من كركوك إلى بانياس.. خطوط النفط ترسم مسار السياسة العراقية تجاه سوريا

فراس فحام

حتى وقت قريب، لم تكن قوى الإطار التنسيقي المسيطرة على السلطة التنفيذية وغالبية المقاعد في مجلس النواب العراقي متحمسة بالكامل للتقارب مع الإدارة السورية الجديدة التي حلت مكان بشار الأسد بعد إسقاطه، إذ ترتبط هذه القوى بدرجات متفاوتة بعلاقة مع إيران، تتراوح بين التحالف والولاء، وكانت ضمن محور ترعاه طهران ويضم الأسد أيضاً.

خلال الأسابيع الأخيرة، تتالت المؤشرات من الأوساط العراقية التي تشير إلى تغير في الموقف تجاه الإدارة السورية، كان أبرزها اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الدوحة منتصف نيسان/أبريل الجاري، بوساطة من الأمير تميم بن حمد، ثم تبع اللقاء زيارة رئيس الاستخبارات العراقي حميد الشطري إلى دمشق، ودعوة الشرع لحضور القمة العربية في بغداد، والحديث عن استئناف تصدير النفط إلى ميناء بانياس السوري، بالإضافة إلى تقديم شحنة قمح من العراق إلى سوريا.

تراجع التأثير الإيراني على القرار العراقي

تعكس الخطوات التي اتخذها العراق مؤخراً تراجعاً ملموساً للتأثير الإيراني على القرار العراقي، حيث كانت طهران تلجأ عادة إلى قادة الجماعات المسلحة المنضوية ضمن الإطار التنسيقي لعرقلة أي قرار تتخذه الحكومة ولا يرضى عنه الجانب الإيراني، وأبرز هذه الجماعات حركة النجباء وكتائب حزب الله العراقي، وبدرجة أقل عصائب أهل الحق.

مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض، صعد من ضغوطه على الجماعات العراقية الموالية لإيران، وبات يطالب بحلها بالكامل، مع التلويح باستهدافها من قبل إسرائيل، وهذا ما دفع هذه الجماعات فيما يبدو إلى التراجع خطوات للوراء، خاصة وأن ترمب يمارس الضغوط على إيران ذاتها.

أسهم تأطير سلوك هذه الجماعات في تحرير الحكومة العراقية من الضغوط، وهي تدرك بدورها ضرورة إعادة التموضع في المشهد الإقليمي الذي بدأ بالتشكل منذ حرب إسرائيل على جنوبي لبنان أواخر 2024، ثم سقوط بشار الأسد، وما تخلله من ضربات إسرائيلية على إيران، وأخيراً زيادة العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية الأميركية على إيران بعد تولي ترمب لإدارة البيت الأبيض.

من الواضح أن إيران لم تفقد نفوذها بشكل كامل في الساحة العراقية، لكنها تحاول فيما يبدو التكيف مع الواقع الجديد وترك هوامش لبغداد تجنباً لسيناريو خسارة الساحة العراقية بالكامل، وهي تطمح غالباً للاستثمار في التقارب العراقي مع دمشق، على أمل أن تشكل هذه القناة مدخلاً غير مباشر لعودة الاتصالات بين دمشق وطهران المهتمة بالجغرافيا السورية أكثر من أي شيء آخر، وقد أظهرت إيران مؤخراً مثل هذه الرغبة من خلال تنديد مندوبها في الأمم المتحدة بما وصفه “القيود الأميركية غير المبررة” التي تزيد من معاناة السوريين.

الحفاظ على التوازنات

يتحسس العراق رغبة الإدارة الأميركية الجديدة في دعم موقف أربيل مجدداً، التي كانت سابقاً تعاني من حصار مفروض عليها من قبل طهران وحلفائها العراقيين المتمثلين بالسليمانية التي تخضع لسيطرة جلال طالباني، والحكومة المركزية العراقية، والفصائل التابعة لها.

وطالما أن ترمب منذ توليه فترته الرئاسية الجديدة يعمل على المزيد من تقليص قدرات إيران الإقليمية، فقد كان لا بد له من التركيز على تقوية أربيل المحسوبة على الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، بالتوازي مع إبعاد طهران عن السليمانية، وتقليص دور الفصائل العراقية المسلحة الموالية لحكومة بغداد. وفي هذا السياق، يضغط ترمب لإعادة تصدير النفط من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي، بالإضافة إلى تركيز ثقل كبير للقوات الأميركية في قاعدة الحرير ضمن أربيل.

سيكون من مصلحة الحكومة العراقية تنويع خطوط تصدير الطاقة، والعمل على الوصول إلى البحر المتوسط عبر خط كركوك-بانياس، الذي يقلص مسافة مرور خط التصدير من إقليم كردستان. كما أن تطوير علاقات العراق مع دمشق على أساس المصالح المتبادلة يوفر إمكانية للتعاون الأمني ضد عودة تنظيم داعش، والتنسيق في مواجهة تحركات أربيل في الملف السوري بدعم أميركي، ومساعي استنساخ النموذج الفدرالي العراقي في سوريا، في وقت كانت تحاول فيه حكومة بغداد تجاوز هذا النموذج على أرض الواقع وتعزيز تدخل الحكومة المركزية في إقليم كردستان العراق، قبل أن تتعرض لصدمة قوية إثر تراجع قوة إيران الإقليمية.

أيضاً، إن تجاوز العراق للتغيير الذي حصل في سوريا، والتعامل بواقعية، وتشبيك المصالح مع الإدارة السورية الجديدة، من شأنه أن يقلل فرص انخراط سوريا في أي جهد إقليمي قد يستهدف استقرار النظام السياسي العراقي، الذي ساند نظام بشار الأسد حتى قبل أشهر من سقوطه.

على العموم، ستواجه محاولات تطوير العلاقة بين دمشق وبغداد عقبات عديدة، أولها احتفاظ إيران بقدرتها على التعطيل حتى اللحظة، ومدى استجابة الإدارة السورية الجديدة أيضاً لجهود الحكومة العراقية، إذ لن يذهب الجانب السوري في علاقة مع النظام السياسي العراقي الحالي لا تتناسب مع تموضع دمشق الإقليمي والدولي الجديد.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى