
يتراجع التأييد الداخلي للسلطة السورية الجديدة بسرعة، وتبرُز مؤشّراتٌ واضحة إلى أنها بدلاً من أن تكسب قطاعات المتردّدين، فإن فئات من التي وقفت إلى جانبها بلا تحفّظ، بدأت تنفضّ من حولها. وهناك حالة متنامية من التذمّر والشكوى، وعرائض احتجاج، وقّعها سياسيون ومثقّفون وقانونيون مستقلّون. وتتركّز الانتقادات في أخطاء أمنية وسياسية. ثمّة ارتجال سياسي ملحوظ وتعدّيات على المواطنين وعمليات سرقة تجري داخل العاصمة، وسط الأحياء الدبلوماسية.
خسرت السلطة تأييد قطاعات من الساحل السوري بسبب الاعتداءات التي ارتكبتها فصائل عسكرية من “الجيش الوطني”، وكانت أمامها فرصة لمعالجة الوضع من طريق لجنة التحقيق التي شكلتها، وأن تستفيد من الدروس، ولكن النتائج لم تكن مرضية، وتكرّرت الأخطاء في مغامرة السويداء، التي كانت كارثية، وأدّت إلى قطيعة بين المحافظة والدولة، ودخول العامل الإسرائيلي بقوة في الشأن الداخلي السوري، وبات احتمال تحويل الجنوب منطقةَ نفوذ إسرائيلية وارداً أكثر ممّا كان في أي وقت سابق.
مؤكّد أن تيارات تعمل بوسائل مختلفة للتخريب وممارسة الجريمة للحيلولة دون نجاح الدولة في بسط سلطتها، واستعادة السلم الأهلي، واستكمال الوحدة الترابية للبلد. ولا يخفى على أحد أن إسرائيل وإيران (وأطرافاً أخرى) لا توفّر وسيلةً لإفشال السلطة الجديدة، وإبقاء سورية ضعيفةً، من أجل تنفيذ أجندات التقسيم. وهناك أطراف تعمل، وتروّج ذلك صراحةً، وجهات لا تخفي انخراطها. وما حصل من تشكيل إدارة مستقلّة للسويداء تحوّلٌ خطير، يصبّ في هذا الاتجاه.
قد تكون هناك مبالغة وتضخيم لأخطاء السلطة الجديدة، لكن بعض الوقائع لا تحتمل ذلك، مثل عملية قتل الممثلة ديالا الوادي وسرقتها، وقبلها عمليات قتل وسرقة في المنطقة نفسها، بالأسلوب نفسه، ما يعني عدم قدرة جهاز الأمن على ملاحقة عصابات السرقة والإجرام، وهذا عائد إلى نقص في الكادر والمهنية، ما يتطلّب إعادة المسرّحين والمنشقّين من الأمن والجيش إلى عملهم، وقد آن الأوان للسلطة أن تغيّر من أسلوب عملها، وترفد أجهزتها بكادر أكثر مهنية وتخصّصاً. وإذا استمرّ العمل بالنهج الحالي، ولم تحصل عملية مراجعة سريعة، فإن سورية مُقدمة على تطوّرات تتنامى فيها السلبيات على طريقة كرة الثلج التي تكبر كلّ يوم. وستكون لذلك نتائج خطيرة في ظلّ وضع يعاني هشاشةً وضعفاً في المستويات السياسية والأمنية، وعزوفاً عن التواصل مع فئات المجتمع خارج محيط مؤيّدي السلطة والمستفيدين منها.
ومن المظاهر المنفرة (وغير المريحة) التي تضعف الثقة بالعهد الجديد، بروز هيمنة الأقارب والأصدقاء، وأبناء التنظيم الواحد، والطائفة الواحدة، على حساب التشاركية والتنوّع والكفاءة والشفافية، وهذا نهجٌ لا يبني دولةً لكلّ السوريين، بل يقسّم المجتمع السوري، ويسبّب حالات نزاع يمكنها أن تتطوّر إلى توتّراتٍ ذات طبيعة عنفيّة، على شاكلة الوضع الراهن في الساحل والسويداء، الذي يعود السبب فيه إلى الفشل في اتباع أسلوب حوار وطني يغلّب المصلحة الوطنية على منطق القوة، والشفافية على الغموض، وسياسة الصفقات السرّية.
بالإضافة إلى تنامي التوتر في الداخل، هناك حالة من عدم الرضى في إدارة السياسة الخارجية، التي تفتقر إلى المرجعيات الواضحة، ومن ذلك العلاقة مع روسيا، والمفاوضات مع إسرائيل. وشكّلت زيارة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، موسكو قفزةً ثانيةً في المجهول، تنضاف إلى سوء تقدير الموقف الذي قاد إلى المفاوضات مع الاحتلال. وقد كان الرأي العام السوري ينتظر من الوزير مطالبة روسيا باعتذار عن مجازرها بحقّ الشعب السوري، وتعويضات عن الدمار الذي ألحقته بسورية، وتسليم عائلة الأسد، ومجرمي الحرب الذين لجأوا إلى روسيا، واستعادة الأموال المنهوبة، لا إجراء مساومات وصفقات سرّية.
المصدر: العربي الجديد