كل هذه الاعتداءات الإسرائيلية على سورية

فاطمة ياسين

موجة جديدة من الاعتداءات البرّية والجوية ارتكبتها إسرائيل قبل أيام، استهدفت أماكن حيوية في أنحاء سورية، منها مطاران عسكريان كانا قد هوجما سابقاً في أثناء وجود بشّار الأسد في السلطة. وأظهرت صور جوية تخريب مدرّجات مطار حماة العسكري وبعض أبنيته الأخرى، بالإضافة إلى حظائر الطائرات، فلم يعد صالحاً للاستعمال. وقصفت إسرائيل مطار التيفور العسكري قرب حمص، وهاجمت منشأةً كان النظام السابق يستخدمها لتطوير أسلحة كيماوية وبحوث عسكرية في دمشق. أمّا الهجوم الأكثر خطورةً فكان التقدّم في محور الطريق 119، الواصل بين نوى والرفيد في الجنوب، وقد وُصف بأنه التقدّم الأكثر عمقاً للقوات الإسرائيلية في الداخل السوري، بمسافة نحو عشرة كيلومترات من حدود المنطقة العازلة، ولم يمرّ الهجوم بسلام، فقد تصدّت له مجموعة من شباب المنطقة فقُتل عشرة منهم.
نفّذ هجوم درعا في الصباح الباكر، وفي عشية اليوم نفسه، نفّذت الطائرات الإسرائيلية طلعاتٍ جوّية هاجمت فيها نقاطاً عسكرية في منطقة الكسوة، التي كانت مقرّاً لبعض فرق النظام السابق. ورغم انشغال إسرائيل في جبهتَين مجاورتَين، في غزّة وفي جنوبي لبنان حيث وسّعت هجومهاً ليشمل مواقعَ في الضاحية الجنوبية، تجد إسرائيل وقتاً وقوّاتٍ لتهاجم سورية بهذا المستوى من العنف، بمعنى أن سورية هدفٌ ثابتٌ تركّز عليه بعين مفتوحة وجبهة مرشّحة للانفجار على الدوام، وعلى هذا الأساس تُبقي قواتها بالقرب من الحدود، مع اختراقات مختلفة المهام في العمق السوري.
لم يجفّ الحبر الذي وقّع به أحمد الشرع مرسومَ تشكيل الحكومة الجديدة، وقد لاقت تلك الحكومة أصداءً طيبةً في الأوساط الدولية، واعترفت الولايات المتحدة بأنها حكومة تكنوقراط، ليأتي هذا الهجوم ويسقط عديداً من الضحايا. مارست إسرائيل عنفها الكبير قبل سقوط نظام بشّار الأسد وبعده، وكأنّها تريد أن توصل رسائل إلى الشرع، وإلى الشعب السوري كلّه، أن ساعة التنمية قد تجمّدت عند هذه اللحظة، وممنوع على هذه الحكومة الجديدة أن تعيد بناء قواتها العسكرية، أمّا الهجوم على مطارَين عسكريَين، ومسحهما من الوجود، فيعكس نيّةً إسرائيليةً بمنع وجود قوة عسكرية جوّية تابعة للحكومة الجديدة، والتقدّم العميق في درعا رسالة أخرى بشأن النيّة في إقامة منطقة عازلة خالية من أيّ نوع من السلاح، حتى لو كان خفيفاً، وإعادة الهجوم على الكسوة تأكيد على الرسالة الأولى، وعلى مدى العمق الذي ترغب إسرائيل في وضع الوصاية الجوّية عليه.
أرادت جهات إسرائيلية (خاصّة صحفها اليومية) الإيحاء بأن الهجوم موجّه إلى تركيا التي تَسرَّب قبل أيام أنها تنوي إنشاء قواعد عسكرية في سورية، وهوجم المطاران المقترحان ليكونا قاعدتين تركيتين، لكن أيّاً من حكومتَي البلدَين (تركيا وسورية) صرحت بما يوحي بحقيقة هذه النيّة، وقد زار الشرع أنقرة قبل أسابيع. وفي مناسبة كهذه قد يكون طرح تلك المواضيع متاحاً، لكن لم تصدُر أيّ معلومة من الطرفَين بوجود مثل هذه الخطة، وكان الطرفان قد أبديا الرغبة في التعاون العسكري، وهو الأمر الذي تشعر سورية بحاجةٍ ماسّة إليه، فقد ورثت الحكومة الجديدة دماراً عسكرياً هائلاً، واعتمدت في بنيتها العسكرية على مجموعات قليلة التدريب، وأرادت أن تتّكل على تركيا في تقديم عون إعادة هيكلة وزارة الدفاع على أسس وطنية، وتأهيل الكوادر العسكرية المناسبة لقيادة هذه المؤسّسة الهامة. وسبق لتركيا أن نفت المعلومات عن سعيها إلى إنشاء قواعد عسكرية، ولم تُبدِ أيّ نياتٍ عدوانية تجاه إسرائيل، وبهذا لم يبقَ إلا أن إسرائيل ترغب في تشكيل دائرة حماية حولها حتى من أعداء غير معروفين في سورية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى