ما أن تم الإعلان عن تدشين اتحاد القبائل العربية في مصر، من محافظة شمال سيناء، حتى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات، تعكس مخاوف بشأن إمكانية أن يكون الكيان بمثابة “ميليشيا”، أو أن يتحول رئيسه، رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، إلى نسخة من قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
لكن سرعان ما خرج مصطفى بكري، المتحدث باسم الاتحاد، البرلماني السابق الداعم القوي للرئيس عبد الفتاح السيسي، وبدد كل هذه المخاوف، قائلا إن التكتل عبارة عن “جمعية أهلية” لا علاقة لها باتحاد قبائل سيناء الذي قاتل مع الجيش وتعاون معه خلال المعارك ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء.
واعتبر المحلل السياسي عمرو الشوبكي، في حديثه لموقع الحرة، أن تلك المخاوف “مشروعة”، معتبرا أنه “يجب أن تعمل الحكومة على تبديدها”، مشيرا إلى إسراع الاتحاد نفسه بالتأكيد على أن “مصر قائمة على فكرة الدولة الوطنية ولا تقبل وجود كيانات موازية”.
وجرى الإعلان عن إطلاق اتحاد القبائل العربية، خلال مؤتمر جماهيري بقرية العجرة، جنوبي رفح في شمال سيناء، الأربعاء.
وجاء في بيان للاتحاد، أنه يهدف إلى “خلق إطار شعبي وطني يضم أبناء القبائل العربية لتوحيد الصف وإدماج كافة الكيانات القبلية في إطار واحد، دعما لثوابت الدولة الوطنية ومواجهة التحديات التي تهدد أمنها واستقرارها، إلى جانب السعي الدؤوب لتبنى القضايا الوطنية والتواصل مع جميع القبائل العربية للوصول إلى قواسم مشتركة في إطار الدولة وخدمة لأهدافها، ودعما للرئيس عبد الفتاح السيسي”.
وأكد البيان أن الاتحاد “يعلو في طرحه ورؤيته على جميع الانتماءات الحزبية والأيديولوجية.. ورسالته هي للدولة. توحيد القبائل لا يتعارض مع ثوابت الوطن، ولا يتصادم مع الأحزاب والائتلافات التي يتم مد اليد لها للتعاون والتنسيق المشترك”.
“مقارنات مغرضة”
وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مقارنات بين رجل الأعمال السيناوي، العرجاني، وحميدتي، وعبّر البعض عن مخاوفهم من ظهور “سيناريو حميدتي في مصر”، خاصة أن العرجاني كان رئيسا لاتحاد قبائل سيناء، وتعاون مع قوات الجيش في تحديد مواقع أعضاء التنظيمات الإرهابية في سيناء.
وأشار بعض المغردين على منصة “إكس” إلى ذلك، وكتب أحدهم: “هكذا قيل على الدعم السريع في دارفور، هم يشتغلون (يعملون) مع الجيش والأقدر على دحر التمرد في دارفور، وحاليا هم في الخرطوم والجيش هارب منها”.
لكن الاختلاف واضح بين سبب وكيفية تشكيل الجنجويد التي انبثقت منها قوات الدعم السريع، وبين اتحاد قبائل سيناء الذي تعاون مع الجيش من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء التي نفذت هجمات قوية ضد الجيش والشرطة والمدنيين، في أعقاب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين قبل أكثر من 10 سنوات.
وتشكّل اتحاد قبائل سيناء لدعم القوات المسلحة في مواجهة داعش في سيناء. وفي حوار ظهر فيه العرجاني مع بكري عام 2015، قال: “هناك قبائل في سيناء وهناك داعش.. إما القبائل وإما داعش. حينما غاب رجال القبائل صار للخرفان [داعش] هيبة”، وأوضح أنه “سيتم القضاء على التكفيريين”.
وقال أمين عام حزب المؤتمر في محافظة شمال سيناء، موسى أبو عكيرش، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن مثل هذه المقارنات “مغرضة”، مضيفا: “من يقولون إن اتحاد القبائل العربية مسلح ومثل ميليشيات حميدتي السودان.. كل هذا الكلام ذلك لا وجود له”.
وتابع: “نحن دولة قانون ولسنا في عزبة.. هناك مؤسسات وجيش وشرطة ومخابرات، وكنا في وقت معيّن نساند الجيش بمعلومات على المستوى الأكبر”.
ويحتل الجيش المصري المرتبة رقم 15 عالميًا، وفق موقع “فلوبال فاير باور”، وذلك خلال التصنيف الحالي للموقع لعام 2024.
ويأتي قبله في منطقة الشرق الأوسط كل من تركيا الثامنة وإيران في المرتبة 14.
فيما نشأت ميليشيا الجنجويد، بهدف مواجهة حركة التمرد التي تقودها شخصيات من أصول أفريقية في دارفور، حيث قرر النظام السابق بقيادة عمر البشير، تشكيل المجموعة المسلحة لتضم مقاتلين من العرب، حسب فرانس برس.
واتُهمت الجنجويد بالمسؤولية عما وصفته الحكومة الأميركية بالإبادة الجماعية الأولى في القرن الحادي والعشرين. وأفاد تقرير لمكتب المساءلة الحكومي الأميركي أن “وزارة الخارجية الأميركية ذكرت أن ما مجموعه 98 ألفا إلى 181 ألف شخص لقوا حتفهم في الفترة ما بين مارس 2003 ويناير 2005″، فيما تشير تقديرات إلى مقتل 400 ألف شخص.
وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا عام 2005، وفي أوائل عام 2009 أصبح الرئيس المخلوع البشير أول رئيس دولة تصدر بحقه مذكرة اعتقال. ورغم الملاحقة الدولية أسس الرئيس السوداني في عام 2013 قوات الدعم السريع من رحم الجنجويد، برئاسة دقلو الملقب بحميدتي.
ولدى سؤاله عما إذا كان الكيان الجديد في مصر يعني وجود ميليشيا، قال بكري خلال برنامج “الحكاية” على قناة “إم بي سي مصر”، الجمعة، إن “الدستور والقانون يمنعان تشكيل ميليشيات عسكرية، فكل من يعمل على تشكيلها عرضة للقانون والدستور. أي ميليشيات يتحدثون عنها ونحن نقول إن الكيان هو جمعية أهلية في إطار قانون الجمعيات الأهلية؟”.
من جانبه، اعتبر الشوبكي أن “المخاوف على مواقع التواصل الاجتماعي مشروعة، لأن مصر ليست معتادة على مثل هذا النوع من الاتحادات والجمعيات، خصوصا مع انطلاقها تحت قيادة شخص من منطقة حساسة مثل سيناء، مرت بمشاكل كثيرة”.
وتابع: “من المفترض أن تؤكد الدولة في النهاية أن كل الأمور تتم تحت عباءتها ومؤسساتها، وتعمل على تبديد تلك المخاوف وتخاطب الرأي العام بشفافية”.
وحول المقارنة بالوضع في السودان، قال الشوبكي: “لا أعتقد أن ذلك يحدث في مصر، مهما كان، المسألة بعيدة لأن الآخر (حميدتي) كان جزءا من المؤسسة العسكرية، لكن الوضع في مصر ليس كذلك، لا يمكن مقارنة اتحاد القبائل بالدعم السريع”.
وأوضح أن “مصر والدولة المصرية طالما أكدت أن فيها جيشا وطنيا واحدا.. وأي مظهر سياسي منذ أيام حكم محمد علي إلى الآن قائم على فكرة الدولة الوطنية ومؤسساتها، ولا يقبل بوجود كيانات موازية”.
وبدوره، قال العرجاني خلال كلمته في مؤتمر تدشين الاتحاد، إنه جاء “انطلاقا من مسؤوليتهم الوطنية والاجتماعية، ووعيا وإدراكا بالتحديات التي تواجه الوطن على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وتأكيدا على الدور التاريخي الذي تلعبه القبائل والعائلات في مسيرة هذا الوطن ودعم مؤسساته”.
ويعتبر العرجاني أحد رجال الأعمال المصريين القلائل الحاصلين على ترخيص لتصدير البضائع إلى غزة من مصر، وهو أحد قيادات قبيلة الترابين في سيناء وبات مقربا من الحكومة المصرية وعضو في الجهاز الوطني لتنمية سيناء.
كما ظهر العرجاني في ليبيا، حيث وقّع عقود لأعمال لإعادة الإعمار مع المدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة بلقاسم خليفة حفتر، نجل قائد “الجيش الوطني الليبي” (خليفة حفتر) الذي يسيطر على شرق البلاد وتجمعه علاقات قوية بالقاهرة.
وكان موقع “الحرة” قد كشف في وقت سابق بناء على شهادات لخمسة أشخاص من قطاع غزة يتوزعون ما بين الولايات المتحدة ومصر وألمانيا وتركيا، عملية استغلال تتقاطع جميع خيوطها في مكتب شركة “هلا”، التي يترأس مجلس إدارتها العرجاني أيضًا.
ما هي أوجه الاختلاف؟
كان أبو عكيرش أيضًا أحد أعضاء اتحاد قبائل سيناء الذي يرأسه العرجاني، ضمن حضور حفل تدشين اتحاد القبائل العربية. وقد أكد أن “الكيانين مختلفين تماما، حيث أن الثاني أهدافه سياسية”.
ويشير تعريف اتحاد قبائل سيناء عبر حسابه بمنصة “إكس”، إلى أنه “جبهة قبلية موحدة تضم الغالبية العظمى من قبائل سيناء لمساندة الدولة المصرية في مواجهة التنظيمات المتطرفة ودعم عملية التنمية والتعمير”.
وقال أبو عكيرش للحرة: “اتحاد قبائل سيناء تابع لسيناء فقط، أما اتحاد القبائل العربية يشمل جميع القبائل العربية في مصر من الصعيد والقاهرة والشرقية وبقية المحافظات، والهدف هو جمع تلك القبائل على كلمة واحدة في أي أمور سياسية تخص البلاد (قوتهم حوالي 28 مليون شخص).. ونهدف إلى أن تكون أكبر كيان سياسي وتكتل موجود بالفعل”.
وحول دور اتحاد قبائل سيناء، قال: “القتال هنا انتهى والدولة موجودة.. وكان الاتحاد يتعاون مع القوات المسلحة في القضاء على الإرهاب. الأمور انتهت تماما ولا وجود لمعارك (في سيناء) ولم نكن لنقيم مثل هذا المؤتمر لو أن سيناء ليست آمنة”.
واتفقت هذه التصريحات مع حديث بكري، الذي أكد: “تجربة اتحاد قبائل سيناء مختلفة، فكانت تعمل بالتعاون مع القوات المسلحة والشرطة في سيناء لتحقيق هدف معين، هو تقديم المعلومات عن أماكن الإرهابيين والمساعدة في مواجهتهم. كانت مهمة وطنية قام بها أهالي سيناء خلال فترة العملية العسكرية الشاملة، وانتهى الأمر”.
من جانبه، قال الشوبكي إن الدولة أشارت إلى أن الاتحاد “ليس فصيلا من الجيش، فمصر لديها جيش وطني واحد، لكن من المهم أن تناقش الدولة هذه المخاوف وأن تستمع إليها لأنها مخاوف مخلصة”.
المصدر: الحرة نت
الأنظمة الديكتاتورية المستبدة لا يمكنهم الإستفادة من تجارب الآخرين أو سابقيهم، إستخدام العشائر ليكونوا حماة الدولة، الخطأ بإعادة إحياء روابط مادون القومية والوطنية لشرذمة المجتمع لإمكانية السيطرة، العرجاني الخادم الأمين للأجهزة الأمنية عالمياً يخدمه الموضوع لأنه يضعه ممثل لمنظمة مشرعة.