أزمة الديمقراطية في خطاب الدولة السورية

معقل زهور عدي

ربما لا يقدر العهد الجديد حق تقدير أهمية التمهيد للتحول الديمقراطي السياسي في سورية وفي أحسن الأحوال هم يرحلون تلك المهمة باعتبارها ليست من مهام المرحلة الانتقالية في حين أن الخارج الدولي والعربي لايظهر أي اهتمام في هذه المسألة مقابل تدخله المستمر في مسائل داخلية مثل وضع الأقليات في سورية .

ومما يساعد على طمس أهمية التمهيد للتحول الديمقراطي ضعف الوعي المجتمعي بمسألة الديمقراطية , هذا الضعف الذي تتشارك فيه المسؤولية النخب السورية مع الحقبة الأسدية التي قضت على الحياة السياسية في سورية .

لكن ماذا نقصد بالضبط بمسألة التمهيد للتحول الديمقراطي في المرحلة الانتقالية الراهنة ؟

باختصار شديد فالقصد هو ضبط البوصلة السياسية للهدف النهائي للمرحلة الانتقالية نحو الوصول لدولة ديمقراطية مدنية بوضوح تام ودون أي التباس .

تكمن أهمية وضوح الهدف النهائي للمرحلة الانتقالية في الانتهاء من الحالة الضبابية التي عشناها ومازلنا نعيشها حول طبيعة الدولة التي تسير سورية باتجاهها , هذه الحالة الضبابية التي تخلق قلقا متزايدا لدى فئات ليست قليلة من الشعب السوري , قلق يتحول تدريجيا إلى انهيار الثقة بالمسار السياسي الحالي ويفتح الطريق أمام مهاجمته واتهامه إما بالسير نحو أسلمة الدولة أو نحو الديكتاتورية من جديد .

ربما يختفي الأثر العميق للحالة الضبابية الحالية وراء التأييد الشعبي , وأيضا وراء انجازات الدولة السورية في الحقلين الخارجي والداخلي , لكن ذلك مجرد ستار يحجب الحقيقة ولا يلغيها .

تشبه الحالة الضبابية التي تمر بها الدولة السورية الحالية المستنقع الذي يستهلك قوة الانسان و يمنع تقدمه نحو الأمام في حين لايرى فيه البعض سوى عقبة عابرة بينما كان بالامكان تجنبه والسير بسرعة وثبات في طريق آخر .

ينبغي الاشارة هنا إلى تقاطع مشاعر الأقليات بالقلق والخوف من المستقبل مع الحالة الضبابية التي تعيشها الدولة السورية في مسألة المسار السياسي الانتقالي . ومثل ذلك القلق لايمكن جحده أو التخلص منه باتهامه بالطائفية , علينا الاعتراف أنه قلق مشروع , فكثيرون من جميع الطوائف بما في ذلك السنة لايريدون الانزلاق لانحو دولة على طريقة أفغانستان ولا على طريقة إعادة انتاج الديكتاتورية بعد مرحلة انفتاحية عابرة كما كان الحال عليه في مطلع انقلاب حافظ الأسد عام 1970 مع الفارق الكبير بالطبع لكن الحديث هنا حول الفرق بين الحكم الديكتاتوري والحكم الديمقراطي مع الأخذ بالاعتبار الفروقات النوعية الأخرى .

وهناك تقاطع آخر بين الحالة الضبابية للمسار السياسي الحالي وبين سوء الادارة في بعض القطاعات ونقص الكفاءة والميل أحيانا لاعلاء الانتماء على الكفاءة , ووجود عناصر سياسية تشبه أدوات النظام البائد مثل الادارة السياسية التي تخلق ازدواجية في السلطة على حساب القانون والنظام العام .

ماهو المطلوب ؟

المطلوب باختصار ووضوح شديدين حسم مسألة ماهو الهدف النهائي للمسار السياسي للمرحلة الانتقالية .

أي وضوح الخطاب السياسي للدولة بأننا بصدد التمهيد للوصول نحو دولة دستورية ديمقراطية مدنية , ودعم ذلك التوجه بالاعلان أنه في نهاية المرحلة الانتقالية ستكون هناك انتخابات عامة لجمعية تأسيسية منتخبة بصورة ديمقراطية حقيقية تتولى تلك الجمعية وضع الدستور النهائي للبلاد وأن الحكم الحالي يتعهد بتسليم الحكم للسلطة التي سوف تنشأ على أساس الدستور النهائي .

هذا الاعلان سوف يحدد بوصلة الهدف النهائي للمسار السياسي الانتقالي الحالي , وسوف يدعمه تحديد موعد لتلك الانتخابات يناسب المدة المتوقعة لانجاز معظم مهام المرحلة الانتقالية والتي لاينبغي أن تزيد عن سنتين منذ الآن سوى بظروف طارئة تبرر التأجيل .

مثل ذلك الاعلان بأية صيغة جاء سوف ينهي الحالة الضبابية التي تعيشها سورية الآن والتي وراء الاحساس المتزايد بالقلق وتآكل ثقة فئات اجتماعية بالعهد الجديد , بل وسوف أتجرأ للقول إن تلك الحالة الضبابية شكلت أساسا صالحا لدعم النزعات الانفصالية وايجاد بيئة صالحة لها .

هذا هو المطلوب الآن ولا ينبغي التأخر في الاجتماع حوله وجعله المطلب الوطني الأكثر أهمية اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى