هل سورية لقمة سائغة حقاً؟

أحمد جاسم الحسين

حقاً سوريا لم تستطع أن تجعل مواطنيها يلتحمون فيما بينهم ويشعرون أنهم أبناء البلد الواحد؟ حقاً سوريا بتاريخها وحضارتها ليست مهمة لكثيرين بحيث إنه من السهولة أنهم يريدون أن يقولوا نريد أن ننزل من الباص لم نعد نريد أن نكمل الرحلة معكم؟

لن نبحث عن الأسباب، ومدى وجاهتها أو ما تعرضتَ له؟ بل السؤال يبقى متوقفاً عند ألهذه الدرجة هان عليك تاريخ البلد ومشاركتك به؟

الأمر في جوانب منه نوع من حالة الهدم، بل استسهال الهدم وإنكار تاريخ البلد وقدرته على التعافي والبدايات الجديدة!

في الوقت الذي يحاول سوريون كثيرون القيام بحملات تبرع مادية لمحافظاتهم التي ولدوا فيها، تعبيراً عن تكاتفهم مع بلادهم للبدء بإعادة الإعمار خاصة في مجال التعليم والبنية التحتية، وتأكيداً على أن البلد ليس من الضروري أن ينتظر المساعدات العربية أو الدولية بل يمكنه أن يبدأ من أي نقطة، نجد أن كثيرين يعتقدون أن سوريا لقمة سائغة في فمهم يمكنهم أن يبلعوها ويبلعوا تاريخها، ويحولونها إلى ما يريدون  أوهام!

تجد أن كثيرين يخرجون علينا بأفكار من مثل حق تقرير المصير، أو التقسيم أو الفدرالية، مستغلين كون البلاد تمر بمرحلة عدم استقرار ونوع من التعثر في العبور إلى الأمام نتيجة لعوامل محلية وإقليمية ودولية!

مراحل ما بعد النزاع في الدول التي تعيش فيها إثنيات متعددة الخلفيات الدينية و العرقية يمكن أن تحدث فيها دعوات كثيرة من هذا النوع بخاصة إن كان البلد ملعباً لتدخلات دولية عدة نتيجة للجغرافية والأهمية كما حالة سوريا!

المؤكد أن سوريا بلد متعب، بل منهك وكثير من تفاصيله خارج المقاييس العالمية، لكن المؤكد كذلك أن هذا الشعب لديه القدرة على التفينق والبدايات الجديدة.

بعد أن كانت سوريا لقمة سائغة كما اعتقد الإيرانيون والروس فترة طويلة أثبت لهم أهل البلاد أنها ليست كذلك، فهل هناك تحول في مثل هذا الاعتقاد لدى الإسرائيليين مثلاً؟

نعم، تعيش إسرائيل مرحلة فائض من القوة والشعور بالقدرة على الانتصار لذلك تعتقد أن لديها القدرة على فرض شروطها على أي سلطة عربية بخاصة السلطات المجاورة لها مثل حالة المشهد السوري، وهي التي لا تريحها خلفية سلطة دمشق  وجذورها مطلقاً!

نعم، اليوم هناك غياب للسيادة الكاملة المركزية وتعدد في القوى الأجنبية، وكذلك هناك تفكك للدولة وسلطات عدة مثل قسد والميليشيات المسلحة في السويداء وهيمنة إسرائيلية عسكرية على البلد. وأزمة اقتصادية وبنية تحتية منهكة وضعف في القرار الوطني وكثير من مخلفات النظام السوري البائد تحتاج معالجتها إلى سنوات وسنوات إلا أنه من المهم التذكير أن هذه سوريا التي انتصر شعبها على النظام السابق في الوقت الذي اعتقدت معظم دول العالم أن زمان انتصار الشعوب قد فات!

المؤكد أن سوريا بلد متعب، بل منهك وكثير من تفاصيله خارج المقاييس العالمي، لكن المؤكد كذلك أن هذا الشعب لديه القدرة على التفينق والبدايات الجديدة، وأن البلد لديه القدرة على النهوض بإرادة أهله أولاً،  وبمحاولة السلطة فتح منافذ في خرم الإبرة!

سيأخذ ترتيب التفاصيل وقتاً، ولن تمشي أحواله بطريقة سلسة، وهناك كثيرون لا يريدون كل الخير، هذا طبيعي، وكثيرون يريدون التآمر عليك، كذلك هذا طبيعي، لكن المهم أن يكون لديك الوعي في نقاط الارتكاز، والبوصلة والاستراتيجيات التي يمكن أن تمشي على هديها!

إدارة الأزمات في الدول ليست أمراً سهلاً، بخاصة في الدول الهشة كما هي الحالة السورية ويحتاج جعلها دولة صلبة إلى وقت وظروف مواتية، والأمر لا يتعلق بإرادة السلطة التي تحكمها، بل إرادة أبناء البلد أولاً لاًنها أساس الارتكاز، وبالتأكيد لا بد من سياقات إقليمية ودولية عدة تساعد في ذلك، والأمر يحتاج إلى وقت يطول أو يقصر تبعاً للعوامل المؤثرة!

أهم نقطة في مثل هذا التحول والمشي إلى الأمام هي إرادة أبناء البلد، وكلما تمسكوا بمشتركاتهم وما يجمعهم، وتذكروا تاريخ بلدهم وبعده الحضاري كلما كانت إمكانات عبور البرزخ الصعب الذي يمرون فيه ممكنة!

السؤال مرة أخرى: هل فعلاً سوريا ضعيفة إلى هذه الدرجة؟ ضعيفة إلى درجة أن كثيراً من أبنائها يعتقدون أن الانتماء إلى هذا البلد العريق هو مما يعيقهم، أو هو عيب يمكنهم التخلص منه؟ أو التخلي عنه؟

قد يبدو أن سوريا لمتوهمين كثيرين لقمة سائغة، ويمكن التخلي عنها أو التهامها، لكن السوريين يدركون أنهم سيكونون غصات في حلوق من لديه هذا الوهم إلى أن يدركوا أنها بحضارتها وشعبها وتاريخها وإرادة أبنائها.

الواقع أنها لحظات غضب وعتب وألم بين السوريين من مختلف الاتجاهات، وفي لحظات الغضب قد تسيطر مشاعر محددة على الناس تكون بعيدة عن أرض الواقع، أو هي وليدة غضب وكل غضب لا يعول عليه، وقد أدركت الديانات ذلك لذلك أبعدت الغضبان عن الفعل والمحاسبة حتى يهدأ! ولعل مما يكشف الحضور الكبير للعتب والغضب في المشهد السوري أن كثيراً من الأغاني تركز على موضوعة العتب!

أخيراً يمكن الإشارة إلى أن تعب كثيرين من المركب السوري أو جعلهم يعتقدون أنه لم يعد صالحاً لهم يدفع سوريين آخرين للدعوة إلى النزول عنه قليلاً والخوض في تجارب أخرى وتجربة الصعود في مراكب أخرى لعلهم يرعوون! هذا لمن يعتقد أن البلدان مراكب للوصول وليست أقداراً نهائية تحتم عليبنا التعايش ومحاولة إصلاح المركب إن حاول شخص أن يثقبه لن يكون الغرق من نصيب الجميع ولا ناج إلا مع الجماعة السورية بكل تاريخها وألمها ووجعها وفرحها ومنجزها!

من هنا قد يبدو أن سوريا لمتوهمين كثيرين لقمة سائغة، ويمكن التخلي عنها أو التهامها، لكن السوريين يدركون أنهم سيكونون غصات في حلوق من لديه هذا الوهم إلى أن يدركوا أنها بحضارتها وشعبها وتاريخها وإرادة أبنائها لن تكون إلا كما يريد أولئك الأبناء الذين ضحوا بمليون شهيد في سبيل حريتها، ومن يضحي كل هذه التضحيات لن يعجز عن البداية الجديدة أو تجاوز العثرات البسيطة!

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى