جوخة الحارثي روائية عمانية لها أعمال روائية وقصصية عديدة. رواية سيدات القمر فازت بجائزة البوكر العالمية عن نسختها الإنجليزية لعام٢٠١٩م.
تتحدث الرواية عن عُمان عبر أجيال في القرن العشرين. سرد الرواية يستخدم لغة المتكلم للراوية الغير حاضرة في متن الرواية، تتحدث الرواية عن عائلة عمانية في بلدة العوافي، الاخوات الثلاثة: ميا الكبرى التي تعمل في الخياطة تحلم كل الوقت ان ترى وجه من أحبت وتصلي لله كثيرا لكي تلتقي به صدفة يكفيها من حبها الذي يسكن خاطرها ان تراه فقط. ميا تعمل على ماكينة الخياطة كل الوقت، لا ترى حبيبها، لكن يراها عبد الله ابن التاجر سليمان، يراها ويحبها ويرسل أهله لخطبتها، وتصبح زوجة لعبد الله، ميا تحمل وتلد طفلتها التي تصر على تسميتها لندن، سيستغرب أهل عبد الله وأهل ميا، لكنها تصرّ على تسميها. تحلم ان تكبر لندن وتذهب الى العاصمة الانكليزية وتتعلم وتصبح طبيبة وتبني حياة سعيدة. عبد الله الزوج ابن التاجر سليمان نشأ في بيت ثري والده سليمان يؤمن بالمال والتجارة وان المال هو المهم في الحياة، عبد يحلم أن يصبح مهندسا، يتابع دراسته ويبتعث الى انكلترا ويحصل على الشهادة المطلوبة، كانت تربية والده له قاسية، يتذكر كيف سرق بندقية والده ليصطاد الطيور مع رفاقه في بداية شبابه، وكيف استقوى عليه رفاقه وربطوه بالحبل ودلوه بالبئر وحرموه من أكل صيده. يتكرر عليه منام المعاملة السيئة من رفاقه، وكذلك سطوة والده. والده الذي كبر في السن ومرض وكان عبد الله يرعاه ويهتم به إلى أن مات، في موته تنتقل ثروة التاجر سليمان للابن الوحيد عبد الله، لم يكن له اخوة، أمه ولدته وبعد وقت اتهمتها عمته إنها تصاحب أحدهم، أخبرت الأب واتفقت معه على محاسبتها، قتلها بالسم، اخوة عبد الله الكثر يولدون و يموتون صغارا، عبد الله يحب زوجته ميا كثيرا ولكن لم يتأكد من حبها له، لم تخبره صراحة بذلك ابدا. عبد الله يهتم بابنته لندن كثيرا ويسمح لها أن تكمل دراستها في انكلترى وتصبح طبيبة. لندن تحب الشاعر احمد، وهو يبادلها المشاعر، تحاول كل الوقت ان تجعله قريبا من نفسها وعقلها وروحها. احمد مسكون بشاعريته وما يراه عبقرية وفرادة، تحملت لندن نرجسيته وتضخم ذاته، وزادت علاقتهم عمقا مع الوقت بحيث عقد قرانهما لكن لم يحصل الزواج بمعنى المعاشرة الزوجية، وفي اثنائها اختلف احمد ولندن لأمر ما، مما جعل احمد يضرب لندن. عندها قررت لندن الفراق عن أحمد. كانت صديقتها قد حذرتها من هذا الحب الفاشل اصلا، حبيب يعيش في برجه العاجي، لا يرى غير نفسه، لا يتقرّب من حبيبته ولا يفكر بالمستقبل المشترك. يستهتر بلندن ودراستها وثروة أهلها التي ستستفيد منها، انه يعيش في محراب ذاته الشاعرية، وفوق ذلك يضربها لأتفه الأسباب، ويعود بعد ذلك ليعتذر منها ويقسم الأيمان انه لن يكرر ذلك، وانه يحبها لدرجة العبادة، لكن لندن اصبحت خارج فلك حبه، تعاني قليلا، احست انها تحررت منه، تفكر بحياة جديدة بآفاق مختلفة. لدى لندن اخ مصاب بالتوحد يهتم به والدها عبد الله كل الوقت، لكنه يمثل جرحه الحياتي الدائم. لميا أختان أصغر منها الاولى أسماء كانت تحب الثقافة والمطالعة كثيرا. خطبت هي واختها الاخرى خولة لاخين جاءا من الابتعاث، اسماء قبلت وتزوجت من الشاب الذي تتوافق معه نفسيا، وسيبنون حياة زوجية ناجحة، ستنجب اسماء اولاد كثيرين ويكبرون وتتنوع مسارات حياتهم ويصبح لها اسرة واسعة. اما الثالثة خولة فقد رفضت الشاب القادم لزواجها، وعندما واجهها والدها عن سبب الرفض، أخبرت والدها انها تحب ابن عمها ناصر وانهما تعاهدا على الزواج. تقبل الأب موقف الابنة، لكن خولة نفسها تطارد سرابا؛ ناصر الذي أحبها وأحبته منذ الطفولة، كبر وذهب الى امريكا ليكمل تعليمه، لكنه يضيع في اجواء امريكا وعلاقتها المفتوحة، لا ينجح ولا يحصل على شهادته العلمية، ستقطع عنه الدولة مساعدة الابتعاث بعد استنفاذ فرص الرسوب، سيعتمد على معاونة الأهل ليستمر بالعيش هناك، واخيرا انقطعت اخباره. مع ذلك ما زالت خولة تنتظره، استمر ذلك خمس سنوات اخرى عاد فيها ناصر وتزوج ابنة عمه خولة، عاش معها فترة قصيرة، كافية لتحمل طفلا منه، وليحمل المال مجددا والعودة لأمريكا ليتابع حياته مع صاحبته هناك، يعود سنويا لمرة يعاشر زوجته ويزرع طفلا جديدا ويأخذ المال ويغادر لامريكا، وهكذا لعشر سنوات، ويعود اخيرا بعد ان اختلف مع صاحبته، ليعيش مستقرا في بيته مع عائلته الواسعة؛ زوجته خولة وأولاده منها. خولة تتحمل كل ذلك سنين، الانتظار وسنين غربته وبعده عنها، محروقة من معاناتها، صابرة على حبيب عاق، صبرت عليه عشر سنوات أخرى عاشها معها ومع أولاده، وعندما كبر الاولاد واصبحوا يعتمدون على انفسهم، قررت ان تتطلق من ناصر حبيبها وابن عمها وزوجها، قررت ان تنتقم لسنوات الظلم المديد الذي عاشته. حاول ناصر كثيرا ان يثنيها لكنها أصرت وحصلت على الطلاق وغادرت ناصر والحياة معه.
في الرواية شخصيات أخرى كثيرة تمثل المناخ الذي وجدت به الأخوات الثلاثة، الآباء والأمهات الذين لا تقل حياتهم امتلاء عن أي مما فصلنا بالحديث عن الأخوات الثلاث، في الرواية لكل فرد حضوره كفلك يدور في كون الحياة، له حضوره المتميز وصفاته الشخصية ومآلات حياته المختلفة.
كما أن الرواية تغوص عميقا في سرد واقع العائلات التي كانت يوما ما من العبيد، حيث جاء قانون تحرير العبيد في عُمان اواسط خمسينيات القرن الماضي لينهي العبودية، لكن دون ان ينهي رواسبه، لقد كان العبيد من ذكور وإناث جزء من البنية الاجتماعية المتكاملة، العبدة الأنثى التي تكون عاملة في بيت سيدها، وخليلة جنسية لكل مالك، والعبد يعمل اغلب الاعمال المنهكة، ومن ثم يزوج عبد بعبدة، واولادهم عبيد لذات السيد، قد يحمل ابن العبدة معالم السيد، لكنه ينسب للزوج العبد، تعود الرواية إلى اصل حكاية استجلاب البشر العبيد من أفريقيا حيث يتم نصب الشباك لهم وصيدهم من بلدانهم ثم نقلهم الى مناطق البيع في ظروف صعبة قد تودي بحياة العبد والعبدة، لكل عبد قصة لاصل جده الأول وكذلك جدته. البعض من العبيد يعترف بذلك والبعض يتصور انه خلق عبدا منذ الازل. قانون تحرير العبيد ارضى الجيل الجديد مثل سنجر ابن ظريفة الذي تزوج عبده اخرى مثله محررة وغادر الى الكويت لبناء حياة اخرى. اما الام ظريفة فلم تكن لتقبل أن تنفك عن بيت سيدها والقيام بواجبها الذي ولدت وعاشت حياتها مخلصة له. لا حياة أخرى لها تذهب إليها. ولا تحلم ان تغادر هذه العيشة وبيت سيدها والتزاماتها فيها إلا إلى الموت. كما يظهر تكامل الحياة بين العبيد وسادتهم؛ العبدة هي الحبيبة والسرية والمنافسة على حب واهتمام الزوج والسيد. ويتكامل دور السيدة وأسرتها والعبيد وأولادهم في توزيع أدوار معاشة دون إشكالات عميقة. كما في الرواية حضور للحب بصفته مطلبا ذاتيا وترك النفس والجسد تتصرف وفق ذلك دون اي ضابط او رادع كما حصل مع أحد السادة وفتاة اسمت نفسها القمر.
تنتهي الرواية عندما تقرر خولة ان تتطلق من ابن عمها ناصر بعد زواج دام عشرين عاما وقبله انتظار لسنوات طويلة، اسرتها كبيرة الاولاد احوالهم مقبولة والزوج حاضر لكنها تصر على الطلاق وتحصل عليه.
في تحليل الرواية نضيف لما تحدثنا به في ثنايا قراءتها، اننا امام رواية تعتمد اسلوب المقاطع المكتوبة والمطلة على عالم أحد شخصياتها. لا ترتيب تسلسلي في المقاطع ضمن سياق الحدث، نحن امام مقطع من حكاية، يليه مقطع آخر مختلف، ونحن كقراء سنجمع في ختام الرواية خيوط الرواية (الحكاية) لتكتمل نسبيا، لاننا نتبع لحظة وان طالت في الحياة، لكن الحياة ممتدة ولا تنتهي مع شخوص الرواية وحياتهم وموتهم وتصرفاتهم. كما أن الزمن في الرواية دائري إن صح التعبير. قد يتحدث مقطع ما عن حب لندن والشاعر احمد وكيف لم يكلل بالنجاح، ويأتي بعده مقطع يتحدث عن جدها سليمان والد عبد الله زوج ميا وابنتهما لندن، ويكون المقطع الذي يليه عن العبدة ظريفة وجدها الأول وكيف تم اصطياده في افريقيا واستعباده.. الخ. لذلك تبدو الرواية وكأنها سرد عن الحياة لمن عاشها بطريقة عشوائية لكنها تعطي في نهاية السرد صورة لحياة أصحابها زمانهم وعصرهم وما عاشوا ومشاعرهم وتحولات الدنيا عليهم. وتحولاتهم في الحياة، طبعا يضاف لذلك الشفافية والغوص عميقا في الحديث والحدث، يجعل الرواية تستحق أن تحصل على جائزة البوكر العالمية للعام ٢٠١٩م.
.احمد العربي.
.٦/١١/٢٠١٩.
رواية “سيدات القمر” للروائي العماني “جوخة الحارثي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن عُمان عبر أجيال في القرن العشرين. عن عائلة عمانية في بلدة العوافي والاخوات الثلاثة، لتغوص عميقا بواقع العائلات التي كانت يوما من العبيد، حيث جاء قانون تحرير العبيد في عُمان اواسط خمسينيات القرن الماضي,