قبل ثلاث سنوات وصلت فرح ذات السابعة والعشرين عاما الى السويد بعد ما عانت الاهوال في سورية بسبب الحرب وفي الطريق بسبب مصاعب التنقل من بلد الى بلد . زوجها اختفى أثره في سورية منذ سنوات ولا تعرف عنه شيئا . معها ثلاثة أطفال أكبرهم في التاسعة وأصغرهم في الثالثة وأوسطهم في السادسة .
كانت تعتقد أنها وصلت الى جنة الاستقرار والطمأنينة والرفاهية، فخططت لحياة جديدة، تربي أولادها وتتفرغ للعناية بهم لتعوضهم فقدان الأب ، وذكريات الحرب والخوف والخطر ، ومشاق عبور الحدود بين الدول .
انتظرت عامين حتى حصلت على حق الإقامة في السويد . ولكنها ما زالت تعيش في سكن مشترك مع اللاجئين .
التحق أطفالها بالمدارس ، وبدأت هي تعلم اللغة السويدية ، والبحث عن عمل ، مستبشرة بمستقبل جميل .
يوم الثلاثاء الماضي ذهب ابنها الاوسط رايس مع تلاميذ صفه الى المسبح برفقة ثلاثة مدرسين . وعندما انتهت الحصة عاد التلاميذ مع المدرسين الى المدرسة ولم ينتبهوا لغياب رايس .
وعندما انتبهوا ذهبوا يبحثون عنه حول المدرسة في الغابات القريبة ، ولم يعثروا عليه .
في اليوم التالي عثرت عليه تلميذة ممدا غريقا في قعر المسبح .
عادت كوابيس الموت الى حياة الأسرة ، وقلب الأم المكلومة ، تبكي بلوعة شديدة ومرارة ، وهي تصرخ وقد أصابها الذهول : هربنا من الموت والقتل ، وجئنا لنستقر ونشعر بالأمان .. ماذا حدث رباه ..؟
تصرخ في وجوه مسؤولي المدرسة أين كنتم عندما غرق ابني ؟ لماذا لم تنتبهوا له ..؟ وتصرخ في وجوه الشرطة : هذه جريمة فظيعة ، ليست قضاء ولا قدرا ، بل جريمة فظيعة ولا بد من محاسبة المسؤول عنها .
عائلة ممزقة ، وصل شقيق فرح اللاجئ في الدانمارك ، ووصل شقيقها الآخر من المانيا ، ووصل أعمام الطفل من هولندا ، لمواساة الاسرة ، ومساعدة افرادها على تجاوز المحنة التي حلت بهم من حيث لا يتوقعون ولا يدرون .
كأن الموت يطارد السوريين حيثما هربوا منه ، قائلا لهم ، لا مهرب مني أبدا ، ولو ذهبتم الى السويد في شمال اوروبا !!
اللهم واسي فرح التي لم يعد لها من اسمها أي نصيب، وارأف بولديها الآخرين، وأعنها على الصبر على مصابها في فلذة كبدها، بعد فقدها بعلها .
اللهم احفظ السوريين، وارحمهم، وفرج عنهم في كل اصقاع الارض، لعل الموت يخجل منهم!