بالنسبة للقوات الأميركية التي أضحت في مرمى نيران الجماعات التابعة لإيران في سوريا والعراق، فإن مهمتهم العسكرية التي أتوا من أجلها إلى الشرق الأوسط انتهت كلياً بحسب رأي الخبراء، إلا أن مسألة تحديد موعد انسحابهم تزداد صعوبة وتعقيداً، لكنها أصبحت ملحة بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم نفذته مسيرة في الأردن يوم الأحد الماضي.
يخبرنا المسؤولون الأميركيون بأن 2500 جندي أميركي تم فرزهم إلى العراق و900 آخرين فرزوا إلى سوريا هم جزء من العملية الساعية لمنع تنظيم الدولة من استعادة موطئ قدمه في المنطقة. ولكن مع انحسار تلك الجماعة الجهادية بشكل كبير، ألفى الجنود الأميركيون أنفسهم مستهدفين من عدد من الخصوم والأعداء، وقد أعلن هؤلاء بأن هجماتهم ستستمر طالما بقيت واشنطن مستمرة على دعمها لإسرائيل في حربها على غزة.
تخبرنا دارين خليفة، وهي استشارية رفيعة لدى المجموعة الدولية للأزمات: “ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية كشف ضعفهم، وأتمنى أن يطرح ذلك أسئلة عن سبب هذا الضعف، وكيف بوسعهم تقليل خطر ومسؤولية وجودهم على كل من يعمل ويتعاون معهم”.
الوجود العسكري الأميركي في المنطقة
كان لدى الولايات المتحدة قرابة 3000 جندي في الأردن حتى عام 2023، وذلك بحسب وكالة الأبحاث التابعة للكونغرس، والتي تركز على أمن الأردن وتنظيم الدولة. بيد أن المسؤولين ذكروا يوم الاثنين الماضي أن المسيرة التي حلقت فوق البرج 22، وهي قاعدة عسكرية موجودة في شمال شرقي الأردن، لم يتم التمييز بينها وبين طائرة أميركية كانت في طريق عودتها إلى القاعدة.
استهدفت القوات الأميركية في عموم الشرق الأوسط أكثر من 160 مرة على يد مقاتلين تابعين لإيران منذ شهر تشرين الأول الماضي.
يعود تاريخ الوجود الأميركي في سوريا والعراق إلى عام 2014، عندما انضم التحالف الدولي إلى القوات المحلية في دحر مقاتلي تنظيم الدولة وإخراجهم من مساحات شاسعة في كلا البلدين. في حين تضم قاعدة البرج 22 الأميركية الموجودة في الأردن على الحدود بين الدول الثلاثة، قرابة 350 عنصراً أميركياً من قطاعات الهندسة والطيران والأمور اللوجستية وعناصر الأمن، حتى يقوم هؤلاء بتقديم الدعم للقوات الأميركية الموجودة في سوريا.
بعد مرور نحو عقد على فرز الجنود الأميركيين إلى هناك، وخمس سنوات على إعلان هزيمة تنظيم الدولة، أصبح بايدن ثالث رئيس أميركي يشرف على هذه المهمة. بيد أن المناخ الذي تعمل به قد تغير بشكل جذري، فقد أصبحت تلك الجماعة الجهادية اليوم أشبه بحالة تمرد بسيطة يظهر معظمها في سوريا، بدلاً من أن يتحول إلى سلطة حاكمة.
تعايش مضطرب
لم يعد تنظيم الدولة يسيطر على أراض في العراق، ولذلك أثار الوجود العسكري الأميركي جدلاً كبيراً بين العراقيين، بعد مرور عشرين عاماً على الغزو الأميركي للعراق الذي ولّد حرباً أهلية دموية. وعلى الرغم من أن الجيش الأميركي يحتفظ بمهمة استشارية مع القوات العراقية، إلا أن قواته تبقى في قواعدها معظم الوقت.
هذا وقد تسببت الغارات الانتقامية الأميركية التي استهدفت مواقع إيرانية في العراق وشملت عملية اغتيال أهم قائد في طهران، أي قاسم سليماني، عام 2020، بزيادة الضغط في الداخل لسحب القوات الأميركية من البلد. كما تعاظم النفوذ العراقي في المنطقة مع تراجع النفوذ الأميركي.
بقي التعايش بين الطرفين مضطرباً طوال سنين، فقد كبرت ثروات الجماعات المسلحة المدعومة إيرانياً كما تعاظم نفوذها فصارت تشن معاركها بنفسها ضد تنظيم الدولة، بعد ذلك جرى دمج بعض تلك الفصائل ضمن القوات المسلحة العراقية، بيد أن التوتر بين الميليشيات والقوات الأميركية اشتد في عام 2018، بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أدى لحدوث انفراجة دبلوماسية مع طهران.
يعود أحد أسباب بطء وتيرة التغيير الحاصل في العملية العسكرية الأميركية بالعراق إلى وجود شيء من الضيق والكره تجاه أي خطر ثقافي أو سياسي بوسعه ألا يشعر العراقيين والأميركيين بالراحة، وذلك بحسب رأي جوناثان لورد مدير برنامج أمن الشرق الأوسط لدى مركز أمن أميركا الجديدة، ويضيف: “لكن تلك هي الحال التي أفضت إلى عشرين سنة من المهمات في دول أجنبية والتي لم تتطور مع الظروف، ثم إن السياسة التي استدعت قيام تلك المهمات قد انتهت، حتى لو لم يتم التوصل إلى حلول دائمة ومستدامة”.
عندما أعلنت الولايات المتحدة عن نهاية رسمية للمهمات القتالية في العراق عام 2021، وصف مسؤولون غربيون وعراقيون تلك الحركة بأن لها علاقة بوجهات النظر السياسية لا بل بالوقائع المتغيرة على الأرض. وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت إدارة بايدن عن عودتها للمحادثات مع الحكومة العراقية بشأن مستقبل القوات الأميركية هناك، ووصفت ذلك بأكثر محاولة جدية تمت خلال فترة رئاسة بايدن لإعادة النظر بالوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
سعى المسؤولون الأميركيون إلى فك ارتباط المحادثات مع العراق عن الاضطرابات التي تهز الشرق الأوسط، وذكروا بأنها أتت نتيجة لمساع دبلوماسية قامت قبل سنين عديدة، أي إنها ليست حدثاً مرتبطاً بجدول زمني، بحسب ما وصفه مسؤول عسكري أميركي رفض الكشف عن اسمه وذلك لأنه يتطرق لمحادثات حساسة، وأضاف: “سنحكم هذه العملية من خلال حوارنا معاً”.
بيد أن استهداف القوات الأميركية مرات كثيرة، والرد العسكري الانتقامي من طرف أميركا، وخاصة في العراق، قد يخلط الحسابات ببعضها بعضا.
ولهذا يقول أحد المعاونين المهمين في الكونغرس في إحاطة له حول المحادثات الجارية: “في حال زيادة وتيرة وشدة الهجمات عندئذ سيصعب علينا أن نقول: “حسناً، لنفعل هذا بعد التفكير ملياً”، وذلك لأن الضغوط ستزيد، سواء في داخل الولايات المتحدة أو في العراق”، بيد أن هذا المسؤول رفض الكشف عن اسمه لأنه يتحدث عن مفاوضات حساسة.
مهمة محدودة في سوريا
قد يكون الوجود العسكري الأميركي في سوريا أقل، لكن سياسة الانسحاب من هناك أشد تعقيداً، فقد قسمت الحرب السورية البلد إلى مناطق سيطرة، إذ يخضع شمال شرقي سوريا لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فيما تدير سلطة مدعومة تركياً شمال غربي سوريا، ويسيطر نظام بشار الأسد برفقة حلفائه الروس والإيرانيين على معظم أرجاء البلد، ويشمل ذلك البادية السورية التي تقع وسط البلاد حيث يحتفظ تنظيم الدولة بموطئ قدم له هناك.
ومع انحسار تنظيم الدولة، احتلت الفصائل المتحاربة المناطق التي كان يسيطر عليها هذا التنظيم على أمل تعميق نفوذها وتوسيع أجنداتها وتطويرها. ويعتقد المسؤولون الأميركيون بأن الهدف الاستراتيجي لإيران هو إقامة ممر بري يصل الشرق بالغرب حتى تصل إلى حلفائها المسلحين في العراق ولبنان، ولهذا فإن الوجود الأميركي في قاعدة التنف على الحدود السورية مع العراق يقف حجر عثرة في طريقها.
تحدث مسؤول عسكري أميركي رفيع أيضاً عن ضعف السجون التي تؤوي آلاف السجناء من تنظيم الدولة مع عائلاتهم في شمال شرقي سوريا، وقال: “قد ينشط تنظيم الدولة في ليلة وضحاها، وعندئذ قد يفر ألفا سجين لينضموا إلى المقاتلين، وهذا هو الهدف الذي يسعى تنظيم الدولة لتحقيقه الآن”.
تعززت تلك المخاوف إثر تحليل نشرته مجموعة أبحاث تسليح الأزمات يوم الاثنين الماضي حول الأسلحة التي جرى استرجاعها عقب هجمات نفذها مقاتلون في شمال شرقي سوريا، وخلص إلى أن الجماعة قد تتسم بمرونة أشد مما عهدناها عليه.
يعلق ديفين مورو، مدير قسم العمليات الإقليمية لدى مجموعة أبحاث تسليح النزاعات وأحد من كتبوا هذا التقرير: “مايزال لدى تنظيم الدولة شبكة مركزية قائمة على التنسيق وتعمل في مجال الشراء، إلى جانب شبكة توزيع في شمال شرقي سوريا، وهذا بحد ذاته مفاجئ نظراً لحجم الجهود المتضافرة بين قوات الأمن المحلية والوجود الأميركي، والمراقبة والتجسس المستمرين على عناصر تنظيم الدولة”.
ماتزال المهمة الأميركية في سوريا تركز بشكل محدود على محاربة الإرهاب كما يقول المسؤولون والخبراء، بيد أن هذه السياسة رسمتها حالات الفشل السابقة. فقد ترافق الانسحاب الأميركي من العراق في عام 2011 عندما كان بايدن نائباً للرئيس مع حكم غير فعال هناك، ما خلق فراغاً تسبب بالنهاية في نجاح تنظيم الدولة.
يقول آرون شتاين مؤلف كتاب: (الحرب الأميركية على تنظيم الدولة) الذي وثق بالتواريخ كيف تطورت هذه المهمة: “عودوا إلى موقف بايدن وقتئذ، إذ إنه كان يقول بأن على الولايات المتحدة أن تستبقي فرقاً صغيرة هناك وذلك حتى تبقي الولايات المتحدة حذاءها على رقبة تنظيم القاعدة في العراق”، ويضيف: “كان بايدن يعتقد بأن الانسحاب من العراق في عام 2011 بالطريقة التي تم بها خطأ كبير، وهذا ما جعل المهمة تستمر هناك منذ ذلك الحين”.
سؤال كيف ننسحب؟ لا يمكن الإجابة عليه بوسائل عسكرية فحسب، كما يرى الخبراء ويعترف المسؤولون. وهذا ما دفع دارين خليفة للقول: “يقول الناس إنه لا يمكن القضاء عليهم بشكل كامل، ولا يمكنك تحديد اللعبة وإنهاؤها بالنسبة لمهمة محاربة تنظيم الدولة، لأن كل ما يقال قد يكون صحيحاً، بيد أن الأمر سياسي أيضاً… فالأتراك يريدون المشاركة، وكذلك قسد، وأيضاً الروس والنظام، وكل ذلك صعب، لكنه ليس بمستحيل، ولكنه صعب جداً لأن الانسحاب بطريقة معقدة يحتاج إلى استثمار وإلى كثير من الأمور التي لن تفعلها الولايات المتحدة”.
المصدر: واشنطن بوست/ موقع تلفزيون سوريا
هل إنتهت مهمة قوات الإحتلال الأمريكي بالمنطقة ؟ وجدت مع إحتلال العراق وبدعة محاربة تنظيم الدولة و… ، القوات الأمريكية هي ذراع مكمل لدور الدويلة الصهيونية “اسرائيل”، ولكن هل هجوم المسيرة على البرج 22 شرق الأردن وسقوط قتلى من الجيش الأمريكي سيغير من روزنامة القوات الأمريكية بالمنطقة ؟ لأن تنظيم الدولة ينشط وفق أجندات مرسومة.