سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز آل سعود؛ هو حفيد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة، وابن الملك الثاني للسعودية سعود بن عبد العزيز.
رواية قلب من بنقلان؛ هي أقرب لسيرة ذاتية وتاريخية منها لتكون رواية بالمعنى الحقيقي للرواية، فهي تتحدث عن واقع ووقائع، ولو أنه يسردها كما يريد ككاتب، حدود الخيال الروائي محدود، ولكن ذلك لا يؤثر على النص كموضوع أو أسلوب كتابة أو مسار.
الكاتب يتحدث عن قصة والدته مريم البلوشية التي اختطفت، واستعبدت، ومن ثم تحولت لجارية عند ولي العهد سعود بن عبدالعزيز، الذي سيصبح بعد ذلك ملكا، وعلى هامش السيرة الذاتية للأم، هناك متابعات للشأن السياسي للمملكة السعودية، التشكيل وحكم الملك عبد العزيز، وبعده ابنه سعود ، وصراعات السلطة، وتفاعلات الوضع الدولي والإقليمي، ومن ثم عزل الملك سعود، ونهايته في بلاد الاغتراب، وانعكاس ذلك على عائلته. في النص قراءة خاصة بالكاتب للأحداث وتقييم نقدي ومحاولات كشف وتبرير وإنصاف و نصائح للمستقبل.
يبدأ النص من قصة حياة مريم البلوشية ام سعود كاتب الرواية، فهي من أصل يمني تعود لجد بعيد قدم إلى أرض بلوشستان في بلاد فارس، واستقر هناك وصنع له عائلة وسلالة، مريم ابنة في أسرة من اشراف البلوش، فتاة عمرها حوالي اثني عشر سنة ، لها إخوة ذكور لا يحبونها ويرونها عبء عليهم، والدتها مريضة مرض الموت، مريم الصغيرة تخاف على نفسها من ظلم اخوتها بعد موت والدتها ، الوالدة تموت وتفكر مريم ان تهرب الى عمتها التي تقطن في مدينة أخرى لتحتمي بها، وتفعل ذلك هي وإحدى خدم البيت ، وعلى الطريق تلتقطهم إحدى عصابات خطف البشر واستعبادهم، زمن الحدث في خمسينيات القرن الماضي، حيث كان ما يزال هناك سوق رائجة للعبيد والاستعباد، من يستعبدها يعرفها، وكان قد فكر مسبقا يخطبها واستعبادها وبيعها، انتقاما من ظلم والدها الذي وقع عليه وعلى عائلته ايام كانوا يعملون عنده في أراضيه. مريم التي هربت من ظلم اخوتها وقعت في ظلم من استعبدها، ودخلت في رحلة الانتقال من بلادها إلى سوق البيع في إمارات الخليج، والمملكة السعودية حديثة النشأة. العبودية التي كانت في نهايتها في حياة البشر، حيث منع الأوروبيون حملات استعباد الافارقة، لذلك كانت سوق الاستعباد وبيع البشر رائجة في محيط إيران والخليج العربي، والنص يتحدث عن بيع بعض الآباء لبناتهم لعجزهم عن الوفاء بحاجاتهم الحياتية او لخوفهم عليهم، لذلك ستلتقي مريم في رحلة استعبادها، بالكثير من هؤلاء من أصول عربية وغير عربية، ستعرف مريم بكونها من أشراف البلوش وصغيرة بالسن وجميلة، وبالتالي هي “سلعة” مميزة وغالية السعر، ستصل متنقلة من ميناء إلى ميناء، للخليج العربي، لتصل إلى سلطنة عمان، ومن هناك تنتقل الى إمارات الداخل السعودي، يتحفنا الكاتب بمعلومات عن السعودية وأقاليمها و كيفية توحيدها على يد المؤسس الملك عبد العزيز، ومحاولته الثالثة بعد أجداده تشكيل الكيان السعودي ، الذي نجح لتوافر أسبابا عديدة، منها خصوصية عبد العزيز وطموح المتميز، وكذلك قدرته على تأليف قلوب القبائل حوله، ووجود ظرف دولي مناسب لذلك ، حيث بداية البحث عن النفط ، واهتمام الغرب بالجزيرة العربية واحتمال وجود النفط بها، حيث اهتمت بريطانيا بإمارات الخليج، وتعاونت معها واحتلتها في نفس الوقت، واهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بداخل الجزيرة العربية ، واتفقت مع عبد العزيز و آزرته ، قدمت له الدعم الكافي ، الذي جعله يسيطر على الجزيرة العربية، التي سميت بعد ذلك باسم العائلة الحاكمة. هذه الصحراء الممتدة القاحلة قليلة الرزق، الذي يعيش ناسها على ما تجود به الطبيعة – على قلته – ، وعلى الغزو المتبادل، فمن أجل الحياة ولقمة العيش كل شيء مباح في عالم الصحراء، إلى أن جاء عبد العزيز آل سعود، جمعهم بالسيف في وقت مناسب، وحافظ على ولائهم بالعطايا التي كانت ممكنة من ريع النفط الذي بدأ يتدفق في السعودية من ثلاثينيات القرن الماضي للان. مريم البلوشية ستنتقل من يد حاكم ليد آخر لتكون الهدية الافضل والأجمل، وتحط رحالها بين يدي سعود آل سعود، ولي عهد الملك عبد العزيز، مريم التي لم تستوعب استعبادها، ولم تتقبله، فهي الفتاة المسلمة ومن أصول شريفة ولا موجب لاستعبادها، تبقى طول الوقت رافضة واقعها الجديد، لكنها مستسلمة له، فلا حل عندها. أما مالكها الجديد فهو شاب مقبل على الحياة ، لديه أربع زوجات شرعيات، وعنده العشرات من الإماء (العبدات) ، ومريم منهم، يقبلها كهدية من أحد حكام المناطق التابعة لهم، يعجب بجمالها، واختلاط اللغة عندها بين العربية والبلوشية، وسيدخل عليها ، حيث لها ولغيرها دور محسوب لّلقاء الجنسي عند مالكها سعود ، وحيث ينتظر أن تحمل منه، فمن تنجب تحظى بحقها ان تخرج من العبودية، لكونها “أم ولد” ، ومن لا تنجب تتحول لخدمة المالك أو محظية عند احد الاعوان، مريم تقبل واقعها، ويغير الأمير سعود اسمها، ويصبح نائلة، وتحمل منه وتنجب له طفلة جميلة، وتحصل على صك إلغاء عبوديتها، لكنها تبقى محظيته، وتموت الطفلة، ثم تنجب له ابنها الأول مقرن، ثم ابنها الثاني سيف الإسلام. كل ذلك يحصل وهي أصبحت جزء من حريم ولي العهد الذي سيصبح بعد فترة الملك، بعد وفاة الملك عبد العزيز، سنعرف الأوضاع الداخلية السعودية والإقليمية والدولية، سعود الابن الأكبر للملك عبد العزيز، ومنافسة اخوة الأمير فيصل، وصراعات النساء في قصر الملك عبد العزيز، الذي اعتمد في تأليف قلوب القبائل معه على الزواج من بنات رؤسائهم ، وكان عنده العديد من الزوجات ومن الأبناء. سعود كان أقرب لحياة المتعة ، كان أقرب لما كان يعرف في ذلك الوقت لتحركات التغيير النوعي في المجتمع السعودي، كان يحترم عبد الناصر ويختلف معه، كان يتفهم حراك الأمراء الاحرار، الذين كانوا أقرب للمطالبة بملكية دستورية في السعودية، وكان مع رفع الهيمنة الأمريكية عن النفط السعودي، ووضع وزيرا للنفط تصرف بطريقة أخافت أمريكا فعملت لازاحة الوزير، وانتصرت لولي العهد فيصل في صراعه مع الملك سعود، ويضاف إلى ذلك اسلوب إدارة الملك سعود للحكم، فقد كان ينصب صاحب الولاء وليس صاحب الكفاءة، واستبعد القوى الفاعلة في العائلة المالكة السعودية، واعتمد على شباب جاهل ومغامر، كل ذلك جعله عند نشوب الصراع مع ولي عهده فيصل، يظهر وحيدا ويهزم ، وينحّى عن الحكم، ويصبح فيصل ملكا، كان ضعيفا ولم يدرك الأجواء السياسية ورياحها. أما حياة مريم في الحرم الملكي فلم تكن أكثر من صراع النساء الكثر للوصول لحظوة الملك سعود، فالنساء أكثر من أن يحصين، والأولاد ذكورا واناث يصلون لحوالي المئة، مريم كانت تكره عالم الوصال الجسدي، فهي متشبعة باحساسها بكونها مستباحة جسديا كعبدة، لذلك لم تكن تتورط بصراع النساء على رجل واحد، انكسرت نفسيا بوفاة ابنتها وهي طفله، واستعاضت عنها بولدها الأول مقرن والثاني سيف الإسلام، لكن مقرن سيموت شابا في الثلاثين، بعد تجربة حب فاشل وإحساس بالإهانة مما عاش والده وأبناءه بعده، ويكبر سيف الإسلام الذي ولد في سنة ١٩٥٦ أيام العدوان الثلاثي على مصر، وسمي على اسم حاكم اليمن وقتها، والذي قرر أن يصنع لنفسه شخصيته المتميزة، تابع دراسته وحصل على الدكتوراه، وها هو يجلس مع والدته في عام ٢٠٠٠، تسرد عليه حكايتها وحكاية زوجها سعود، وحكاية العائلة المالكة. سيتوسع الكاتب في سرد حكاية والدة وفشله في الحكم، وكيفية إقالته، ومغادرته لاوربا وانتقاله بين عواصمها، وعلاقته الجيدة مع جمال عبد الناصر، والكاتب يعيش صراعا في ذاته بين تفهم والده وسلوكه، وبين كون الصراع بين عبد الناصر والسعودية كان على أشدّه، حيث لم يخف العداء إلا بعد هزيمة ١٩٦٧، حيث توافقت السعودية ومصر عبد الناصر على دعمها من السعودية ماديا، وكان الثمن إيقاف حملات العداء المتبادل، وتحجيم دور وعدم دعم الملك سعود المعزول، وتركه الى قدره، حيث يموت في عام ١٩٦٩. لا يخفي الكاتب نقده للحكم السعودي لكونه ظلم والده، ولا يخفي نقده لوالده، ويظهر عداؤه للمد الثوري العربي متمثلا بعبد الناصر، ويعتبرها مجرد متاجرة بالشعارات، وأن واقع الحال، استبدال حكام بحكام و فساد بفساد، والمحصلة هزائم امام (اسرائيل) ، ونقد للحكم السعودي ولو كان ناعما، وخاصة اتجاه أولاد الملك المعزول سعود نفسه، ونقد للاولاد أنفسهم، ومطالبته لهم محاولة لم شملهم في حييهم الخاص بهم في الرياض “الناصرية”، واعادة العناية به ، واعادة لم شملهم مع بعضهم.
تنتهي الرواية بخاتمة غير تقليدية، حيث يبرر كتابة روايته، ويبرر الكشف الذي قدمه، وأن إخفاء التاريخ لا ينفع، بل يضر، وقدم نصائح للحكام في العائلة المالكة، وتمنى عليهم عدم منع الرواية من التداول في السعودية ، لكن الرواية بحدود علمي منعت هناك من النشر.
في التعليق على الرواية نقول: نحن أمام نص مميز ، فهو تأريخ لماض العبودية الذي لم يمنع رسميا في السعودية الا سنة ١٩٦٤، على يد الملك سعود نفسه، العبودية بما هي امتهان لإنسانية الإنسان وتحويله إلى سلعة. وكشف لمرحلة تاريخية أيام تأسيس المملكة السعودية، حيث تحتاج تلك المرحلة لمزيد من الكشف والتنوير، دور الغرب وأمريكا بشكل أساسي في وجود المملكة وتوسعها، واستخراج النفط وتصريفه ، ودور السعودية التابع للسياسة الامريكية على طول الخط، لعشرات السنين، وكون الرواية لم تنصف تلك المرحلة والمد التحرري العروبي ، آنذاك متمثلا بعد الناصر، وكونه كان يتأرجح بين والده الأقرب لعبد الناصر، وعائلته الحاكمة المعادية له، وكونه مازال ينتمي لها، رغم تحفظاته عليها.
الرواية في النهاية شهادة على عصر ومرحلة من أحد أفراد العائلة المالكة السعودية، بغض النظر عن رأينا ، ولو انها لبست عباءة العبدة مريم البلوشية التي سيكون زوجها الملك سعود ، بما حصل معه وما له وما عليه.
.هنا ميزة الرواية وتميزها.
…٢٦/٣/٢٠١٨…
رواية “قلب من بنقلان” للكاتب السعودي “سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز آل سعود” وهو حفيد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة، وابن الملك الثاني للسعودية سعود بن عبد العزيز، قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية سيرة ذاتية تتحدث عن واقع ووقائع لحياة مريم البلوشية ام سعود كاتب الرواية ذات الأصل اليمني لجد قدم إلى بلاد فارس .