تستعد مؤسسة الدفاع الإسرائيلية لاحتمال وقوع الأسوأ على الحدود مع لبنان، وسط تقديرات استخباراتية بأن رد حزب الله لن يقف عند حدود ما حدث في مزارع شبعا. لذلك، وفي إطار حال تأهب غير مسبوقة، زاد الجيش الإسرائيلي تجهيزاته الهجومية كما الدفاعية على حدود لبنان، مع إيعاز وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، الجيش الإسرائيلي بقصف البنية التحتية اللبنانية، إذا أضر حزب الله بالجنود أو المدنيين الإسرائيليين.
رد محدود آتٍ
وقد تطرق المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عاموس هرئيل، لاحتمالات اندلاع نزاع متفجر بين الدولة العبرية وحزب الله، التي ترافقت مع تحركات وتعزيزات كبيرة للجيش الإسرائيلي نحو المنطقة الشمالية المحاذية للبنان، معتبراً أنه بناءً على “ميزان الردع” الذي روج له الحزب في السنوات الأخيرة، يمكن توقع رد عسكري من قبله، حتى لو كان مقتل علي كامل محسن في سوريا يتعلق أساساً بالمعركة بين إسرائيل وإيران.
ورغم عدم تعليق أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، على ما جرى في سوريا ومزارع شبعا، يقول هرئيل أن لدى المقربين من حزب الله، الكثير من التكهنات حول إمكانية رد الفعل المتوقع. وهذه التوقعات تزيد من الضغط على حزب الله للانتقام بطريقةٍ محدودة، حتى لا يجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية في وقت خطير، يغرق فيه الحزب في أزمة سياسية وعسكرية حادة، في ضوء الانهيار الاقتصادي في لبنان، والعداء المتزايد تجاهه بين المجتمعات الأخرى في البلاد، وخفض المساعدات المالية الإيرانية.
إسرائيل تتوعد
اختار حزب الله في كانون الثاني 2015 وأيلول 2019، الرد على استهداف عناصره عبر إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على المركبات العسكرية الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية. (الحادث الأول أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين، والثاني لم يتسبب في وقوع إصابات). وفي الحالتين امتنعت إسرائيل عن الرد، ووضعت حداً للتصعيد.
على هذا النحو، تستعد إسرائيل، وفق هرئيل، لردٍ يُستخدم فيه صواريخ مضادة للدبابات أو نيران قناصة من المنطقة المجاورة للحدود. وتُفيد التجارب السابقة، أن الانتقام قد يتأخر حوالى 10 أيام حتى تتوفر الفرصة التشغيلية المناسبة. وتتزامن كل هذه التوقعات مع تداول معلومات عن إرسال إسرائيل رسالة إلى حزب الله عبر الأمم المتحدة، مفادها أنها لم تكن تنوي قتل عنصر حزب الله في الهجوم الأخير على سوريا، مهددةً في الوقت نفسه بردٍ قاسٍ من جانبها إذا تعرضت لهجوم.
المنطقة تغلي
يذّكر هرئيل بأن هناك مواجهة إقليمية أكبر تغلي في الصورة الخلفية للتوتر الحدودي مع لبنان. فإيران لم ترد بعد على عشرات العمليات ضدها، ولعل أبرزها الاغتيال الأميركي للجنرال قاسم سليماني في العراق مطلع السنة الحالية، والانفجار الغامض الذي استهدف منشأة نطنز النووية الإيرانية في وقت مبكر من تموز 2020.
في خطوة غير عادية خلال جائحة كورونا، زار رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، إسرائيل، يوم الجمعة الماضي. والتقى هذا الأخير برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس، وكذلك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي. ومن المرجح أن جزءاً كبيراً من اجتماعات ميلي ومباحثاته تناولت السياسة تجاه إيران وحزب الله، ما يزيد من الضبابية على المشهد المعقد ويحمل أبعاداً إقليمية خطيرة، خصوصاً أن هذه ثاني زيارة يقوم بها ميلي لإسرائيل منذ توليه منصبه الحالي، بعد أن جرت الزيارة الأولى قبل أيامٍ قليلة من اغتيال سليماني.
هل يلجأ نتنياهو إلى الحرب؟
يؤكد هرئيل بأن معظم القرارات التي تُتخذ بشأن إيران وحزب الله في إسرائيل، تنحصر بيد رئيس الوزراء نتنياهو، وليس غانتس أو كوخافي. وكما هو معلوم، يتعرض نتنياهو، الذي كانت إيران ولا تزال قضيته الاستراتيجية الأولى له، لحملة الضغط الأكبر في حياته. ووسط الجدل حول بقاء نتنياهو في المنصب مع الاتهامات الجنائية الخطيرة التي يواجهها، يبدو أن كثيرين، وفق هرئيل، لا يدركون أن رئيس الوزراء لا يزال يعالج قضايا حساسة ترتبط بالحزب وإيران أثناء إدارته معركة خلفية ضد السلطة القضائية، وهذا بالطبع يبعث على القلق من أن تفلت الأمور من عقالها على الحدود الشمالية.
لم يخطر في بال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن صديقه أفيخاي مندلبليت الذي عينه مدعياً عاماً، هو نفسه من سيضعه في قفص الاتهام. إذ خلص مندلبليت في السنة الماضية إلى أن الأدلة ضد رئيس الوزراء الأطول مدة في موقعه، كانت كافية لتوجيه الاتهام إليه بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، فيما يتعلق بشراء البحرية الإسرائيلية للغواصات وسفن بحرية أخرى.
وقد كشفت دراسة نُشرت في شهر حزيران المنصرم من قبل “حركة حكومة الجودة في إسرائيل” غير الحكومية، معلومات مهمة عن أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في القضية، وهي تورط رجل الأعمال ميكي غانور الذي أصبح شاهداً في التحقيقات، وعمل كممثل لشركة “تيسنكروب” في إسرائيل بين عاميّ 2009 و2017، في الضغط على مؤسسة الدفاع الإسرائيلية لعدم التدخل في بيع الغواصات إلى مصر.
وما يزيد الطين بلة، هو تورط ديفيد شيمرون، مستشار ومحامي نتنياهو، بالتصرف بالنيابة عن غانور والعمل معه للترويج للاتفاق بين إسرائيل و”تيسنكروب”، مستخدماً قربه من رئيس الوزراء والمسؤولين الحكوميين في الدعوة للتوصل لاتفاق.
خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، ظهر إعلان في الصحف الإسرائيلية يدعو إلى إنشاء لجنة تحقيق رسمية بشأن الغواصات. يقول منظمو الإعلان إن 5750 من ضباط وقادة الجيش الاحتياط قد وقعوا على العريضة، بما في ذلك 10 جنرالات.
ولعل أبرز ما لفت هرئيل بهذا الإعلان، الذي يكشف عمق الصدع الداخلي الذي قد يتفجر خارجياً على الحدود، هو توقيع اللواء (احتياط) أودي آدم، الذي كان حتى قبل ثلاثة أشهر المدير العام لوزارة الدفاع، على العريضة. وعلى الرغم من أن القضية تتعلق في المقام الأول بالفترة التي كان فيها سلفه، اللواء دان هاريل، في منصبه، فإن قرار آدم بتوقيع اسمه على العريضة، هو مؤشر على أنه حتى في الطوابق العليا من وزارة الدفاع الإسرائيلية، تفوح رائحة الفساد.
الاستنفار الأوسع منذ 2006
وربطاً بما أورده عاموس هرئيل في تقريره، كشف الإعلام الإسرائيلي أن التعزيزات المدفعية واللوجستية التي استقدمها الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الشمالية مع لبنان تعدّ الأكبر منذ اندلاع حرب تموز 2006، وبأن حالة التأهب القصوى التي أعلنها الجيش مستمرة على الحدود الشمالية مع استمرار إغلاق الطرقات في الشمال تخوفاً من تنفيذ عمليات من لبنان.
هذا، ومدّدت السلطات الإسرائيلية إغلاق المجال الجوي في الشمال بعمق 6 كيلومتر أمام الطائرات المدنيّة، معللةً ذلك بتخطيط حزب الله لكيفية تنفيذ هجوم انتقامي على الجيش الإسرائيلي.
المصدر: المدن