غازي حسين العلي روائي سوري متميز. له العديد من الروايات…
روايته مرسيدس سوداء لا تخطئها عين – كوميديا وطنية – أول عمل روائي أقرأه له. وهي الرواية الحاصلة على جائزة كتارا لعام ٢٠٢٠م…
يأتي السرد في الرواية على لسان الراوي، وهي تتحدث عن واقعة محددة في بلدة من بلدات سورية الكثيرة، في زمان يظهر وكأنه معاصر لزمن الثورة السورية…
طالب ما في المرحلة الإعدادية في تلك المدرسة يجيب معلمه عن سؤال موجه له عن حلم رآه، فكان جوابه : أنه رأى في نومه جموعا من الناس يخرجون في الشارع يهتفون “الشعب يريد اسقاط النظام”. ومن تلك اللحظة التي لفظ بها ذلك الطالب تلك الجملة، تحولت الى كتلة نار تحرق كل من يسمعها ويتداولها…
في أسلوب السرد معتمدا السخرية المرّة يتم متابعة الكارثة التي حلم بها الطالب والتي حكاها أمام زملائه ومدرّسه. الذي لم يستطع تحمل هول هذه الجملة التي قضّت مضجعه وحولته الى انسان مهموم خائف ولا يعرف كيف يتصرف. انه بعثي ملتزم وليس عليه اي شبهة امنية، لكن ما قاله الطالب وما سمعه الاستاذ يؤدي به في الف داهية. لذلك سرعان ما سارع الى نقل المعلومة المؤذية ” الشعب يريد اسقاط النظام” الى مدير مدرسته مع نسيان انها حلم، بل نقلها كواقع شارك به ذلك الطالب المشاغب. لقد فعلت المعلومة ذات الفعل التدميري في نفسية مدير المدرسة. ولأنه حزبي وملتزم وقد حصل على مكتسبات كثيرة من فساده الحزبي. فقد كان لزاما عليه أن يخبر المسؤولين عنه بالموضوع، قبل أن يتحول لكارثة تطيح به والمدرس والطالب. توجه الى مدير التربية. المسؤول الحزبي ايضا. والفاسد والواصل الى السلطات الأمنية المختصة. انه مخبر ، بالطبع كل متكسب من النظام هو مخبر بدرجة ما. لقد أخبر مدير المدرسة مدير التربية بعد انتظار وتسويف، هدّ هذا الخبر مدير التربية و جعله يخاف على نفسه ومستقبله ومكتسباته واحتمال محاسبته على فساده، إن هو تهاون مع هذا الخبر الكارثة، فكان الحل أن يخبر وزير التربية. وبالفعل وصل إلى الوزير المتنفذ والواصل الى الاجهزة الامنية. وصاحب العلاقة المباشرة مع الرئيس، لقد أصابه ما أصاب مرؤوسيه. الخوف والجزع وهكذا سارع الى طلب مقابلة الرئيس شخصيا، ليخبره الخبر الكارثة…
تعاملت الأجهزة الأمنية مع الخبر بحس البحث والاستقصاء. فقد تواصلت مع الطالب ذاته بالمباشر. واصطفته على أنه طالب شاطر ومتميز وبشّرته بحصوله على مكرمة لقائه بالرئيس. وهكذا دعي الطالب الى مؤسسة الرئاسة وهناك حققت معه لجنة أمنية عالية المسؤولية، وتبين أن الطالب يحب الرئيس وبلده وهو سعيد بلقاء الرئيس، وأن كل ما أشيع عنه وعن مشاركته في مظاهرات تطالب بإسقاط النظام مجرد وهم…
انتهت المشكلة الزوبعة التي بدأت من حلم ذلك الطالب وأودت بمدرّسه ومدير مدرسته ومدير التربية والوزير، بصحتهم وحياتهم ومناصبهم .
تنتهي الرواية بإشاعة أخبار تقول عن معاملة الرئيس وعائلته للطالب وكأنه واحد من أسرتهم. حيث يحتفظون به لمدة شهر ليعيدوا تأهيله وطنيا ؟!!…
أما المدرس والمدير ومدير التربية والوزير. فكلهم أصيبوا بأجسادهم ونفسياتهم وأصبحوا أثرا بعد عين…
في التعقيب على الرواية اقول:
تأسرنا في الرواية من بدايتها تلك السخرية المرّة في سرد واقع ابطال الرواية المدرس والمدير ومديره والوزير… أولئك الأشخاص الانتهازيين المصلحيّين. المسكونين في رعب المقهورين وخوفهم من الحاكم المتسلط. بحيث أصبحت حياتهم كلهم في حال مأساوية. طبعا قبل المحاسبة وخوفا منها…
إنها صورة المجتمع السوري صبيحة الثورة السورية. حيث يعيش الشعب في ظروف قمع وفساد واستبداد وخوف يجعلهم مستكينين لواقع الظلم الذي وقع عليهم عبر عقود، ولأن خوفهم لم يكن يأتي من فراغ. فحال القمع السياسي والمجتمعي حاصل ومعاش. وان البعض ارتأى أن يكون من أدوات النظام وسلك طريق الانتهازية وخدمة النظام والتطبيل والتزمير له.
لكن الخوف من الربيع العربي وأن يصل الى سورية من النظام و منتفعيه وأركانه الأمنية والعسكرية. جعله يعمل ليواجه الحراك الشعبي الذي فجره اطفال درعا ربيع عام ٢٠١١م، المطالبين بإسقاط النظام. بأقسى عنف ووحشية لم يشهدها شعب من حكّامه عبر التاريخ…
الرواية تمر على خوف السوريين المرضى من وحشية النظام…
لكن وحشية النظام فاقت ما تخوفت منه الرواية مرات كثيرة…
لقد ضحى النظام بالشعب كله على مذبح مصالحه السلطوية. قتل حوالي المليون وسجن مثلهم وأصاب واعطب مثلهم وشرد نصف الشعب ١٣ مليون خارج وداخل سورية. وهدم أغلب المدن والبلدات السورية. واستدعى روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الطائفية، لحماية وجوده ومصالحه، الذين قاموا بدور وحشي بحق الشعب السوري. لقد جعل النظام المستبد الوحشي سورية بلدا محتلا من امريكا وروسيا وايران… هذا غير اعادة دعمه لحزب العمال الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية وال ب ي د وحدات حماية الشعب الكردية، الذين سيطروا على شرق الفرات وشكلها شبه دولة انفصالية في سورية برعاية امريكية…
هكذا تحرك الشعب السوري وثورته. وهكذا هدر النظام الوحشي حياة السوريين واستباح وطنهم لكل الأعداء…كل ذلك تستدعيه الرواية التي بين أيدينا…
رواية “مرسيدس سوداء لا تخطئها عين” – كوميديا وطنية –للروائي السوري “غازي حسين العلي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية حاصلة على جائزة كتارا لعام ٢٠٢٠م، الرواية تتحدث عن واقعة محددة في بلدة سورية في زمان يظهر وكأنه معاصر لزمن الثورة السورية .