عن دار خطوة للكتاب العربي صدرت يوميات الكاتب غيث حمّور. “فولار وعصا غليظة – يوميات طالب في عصر القيود”.
كنت قد قرأت لغيث حمّور أغلب ما نشره في فترات سابقة: “أبيض قان” و”الرئيس شريكا” و”امبراطورية فسادستان” و”غراب وصنمان” وكتبت عنهم جميعا…
في يوميات فولار وعصا غليظة – يوميات طالب في عصر القيود” يتحدث غيث حمّور عن مراحل دراسته منذ الحضانة حتى نهاية المرحلة الثانوية. مسترجعا ما تبقى في ذاكرته من تلك المرحلة من حياته. حيث دوّن الخبرات والظروف المحيطة به وأجواء المدارس والمدرسين وواقع العملية التعليمية في سورية في نهاية الثمانينات وحتى ما بعد الألفية الجديدة في مدارس دمشق…
غيث حمور ابن دمشق والده دمشقي ووالدته كردية. وله اخت تصغره. والده ووالدته يعملان، والده المهندس متأثر بالفكر اليساري، كان حريصا أن يدخل اولاده في مدارس اعتقد انها تقدم التعليم بأفضل صورة حتى لو كانت مدارس خاصة. وهذا يعني أنها مدارس بأجر تتكفل به العائلة.
عاشت عائلة غيث في أحياء راقية في دمشق “مشروع دمر” في بيت حصل والده عليه من جدّه.
دخل التعليم في الحضانة بعمر أربع سنوات. لا يذكر غيث من تلك المرحلة شيئا. ثم دخل مدرسة خاصة في مرحلة التعليم الابتدائي الإلزامي وبعده الاعدادي. ورغم كونها مدارس خاصة فقد كان نموذج المدرسين والإدارة فيها يعتمد العنف البدني واللفظي بالتعامل مع الطلاب. كما كانت أحوال الطلاب غير مريحة. حيث كان الطلاب منقسمين بين طلاب سنة وعلويين وأكراد. وكانت تحصل بينهم توترات وصراعات وتصل إلى حالة العنف الجسدي. كان دور الإدارة والمدرسين. التغاضي عما يحصل وانتظار انتهاء الصراع. دون أي دور مهدئ او حتى معاقبة المعتدي. هذا جعل الطلبة في حالة تسيّب.
غيث مسالم وجد له صديق قوي البدن والحضور. شكل له شبكة حماية أمام الطلبة المتنمرين.
الادارة وخاصة المدير يتصرف بفوقية تجاه الطلاب وحتى تجاه المدرسين. اما المدرسين فأغلبهم كانوا يحضرون الى الصفوف ليثبتوا وجودهم دون أي تدريس حقيقي ومفيد للطلاب. طبعا مع وجود استثناءات لمدرسين نموذجيين مازالوا عالقين في ذاكرة غيث ويذكرهم بالخير دوما.
انعكس الواقع التعليمي السيئ هذا على سوء نتائج غيث. مما اضطر والد غيث ان يتفرغ له وقتا طويلا لاعادة تدريسه في البيت اغلب المواد في الصف التاسع. حتى ينجح ويحصل على علامات تؤمن له الدخول في التدريس العام وليس فرع الصناعة. ليبقى أفقه المستقبلي مفتوحا بعد حصوله على الشهادة الثانوية.
لم يتغير واقع المدارس سواء خاصة أو تابعة للدولة في مرحلة الدراسة الثانوية. سواء بسوء التدريس والإدارة واهتمام الطلاب. المتروكين يتصرفون دون محاسبة أو ردع. بحيث كانوا يعيشون أجواء صراع شباب سن المراهقة. وكانوا يتنمرون على المدرسين والمدرسات. وزاد الطين بلة اندماج غيث مع شلّة من الاصدقاء الغير مهتمين في التحصيل العلمي، فكانوا يقضون وقتهم هاربين خارج المدرسة أو خارج الصف. كانوا يغطون غيابهم برشاوي للموجّه والمدرسين. انعكس ذلك على غيث بنجاح في أولى سنة بكالوريا لا يستطيع خلاله الدخول في الفرع الذي يحبه، مما جعله يعيد دراسته سنة أخرى، نجح بها ودخل فرع الصحافة واستطاع الحصول على البكالوريوس في جامعات في سوريا…
درس غيث في مدرستين واحدة حكومية واخرى خاصة. حيث كانت قد ضعفت القوة المادية للعائلة…
يتحدث غيث في ثنايا التعليم المدرسي خاصة في نهاية المرحلة الإعدادية والثانوية. حيث نضج وعيه واستعاد بذاكرته ما عاشه. لقد كان التدجين منذ الطفولة للطلاب عبر ترديد الشعارات الصباحية. وعبر زرع صور رأس البلاد في كل ركن في المدرسة. وعبر نموذج طلائع البعث في المرحلة الابتدائية. الذي يهدف لزرع حب النظام والبعث والرئيس في عقول الأطفال وعلى ألسنتهم. وعندما انتقل إلى المرحلة الإعدادية كان ينتظره ورقة انتساب إلى اتحاد شبيبة الثورة. وهي موقع تدجين مكمل لمرحلة الطلائع. لم يكن للطالب رأي حول ذلك . عليه القبول والالتزام. وعند المرحلة الثانوية اعطوه طلب انتساب حزبي. لم يعرف هل يقبل أم يرفض. كان غيث قد بدأ ينضج وعيه. ويدرك من المحيطين به عائليا واغلبهم شيوعيين منتسبين لأحزاب الجبهة التي تعمل تحت رضى النظام. او من القريبين من الشيوعيين المعارضين المكتب السياسي و رابطة العمل الشيوعي. استشار والده حيث تنصل والده من إعطاء رأي. لقد كان يخاف من الاعتقال بعد أن اعتقل الكثير من أصدقائه. لقد قرر غيث أن لا يدخل حزب البعث وأخبر الموجّه بذلك. لكن الموجّه احضره لغرفته. بالترهيب والترغيب جعله ينتسب للبعث رغما عنه.
لم يكن هناك أي ضابط يجعل الادارة تدخل لضبط الطلبة إلا ما يتعلق بالسلطة بخلفيتها الطائفية العلوية والعسكرية. حيث تم استدعاء غيث وآخرين وتهديدهم باستدعاء المخابرات إلى المدرسة لحل صراعاتهم. المخابرات كانت البعبع الذي يهابه كل السوريين. والسبب أن أحد الطلبة شتم زميله وأباه في الحرس الجمهوري.؟!! …
لا بد من التحدث عن دخول غيث سن المراهقة واكتشاف حاجته للحب وكيف عاش تجارب متدرجة. من حب عن بعد إلى حب مع قُبل . وكلها لم تستمر مع تغيرات متابعته الدراسية…
رويدا رويدا أدرك غيث أغلب ما حصل من واقع سياسي في سوريا عبر سنوات حكم البعث الذي استمر لعقود. فقد عاصر غيث في سنته البكالوريا الأولى السنة الأخيرة لحكم الاسد الاب. ثم في السنة الثانية بكالوريا عاصر استلام الاسد الابن للحكم في سوريا عام ٢٠٠٠م وكيف تم تنزيل سن الرئيس في الدستور من ٤٠ سنة إلى ٣٤ سنة حتى يناسب سن الأسد الابن الذي أصبح رئيسا وقائدا للجيش وأمينا عاما لحزب البعث في لحظة واحدة. هكذا أدرك غيث واقع النظام الاستبدادي السوري في عملية توريث رغما عن الشعب ودون الرجوع إليه…
عايش وشارك غيث الحراك الديمقراطي في سنوات ربيع دمشق بعد عام ٢٠٠٠م واستلام الأسد الابن السلطة ووعوده بالتغيير الديمقراطي التي سرعان ما تبين زيفها. وتم إلغاء الهامش الديمقراطي وأغلقت المنتديات واعتقل الكثير من الناشطين…
تنتهي يوميات غيث وهو يعدنا بكتابات قادمة اخبرنا انه كان قد اعتقل وأنه سيتحدث عن ذلك…
ينهي غيث كتاب يومياته أنه جاء إلى تركيا بعد الثورة السورية وأنه درس فيها ماجستير في الصحافة والإعلام. وأنه يعد لرسالة الدكتوراه…
بالتوفيق ان شاء الله…
بالتعقيب على اليوميات اقول :
إن حال التلميذ والطالب الذي تحدث عنه غيث حمّور في سورية في عقود سيطرة الاسد الاب والابن هي ذاتها مع تغير بمحتوى الحالة الشخصية المعاشة عند كل من دخل التعليم في سورية. وحتى ورغم عدم ذكر الدراسة الجامعية وتدجين الطلاب بها عبر الاتحاد الوطني للطلبة. كجهاز سيطرة واستخبار وفساد ومصالح وتنمر وجد في كل الجامعات السورية.
إن واقع التدجين للطلبة منذ المرحلة الابتدائية بطلائع البعث ثم الإعدادية والثانوية شبيبة الثورة وحزب البعث واتحاد الطلبة في الجامعة. لخلق جيل ذليل مستكين يساق كالخراف الى المذبح برضى كامل، وهذا يعني قبول كل ما يعيشه السوري في بلاده ومن النظام الظالم كقدر لا راد له ولا مجال للاعتراض ، ان الحساب قاسي ومؤلم . كان يظهر ذلك أيضا في مراكز الدولة الاخرى الوظائف والمعامل والمسيرات المليونية التي يقررها النظام ويقاد الناس كقطيع إلى الساحات يهتفون لظالمهم يسبحون بحمده ويدعون له…
لكن ذلك لم يكن يلغي نزعة الحرية والكرامة واسترجاع الحقوق وتحقيق العدالة والمساواة والمطالبة بالديمقراطية والحياة الأفضل لكل السوريين ومن قبلهم جميعا. لذلك تفجرت ثورة السوريين في ربيع عام ٢٠١١م بعد عقود من الظلم والاستبداد والفساد والتدجين. خرج الشعب الى الساحات يطالب بحقوقه كاملة ومنتصرا لانسانيته المسلوبة…
هل نجحنا نحن السوريين في ثورتنا ..؟!.