بعض التفكير في العدوان الأخير

د- حازم نهار

أولًا: قليلة هي البدهيات التي أسلِّم بها في السياسة، لأن قناعتي الرئيسة هي أن كل شيء قابل للنقاش. واحدة من البدهيات التي تشكل جزءًا من قناعاتي الراسخة تتعلق بـ “الكيان الأزرق”:

  1. الكيان الأزرق عدو يحتل أرضًا سورية (الجولان)، وكيان غاصب ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني.
  2. اعتداء الكيان الأزرق على سوريا مدان، في كل مكان، وكل لحظة، بصرف النظر عن طبيعة السلطة الحاكمة في سوريا (وهو ما لم تفعله معظم قوى الثورة والمعارضات خلال الفترة 2011-2024).
  3. لا يستمع الكيان الأزرق إلى أي جهة أو شخص في المنطقة، وتصوغ سياستها بطريقة أعقد كثيرًا مما نتصور.
  4. عندما يعتدي الكيان الأزرق على سوريا (أو غيرها) لا يضع في حساباته أن يصب عدوانه في مصلحة أحد غير مصلحته.

ثانيًا: أسئلة مرتبطة

  1. عندما ضرب الكيان الأزرق تجمعات إيران وحزب الله في سوريا، هل كانت تضع في حساباتها مصلحة أي طرف أو جهة أو شخص من الشعب السوري؟ بالتأكيد لا. (مع ذلك، كان هناك بيننا من فرح بعمليات الكيان الأزرق وأظهر الشماتة بحزب الله وإيران، بل وشكره أحيانًا. وهذا السلوك الانفعالي يمكن فهمه على مستوى الناس العاديين المتألمين، لكن بصراحة لا يمكن فهمه أو تسويغه على مستوى نخب سياسية وثقافية سورية. مع ذلك، هل يمكن أن نصدر اتهامات بالعمالة تجاه هؤلاء؟ في رأيي لا، ونستطيع أن نفسر الأمر بنقص الوعي والحماقة في لحظة سياسية معقدة، وفي ظل بلد لم يبنِ بعد معايير الوطنية ويوفِّر أسسها الضرورية).
  2. بعد سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر، وخلال عدة أيام متتالية، دمر الكيان الأزرق 80 في المئة من القوة العسكرية السورية، فهل كان يريد إفادة طرف سوري ما؟ بالتأكيد لا، فهو لا يحتاج إلى أي مسوِّغ أو دعوة ليضرب في سوريا (وغيرها)، سوى التعاطي مع مصالحه وحساباته الخاصة.
  3. هل نتوقع أن الكيان الأزرق ينتظر دعوة من أي طرف أو جهة أو شخص ليعتدي على سوريا؟ بالتأكيد لا، لكنه يستغل أي وضع ليغطي عدوانه ويسوِّغه من جهة، وليثير المشكلات والعداوات في ما بيننا ويعمِّقها من جهة ثانية.

بالنسبة إلى عدوان الكيان الأخير اليوم، يمكن توقّع دوافعه كالآتي: الضغط على السلطة السورية في مسائل مقبلة لها علاقة بالتفاوض، هروب رئيس حكومة الكيان من محاكمته الراهنة، إرضاء تيارات أو جهات داخل حكومته، التسبب بمزيد من الإرباك للساحة السورية… إلخ.

في رأيي الشخصي، إن ما قلته في الأسطر السابقة يدخل في عداد الأمور البدهية بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من الشعب السوري، وليس فيه جديد، وما نسمعه أو نراه من حوادث عابرة على هذا المستوى (أي الموقف من الكيان الأزرق) ليس أكثر من لحظات انفعالية أو يائسة عند أصحابها بحكم أوضاعنا غير المستقرة، وما عانيناه من مشكلات عميقة وأحوال قاهرة على مدى خمسة عشر عامًا.

أخيرًا، إنَّ أحد تجليات منطق الدولة هو الاعتراف بسلطة القضاء واستقلاليته، لا ترك الأمور للتقويمات الشخصية والانفعالية والمتسرعة، ومن ثم لا يمكن تجريم أي فرد بالعمالة لدولة الاحتلال إلا من خلال القضاء العادل والنزيه والمستقل، واستنادًا إلى قرائن ودلائل لا تقبل الجدل أو الشك.

المصدر: صفحة الدكتور حازم نهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى