قراءة في رواية: رغوة سوداء

أحمد العربي

حجي جابر روائي ارتيري متميز، قرأت له سمراوايت و مرسى فاطمة، وكتبت عنهم.

رغوة سوداء رواية تتابع موضوع هجرة اليهود الفلاشا إلى (اسرائيل) التي اكتملت عام ٢٠١٣م. متابعة حياة شاب ارتيري اندس بين اليهود الفلاشا بالرشوة، وذهب الى (اسرائيل) وما عاناه وعايشه هناك…

تعتمد الرواية أسلوب المتكلم على لسان بطلها متعدد الاسماء حسب حاله واحتياجه، فاسمه الاول ألكال الذي ولد معه في جبال الكال حيث كان ابن علاقة جنس بين مقاتل ومقاتلة إريتريين ايام حرب الاستقلال ضد الاحتلال الإثيوبي، ثم أصبح اسمه داود عندما قرر أن يغادر تلك البلاد بعد التحرير، وأصبح داويت عندما قرر أن يلتحق باليهود الفلاشا وداخل اسرائيل. تتحرك الرواية كل الوقت في الزمن الحاضر حيث يسرد علينا بطلها ما عاشه بتداخل مؤثر بين الواقعي والوجداني والنفسي وما تختزنه ذاكرته. كما بيّن أحداث حياته التي امتدت لعقود من طفولته حتى استقراره في (اسرائيل).

 ولد داود في جبال الكال الارترية نتاج علاقة جنسية بين مقاتل ومقاتلة إريتريين أيام الثورة ضد المحتل الإثيوبي، وأصبح من “ثمار الثورة” كما كانوا يسمون هو وأمثاله، لم يعرف أمّا محددة له، فقد كان ينتقل بين النساء المرضعات، وكبر داخل معسكر يضم مقاتلين ومقاتلات. كبر الكال واصبح مقاتلا ولكنه لم يكن يقبل هذه الحياة. كان مجبورا على كل ما عاشه ويعيشه. لقد أصبح جزء من جيش الثورة بعد تحرير اريتريا، كان يعتمد على ولائه وأمثاله من “ثمار الثورة” فهم لا انتماء لهم إلا للدولة والثورة، لا قبيلة ولا عائلة لهم، يعيش في أسمرا، اكتشف أنه لا يحمل أي صفة انسانية سوى انه مقاتل، يعيش في معسكر أشبه بسجن يخرج بتوقيت ويعود بتوقيت ويمارس حياته تحت المراقبة والمحاسبة. حاول ان يعيش حالة حب مع فتاة تعرّف عليها ايام اعياد الاستقلال، تغيّب عن معسكره، عوقب بالسجن الانفرادي لأيام، عاش حياة قاسية، اتخذ قرارا بالهروب من المعسكر، ومن اريتريا ايضا. عوقب مرة اخرى بالنقل الى الوادي الأزرق، السجن الأسوأ كمركز عقوبة؛ الداخل مفقود والخارج مولود. عاش هناك في ظروف تعذيب وقهر وإذلال، مما زداد إصراره على الهرب وتغيير مصيره. استطاع اخيرا الهرب الى اثيوبيا المجاورة، وهناك علم بأن (اسرائيل) تُحضر يهود الفلاشا الإثيوبيين إليها. تمسّك الكال بهذه الفرصة، وبدأ يفكر كيف يؤمن مبلغ الرشوة ليكون من يهود الفلاشا ويذهب إلى (اسرائيل). تعرف على صاحبة مطعم أقنعها أن تساعده بعدما ساهم بإطفاء حريق في مطعمها، كان هو قد أشغله هو. وحصل على المبلغ ورحّل إلى (اسرائيل) وهناك تعرف على أمثاله وبدأ حياة جديدة.

 لم تكن (اسرائيل) الجنّة الموعودة، فقد اكتشف انه يعامل بتمييز وعنصرية، ينادونه يا عبد، يعيش في مستعمرات منعزلا مع امثاله، حياة قاسية، هناك يحاولون إعادة تأهيلهم دينيا ومجتمعيا للتأقلم في العيش داخل (اسرائيل)، بحث عن أمثاله فوجد مجتمعا افريقيا كبيرا داخل الدولة. هناك الكثير ممن دخل عن طريق التهريب و اجتياز الحدود خاصة من سيناء، عايش كيف يعاملون الافارقة بدونية، ويخضعون لاستجواب، وقد يرحّلون ثانية الى بلدانهم، أو يستمرون بالعيش هناك بشروط غير انسانية وغير قانونية. تعرّف على العالم السفلي للافارقة في تل ابيب حيث كان وصوله وكان عيشه في (إسرائيل)، مثل دور الدعارة والمرابع الليلية، هناك تناول سجائر الحشيش اول مرة. وهناك أيضا اكتشف انه مازال يعيش حالة تمييز وإنكار حقوقه، لذلك تقدم الى مفوضية اللاجئين الدولية لعله يحظى بالانتقال الى دولة اوروبية، تحدث عن حياته ومعاناته بكل دقة من ولادته حتى التحاقه ب الفلاشا، كان المفوض المسؤول يتابعه باندهاش، لكنه أنهى المقابلة بتوصية أن تُحسّن ظروف حياته، لكن الهجرة غير متاحة له. عاد صاحبنا لليأس مجددا.

اخذته – مع آخرين الإدارة – المسؤولة عنه إلى القدس لزيارة معالمها بكونه من يهود الفلاشا، وهناك زار حائط المبكى ومثّل تأثره وترك ورقة فارغة وأمنياته مذيلة بطلب النجاة فقط، كما ذهبوا الى المسجد الاقصى وقبة الصخرة، وكنيسة القيامة. شاهد ما سُمح لهم بمشاهدته. لم يكتفي عاد مرة أخرى، دون اظهار انه من يهود الفلاشا، كما يوجد في وثائقه الرسمية. دخل إلى كنيسة القيامة وكذلك قبة الصخرة والمسجد الاقصى، واكتشف انه لا يعرف ما دينه، عاش مشاعر وجدانية عميقة وأنه بحاجة إيمان ويقين، خرج ممتلئا بهذا الايمان الذي لم يدرك كنهه. تجول في القدس القديمة، تعرف على فتاة تعمل على دراسة الدافع الجنسي عند الافارقة القادمين الى (اسرائيل)، عمل معها، احبها وفكر بها كثيرا، لكنه لم يكن بالنسبة لها إلا موضوعا لبحثها العلمي، تركته عندما انتهى بحثها. تعرف في القدس القديمة على افارقة موجودين فيها منذ عقود طويلة، البعض جاء لزيارة بيت المقدس واستقر، والبعض مع الجيوش المختلفة التي جاءت لفلسطين منذ القديم و كان من جنودها افارقة، والبعض للتجارة، وكلهم استقروا وصنعوا مجتمعا متماسكا داخل القدس، هذا غير الافارقة الذين تعرف عليهم في تل ابيب وهم جاؤوا جراء موجات التسلل هروبا من بلدانهم ليصنعون عالما بائسا في قاع المجتمع (الاسرائيلي).

 لم يقتنع الكال أو داود أو اوديت بحياته جزء من يهود الفلاشا فقرر أن يهرب خارجهم ويجد حياته في القدس القديمة حيث الأحياء العربية، وهناك تعرف على تاجر من أصل  إثيوبي، يعتبر من أهل فلسطين ويتكلم العربية، تعاطف معه وجعله يعمل معه، اسكنه عنده الى أن يحصل على المال و يتمكن من العيش منفردا أو مع آخرين. لكنه يقع ضحية اثناء مطاردة بين الشرطة واحد الافارقة المطلوب لهم، يطلقون على ذلك النار ويصيبون داود بالخطأ ويردونه قتيلا. لا أحد يهتم به، أنه مجرد لاجئ قُتل …

هنا تنتهي الرواية…

وفي تحليلها نقول:

نحن أمام رواية رائعة لحجي جابر، تجعلنا نغوص في واقع مجهول بالنسبة لنا. إريتريا قبل الاستقلال وحربها مع إثيوبيا، وبعد الاستقلال، المظلومية المجتمعية، واقع الأفارقة عموما في حياة أقرب للجحيم تدفعهم للهجرة ودفع اثمان من حياتهم لعلهم يجدون بديلا أفضل انسانيا لهم.

 إننا أمام مأساة الإنسان الإفريقي، حيث يفتقد حس الانتماء، المظلومية المجتمعية، من النظم المستبدة الظالمة، والتمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، لا فرص حياة ولا حرية ولا كرامة ولا عدالة، لذلك نجد الافريقي يغامر بحياته دوما ليغادر الى بلاد لعله يحظى بحق الحياة والكرامة والعدل والانسانية.

 كما تتناول الرواية واقع حياتهم في قاع الكيان الصهيوني، فقر، فاقة، مخدرات، وجرائم منظمة. واقع الكيان الصهيوني، والتمييز العنصري تجاه اليهود بين بعضهم. واتجاه العرب أهل فلسطين الأصليين. كذلك واقع عرب فلسطين في القدس الشريف وتمسكهم بجذورهم ومحاربتهم كل أشكال الإلغاء والتهميش. وهذا ما زلنا نعاصره للآن في عام ٢٠٢١م حيث يحارب اهل حي الشيخ جراح وغيره محاولة تهويد القدس وسرقة ممتلكاتهم…

نحن أمام رواية متميزة مهمة تراكم إنجازات حجي جابر الروائية…

١٧/٨/٢٠٢١م.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “رغوة سوداء” للروائي الأرتيري “حجي جابر” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتابع موضوع هجرة اليهود الفلاشا إلى (دويلة الكيان الصه.يوني) التي اكتملت عام ٢٠١٣م. متابعة حياة شاب ارتيري اندس بين الي.هود الفلاشا بالرشوة، وذهب الى (دويلة الكيان الصه.يوني) وما عاناه وعايشه هناك…

زر الذهاب إلى الأعلى