سعود الصاعدي روائي سعودي متميز، هذا أول عمل روائي نقرؤه له.
ساعة الرمل، رواية يعتمد فيها الروائي على صوتين متناغمين في السرد الروائي، الراوي الذي يسمي نفسه جبل نسبة الى جبال مكة المكرمة، حيث ولد وعاش طفولته وحياته كاملة، وصوت آخر لفتاة في الطرف الآخر من الدنيا في انكلترا، اسماها تيبل، حيث ولدت وترعرعت في لندن في أجواء متدينة مسيحية حيث كانت ترعاها جدتها وتصحبها معها إلى الكنيسة صباح الأحد لاداء الصلوات. تعتمد الرواية على تناوب الصوتين و تناغمهما وتكامل أحداث الرواية من خلال تبادل الرسائل بينهما عبر البريد الالكتروني، حيث تصل أخيرا لحضور تيبل الى الجزيرة العربية ومعايشتها للصحراء والأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
تبدأ الرواية من جبل وهو جالس على طاولته يدبج رسالة الى تيبل فتاة مفترضة هناك في انكلترا، يتفاعل معها ويناقشها في كل شيء تقريبا. جبل يتحدث عن طفولته في مكة، مكة المكان المقدس عند المسلمين حيث الكعبة قبلة المسلمين، وحيث يحج لها المسلمين كل عام، البيت المعمور والطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، الذي لا يتوقف على مدار الساعة كمعجزة حاضرة كل الوقت، على مدار الزمان، مكة التي حضر إليها النبي ابراهيم عليه السلام ومعه زوجته هاجر وابنه الطفل اسماعيل، سائلا الله و يرتجيه: يا ربي إني قد أسكنت من ذريتي في واد غير ذي زرع عند بيتك الحرام، ربي اجعل أفئدة من المؤمنين تهتم بهم وتأتي إليهم، وارزقهم من الخيرات…الخ، كل ذلك وارد بالقرآن الكريم. عطش الطفل اسماعيل وركضت أمه هاجر بين الصفا والمروة باحثة عن الماء، تدفق ماء زمزم وشرب الطفل وأمه، ثم كيف أصبحت مكة البلد الآمن ومركزا دينيا يأتي إليه الناس من كل بقاع الدنيا. قبل الإسلام وبعده. كل ذلك حاضر في ذهن جبل ابن مكة، مكة الممتلئة جبال واودية تؤدي كلها الى مركزها حيث الكعبة المشرفة، يستعيد جبل طفولته في حضن احد جبالها، وتردده الى احدى مدارسها مع غيره من الاطفال. كبر جبل وأخذ يقارن بين المسلمين والإسلام مع الغرب والاختلاف في كل شيء تقريبا. يرسل رسائله الى تيبل موضحا لها خصوصية الجانب الروحي الحاضر عند المسلم ابن مكة، الاحساس بحميمية العلاقة بين المسلم وربه، بين الاحياء والاموات، يمر على البقيع حيث يُدفن اموات مكة في ذهابه وإيابه، يسترجع ذكرى والده المتوفي، ويفكر انه بين يدي حكيم عادل. يحدث تيبل عن الغرب الذي تقدم في كل شيء علميا، واصبح المسلمين بحاجة لجميع ما صنع الغرب، ليواكبوا حياة تفوقوا بها كثيرا عن المسلمين. يحاول جبل أن يفاضل بين روحانية الاسلام و مادية الغرب، يحس بتميز المسلمين بذلك، لكنه يقر بتخلف المسلمين عن الغرب في أمور الحياة الأخرى. أما تيبل فقد حاورته حول حياتها في بلاد الماء والخضرة والثلج، مقابل بلاد الصحراء والماء النادر ورمال الصحراء والشمس الحارقة، والأرض الجرداء الممتدة. حيث هو يعيش. تيبل تنتمي لمجموعة من الطلبة الذين يدرسون الجزيرة العربية والإسلام وروح الشرق. مجموعة صغيرة مع معلم مختص في تاريخ الشرق، يبحثون عن روح الشرق وخصوصيته. هذا اضافة لرسائلها المتبادلة مع جبل عن كل ما التبس عليها. هي تنقل لجبل صورة لواقع حال انكلترا و لندن حيث تعيش، حيث تتميز بأشجار الصنوبر الممتدة في كل مكان. قياسا في الجزيرة العربية وتميزها بشجرة النخيل، حيث قررت أن تكتب بحثا عن تلك الشجرة وتقدمه لاستاذها والمجموعة. جبل ينقل الى تيبل تفاصيل حياته اليومية في مكة. جبالها أمطارها السيليّة، وكيف تغور في الارض، الاجداد وقدرتهم على تحديد مخزونات الأرض من مياه الأمطار ومكانها في الأعماق، كيفية استخراجها عند الحاجة، الصحراء صنو الاحتياج للماء، فحيث غياب الماء تغيب الحياة. يتحدث جبل عن انتقاله الى السكن في حي آخر جديد في مكة، و بنائه بيت جديد. يتحدث جبل عن الإعمار الهائل حول الحرم، يتحدث عن برج الساعة الشامخ المطل على الحرم المكي، مناظرا برج ساعة بك بن في لندن. انه ازدواج الحضارة مع اصالة بيت الله الحرام في مكة المكرمة. ممتلئ جبل نفسيا بأنه ابن مكة المكرمة، ابن للإسلام، هنا حيث ولد محمد الرسول ص وهناك في المدينة المنورة ذات النخل التي استقبلته بدعوته وكانت البلاد التي رعت الاسلام ونموه وامتداده، ثم عودته الى مكة فاتحا بعد ان نصر الله المسلمين وهدى أهل مكة للإسلام. كل ذلك حاضر في ذهن جبل ويعيش معنويا عليه. من جهتها تيبل وفريقها فقد حصلوا على فرصة سياحة كباحثين في الآثار في صحراء الجزيرة العربية. من سوء حظهم وفاة استاذهم. لكن ستأتي المجموعة كاملة في هذه الرحلة تيبل ورفاقها السبعة، ككل المستشرقين على خطى لورنس العرب من شمال الجزيرة العربية حيث يدخلون من الأردن الى شمالي السعودية ويتوجهون جنوبا متشبعين بالصحراء كما هي وليس كما درسوها. يتحركون ببطء ليصلوا الى المدينة ومكة ان امكن. بالمقابل يتابع جبل رسائله الالكترونية على الايميل الى تيبل لعلهما يلتقيان في نقطة ما على أرض الجزيرة العربية تتويجا للقائهما على وسائل التواصل الإجتماعي والنت عبر الايميل. ليعود الشرق والغرب للقاء يتكامل به كل بالآخر.
تنتهي الرواية وتيبل تتوجه جنوبا الى الاماكن المقدسة في المدينة ومكة. وجبل يتوجه شمالا من مكة إلى المدينة المنورة، ويتابع رسائله الى تيبل لعلهما يلتقيان.
في تحليل الرواية نقول:
٠ نحن أمام رواية مكتوبة بشغف الشرق بالغرب والغرب بالشرق، شفف كل الى ما ينقصه ويكمله من الآخر. الغرب المتقدم علميا وتكنولوجيا، والمحتاج للامتلاء المعنوي الديني، والشرق الممتلئ معنويا دينيا والمحتاج الى تقدم الغرب وسبقه على كل المستويات.
السؤال المشروع هنا: هل فعلا الشرق بقي ممتلئا بالروحانيات والإيمان بذات القدر الذي تظهره الرواية؟. أم أصبح ممتلئا بأنماط حياة موغلة بالتقليدية والتخلف احيانا؟!!. أم التشبه بالغرب إلى درجة فقدان الهوية؟!!. أم أصبح مسكونا بعنف الاستبداد والقمع وفقدان الحرية والعدالة؟!!. و حيث تفقد الحرية والعدالة تتحول الحياة الى عبودية ومظلومية دائمة، ويصبح هم الناس التحرر واستعادة الكرامة الانسانية وبناء الحياة العادلة، قد يكون شعار الناس للحصول على ذلك العودة الى الدين كنموذج يحتذى، او الاخذ بالطرق الغربية لصناعة التقدم، كل ذلك مخارج لمواجهة الظلم من حكام الاستبداد والفساد والتخلف والاستغلال. ثم هل حضور الغرب عندنا ذاك الآخر النموذج الذي يجب أن نقلده، صحيح انه يتفوق علينا في كل شيء، لكنه هو الغرب المستعمر لبلداننا، الداعم لحكّام الاستبداد والظلم الذين يقهروننا و يستغلوننا، الداعم للكيان الصهيوني في فلسطين. المستثمرين لخيرات بلادنا وأولها النفط. الغرب للأسف نموذج للعدو داعم الأنظمة ومستثمرها لمصلحته وراعي الضعف والتخلف وداعم استمرار الشعوب مستعبدة ومتخلفة. هكذا تأكد حضوره عبر قرن من الزمان واكثر وتأكد دوره بدعمه لردات الانظمة العربية على الربيع العربي ودعمه لهم لقتل ذلك الربيع ومعه جذوة الحرية والعدالة عند شعوبنا العربية.
اما نفحة الروحانية عندنا المستمدة من اسلامنا فهي ليست أكثر من غطاء لردات متنوعة عند شعبنا، حق الجهاد عند البعض، الهروب إلى التصوف عن البعض، القبول بالمكتوب عند البعض، انتظار العودة إلى الله لتحقيق العدالة عند البعض. أما تقدم الغرب فهو نموذج للهيمنة والسيطرة علينا كشعوب. هناك البعض ممن يستفيد من التقدم التكنولوجي ليعيش حياة رفاه مزيف على بحر واقع عربي متخلف.
اخيرا نعم مطلوب أن تتزاوج ايجابيات الشرق والغرب، نعم ذلك صحيح من باب الامنيات، لكن مع معرفة واقعنا، وليس ان تتحول الاماني الى ابر تخدير عن حقيقة الواقع الصراع من الغرب والأنظمة ضد شعوبنا الضحية والمضحية منذ عقود.
رواية “ساعة الرمل” للروائي السعودي “سعود الصاعدي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن شغف الشرق بالغرب ، وشغف الغرب بالشرق من خلال شخصيتي الرواية “جبل” من مكة ومراسلته الإنكليزية المسيحية “تيبل” ، يجب أن تتزاوج ايجابيات الشرق والغرب لتكتمل الحياة.