لم يواجه “حزب الله” اللبناني أزمة كالتي يواجهها في المرحلة الراهنة، فبعد أن برز دوره بشكل كبير على المستوى الإقليمي والدولي، وكان جزءاً من توازنات إقليمية، بات “أسير” التغيّرات الإقليمية والحسابات الدولية. عقب حرب يوليو (تموز) 2006 استطاع تثبيت قواعد اشتباك مع إسرائيل، حصل بعده على إرساء سلام ترعاه الأمم المتحدة من خلال القرار الدولي 1701، ليدخل لاحقاً عسكرياً إلى سوريا برعاية إيرانية.
ووفق مصادر قريبة من الدبلوماسية الروسية، هناك اقتراب من إنجاز اتفاق أميركي – روسي – تركي، حول مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، مشيرة إلى أن الجانب الروسي كان قد طلب من طهران إبعاد ميليشياتها حوالى 80 كلم عن الحدود الإسرائيلية، بناء على تفاهمات روسية – إسرائيلية. وأكدت أن الجانب الإيراني يسعى للاحتفاظ بالممر البري الذي ينطلق في منطقة “التنف” على الحدود العراقية وقرب الحدود الأردنية، امتداداً إلى بادية الشام وصولاً إلى ريف دمشق الغربي والحدود اللبنانية.
وتضيف المصادر أن الولايات المتحدة الأميركية تضغط باتجاه إخراج إيران بشكل كامل من سوريا، وهي لا ترغب باحتفاظ طهران بالممر البري، بالتالي إخراج “حزب الله” وبقية الميليشيات من دمشق.
الانسحاب من سوريا
ووفق المعلومات، فإن “حزب الله” الذي يدرك أن مستقبل وجوده في سوريا بات على المحك، وأن العودة إلى لبنان باتت أمراً حتمياً، يحاول تغطية الانسحابات التدريجية تحت غطاء التهويل بحرب إسرائيلية مقبلة، تعززها أعمال التنقيب عن النفط في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، خصوصاً أن الحزب محرج تجاه بيئته بعد خسارته حوالى 2000 عنصر في الحرب السورية، وإمكانية خسارة الممر الاستراتيجي البري الذي يربطه بطهران.
وتشير المعلومات إلى أن “حزب الله” سحب ما يقارب الـ 300 عنصر من “كتيبة الرضوان” بكامل عتادها من سوريا إلى لبنان، لتكون بأعلى جاهزية والاستعداد لاحتمال حصول مواجهة مفتوحة مع تل أبيب. ويُتوقع أن تنسحب عناصر إضافية خلال الأسابيع المقبلة وسط حديث يدور في الأوساط القريبة من الحزب، بأن الأمر لا يتجاوز إعادة انتشار لتمركز الحزب مع انتفاء الحاجة للعديد من المواقع بعد تراجع حدة المواجهات.
حرب افتراضية
ويؤكد المحلل العسكري العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، معلومات مفادها بأن “حزب الله” سحب جزءاً من مقاتليه من سوريا بسبب توجيهات كثيرة، من أجل التحضير للقيام بعمليات عسكرية محدودة، تكون نوعاً من الردّ على الضغوط الأميركية أو على ما يجري في سوريا أو حتى على قانون قيصر”، مؤكداً أن “لا إسرائيل ولا الحزب يريدان الحرب، الطرفان مصالحهما مؤمنة في ظل الوضع الراهن، لكن هذا لا يعني أن الحزب من جهة وتل أبيب من جهة ثانية ليسا على استعداد لسيناريو كهذا. بل هما يستعدان للحرب وكأنها ستندلع غداً”.
وعلى وقع الحرب “الافتراضية” التي يخوضها الحزب مع إسرائيل منذ أسابيع، تشير المعطيات إلى استحالة قيام الحزب بأي تحرك عسكري انطلاقاً من لبنان في الظرف الحالي، خصوصاً أن اللبنانيين يحملون الحزب مسؤولية الانهيار الاقتصادي الحاصل. وبحسب المعلومات فإنه وفي حال أراد القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، فقد يقوم بذلك عبر الأراضي السورية حيث يتعرض بشكل دائم لضربات إسرائيلية.
تعليمات إيرانية
وتؤكد الأنباء أن “الحزب لن يغامر ويفتح حرباً في الجنوب لأن لا مصلحة لإيران بالوقت الحاضر بأي توتر، كما أن تعليمات طهران لا تدعو إلى التصعيد في المنطقة، وهذا الكلام تم إبلاغه للإدارة الأميركية عبر وزير خارجية سلطنة عمان”، إذ تشير إلى “أكثر من تعاون حصل بين أميركا وإيران لم يعلن عنه خصوصاً في العراق، وتبادل بعض الأسرى من الجانبين. في وقت يعتبر رئيس مركز “الشرق الأوسط” للشؤون الاستراتيجية هشام جابر، أن بدء إسرائيل بالتنقيب عن النفط قرب الحدود اللبنانية وفي المنطقة المتنازع عليها، قد يؤدي إلى إشعال الحرب بين الطرفين.
وأوضح أن “البدء بتنفيذ هذا القرار خطير جداً لأن الأمين العام للحزب حسن نصر الله، قد وعد أنه إذا بدأت إسرائيل بالتنقيب في المنطقة المتنازع عليها، سيكون هناك عمل عسكري”، وقال “هذا الموضوع خطير يجعلني أقول إن الحرب ممكنة”.
الصواريخ والحدود
في حين يستبعد الأمين العام لـ “المؤتمر الدائم للفيدرالية” ألفرد رياشي، أي مواجهة قريبة، معتبراً أن الإيرانيين يتحسسون جدية المواجهة الأميركية في الشرق الأوسط وخطورتها، “لذلك يهولون بالخيار العسكري في حين يدركون تداعياته”. وشدد على أن الأجواء الإقليمية الحالية مختلفة عن تلك التي كانت في عام 2006″، مضيفاً أن الاستراتيجية الأميركية الحالية ترتكز على الحد من الاذرع الإيرانية ووقف نظرية “تصدير الثورة”.
ويكشف الرياشي عن سلسلة رسائل وجهها الإيرانيون و”حزب الله” عبر قنوات غير رسمية ومباشرة، للتفاوض حول نقطتين أساسيتين، هما ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وقضية الصواريخ الدقيقة التي زُوّد بها “حزب الله” خلال السنوات الماضية. إلا أن الرد كان ضمن ما تم بحثه مسبقاً عن أن هناك مسألتين إضافيتين هما تبني الحياد الإيجابي ومناقشة النظام الحالي، لضمان آلية عادلة لمسألة الانتقال للحياد، مؤكداً تواصل شخصية إيرانية رفيعة المستوى ومقربة من الرئيس حسن روحاني منذ بضعة أيام، حيث تجرى اتصالات مع جهات مقربة من الأميركيين في محاولة لإشاعة أجواء إيجابية قد ُيبنى عليها لإعادة طاولة المفاوضات، التي كانت قائمة في سلطنة عمان والتي وصلت إلى حائط مسدود خلال الأسابيع الماضية، متوقعاً أن تنتقل طاولة المفاوضات لاحقاً إلى بيروت، حيث يمكن أن تشمل مشاركة القوى السياسية اللبنانية.
نصر الله “جديد”؟
ويكشف رئيس “حزب السلام” اللبناني روجيه إده، معلومات عن سعي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي، لإعادة إحياء خريطة طريق المفاوضات الأميركية – الإيرانية والتي كانت قد بدأت عام 2003 ووصلت في الشهر الأول من عام 2005، إلى رسم خريطة طريق “وقف تصدير الثورة”، والتفاهم على “النووي المدني”، ورفع العقوبات جميعها لقاء تطبيع العلاقات الدولية مع إيران، لا سيما بين واشنطن وطهران، مشيراً إلى أنه “حينها ترأس اللجنة الرئيس الحالي حسن روحاني، يعاونه الديبلوماسي صادق خرازي الذي اجتمع مع رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، قبل شهر من اغتياله، في عهد الرئيس خاتمي، إلا أنه تمّ التراجع عنها، في يونيو لدى انتخاب أحمدي نجاد”.
وتابع أن المبادرة العمانية حظيت بموافقة الأميركيين وتُناقش بشكل جدي مع الجانب الإيراني، وتقضي بانسحاب عناصر حزب الله من الدول العربية كافة، بما فيها سوريا، ومن ثم تُناقَش مسألة السلاح في استراتيجية تضمن اتخاذ القرار العسكري ضمن المؤسسة العسكرية اللبنانية، يتبعها استقالة الأمين العام للحزب حسن نصر الله وانتقاله إلى مدينة قم الإيرانية، على أن يُعيّن أمين عام مدني وغير معمم، ويرجح أن يكون أحد أعضاء مجلس الشورى.
ورأى إده أن مسار هذه التسوية قد يسلك طريقه بعد الانتخابات الأميركية، والتي من المرجح أن يفوز فيها الرئيس دونالد ترمب، معتقداً أن استكمال هذا المسار لن يتجاوز نهاية عام 2021. وأكد أن تنفيذ القانون وتطبيق القرار الأممي 2254، يسرّع في انسحاب حزب الله من سوريا، مستبعداً أي ضربة عسكرية إسرائيلية للبنان في المرحلة الراهنة.
المصدر: اندبندنت عربية