدّ بمنزلة خارطة طريق للحل في محافظة السويداء، فإن إسرائيل ومعها بعض من توابعها في السويداء يصرّون على عدم الامتثال إلى هذا الاتفاق الثلاثي، ومن ثم الاستمرار بالضغط على دمشق عبر ورقة السويداء لتحصيل ما هو أكثر وأعمق في المفاوضات الجارية بين دمشق وإسرائيل.

وإذا كان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أعلنها بوضوح أن سوريا غير معنية اليوم بسلام شامل أو عملية تطبيع مع إسرائيل، فإن ذلك يشير، بواقعية سياسية، إلى أن إسرائيل غير جاهزة أبدًا لعملية وآليات التخلي عن الجولان المحتل منذ حرب 5 حزيران/يونيو 1967، وهي التي تدرك أن أميركا قد اعترفت بهيمنة إسرائيل على مرتفعات الجولان وضمها لها منذ ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى. وبالضرورة فإن دمشق لا يمكن أن توقّع على أي اتفاق سلام دائم وشامل مع إسرائيل من دون عودة الأرض المحتلة في الجولان كاملة. وبالتالي فإن المسألة اليوم ذاهبة باتجاه التوقيع على اتفاق أمني ليس إلا، قد يكون تحديثًا لاتفاق فض الاشتباك الموقع بين حافظ الأسد وإسرائيل عام 1974 إبان حرب 6 تشرين الأول.

من الممكن أن يكون الاتفاق بين إسرائيل وسوريا قد أصبح شبه جاهز للتوقيع عليه، لكنه أبدًا لن يكون كما تريد سوريا، حكومة وشعبًا.

وواقعيًا فإن المفاوضات التي جرت مؤخرًا بين وزير الخارجية السوري الشيباني ووزير إسرائيلي، برعاية أميركية من توماس براك في لندن، يبدو أنها اقتربت كثيرًا من الوصول إلى نهايات وإجراءات التوقيع على الاتفاق المفترض، إلا أن هناك كثيراً من المسائل التي لا تجد فيها حكومة سورية إمكانية للتوقيع عليها، وهي التي ما زالت تعبث بها إسرائيل، وتضعها فرضًا وقسرًا، نظرًا لإمكاناتها العسكرية الكبيرة وفرط القوة لديها، والتي ما برحت تهدد بها عمليًا سوريا يومًا إثر يوم، وتقضم الأراضي، وتلعب حثيثًا بورقة الأقليات، وتعيد إنتاج نفسها كدولة قوية في المنطقة، انتصرت على الشعب الفلسطيني في غزة، وكذلك على جنوبي لبنان وإيران أيضًا. فكيف لا تحقق وتستثمر في نتائج نصرها هذا عبر سوريا، في وقت سبق ودمرت فيه معظم العتاد العسكري الذي خلفه نظام بشار الأسد قبل أن يهرب إلى موسكو.

وهناك من يتحدث اليوم عن أنه من الممكن أن يكون الاتفاق بين إسرائيل وسوريا قد أصبح شبه جاهز للتوقيع عليه، لكنه أبدًا لن يكون كما تريد سوريا، حكومة وشعبًا. ضمن هذا المناخ وهذه الأجواء، حيث الضعف العسكري في سوريا بعد 14 عامًا من الدمار الذي خلفه بشار الأسد ونظامه الاستبدادي، سينعكس بالضرورة على أية اتفاقات. وهذا ليس ضربًا في الخيال، بل لعله أساس من أسس علم التفاوض منذ زمن طويل.

وإذا كان ليس هناك من مشروع عربي ولا إسلامي يمكن أن يقف إلى جانب سوريا، وهو الذي لم يقف أصلًا إلى جانب شعب غزة مع حرب إبادة تقوم بها إسرائيل منذ سنتين في مواجهة شعب فلسطيني أعزل، فإن التوافق أو الاتفاق القادم سيكون كما هو متوقع، على حساب الشعب السوري، ضمن قراءة واقعية لما يجري. وهذا الوضع الذي آلت إليه الأمور في سوريا يتحمل مسؤوليته أولًا وآخرًا نظام الاستبداد الوظيفي الأسدي، الذي أوصل البلاد والعباد إلى هذه الحال، بعد أن سرق ونهب أموال السوريين وهرب بها إلى موسكو، تاركًا الوطن بلا عتاد عسكري ولا اقتصاد، ولا إمكانات تنموية، بل في خراب بنيوي كبير أوصل فيه البلاد إلى نسبة 65 في المئة من تدمير البنية التحتية في سوريا، وهي التي باتت تحتاج من أجل إعادة إعمارها إلى ما ينوف عن 600 مليار دولار على أقل تقدير.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى