ديلي بيست: فيروس كورونا غير الشرق الأوسط وزاد من المشاكل والفوضى

نشر موقع “ديلي بيست” تقريرا عن آثار فيروس كورونا على منطقة الشرق الأوسط وتوقع فيه كاتباه حدوث وباء جيوسياسي.

وقال كل من مايكل هورفيتز ونيك غرينستد إن آثار ما بعد كورونا في الشرق الأوسط ستكون فوضى جديدة. فالنزاعات التي تشهدها المنطقة منذ وقت تجمدت وهي تحضر لمواجهة وباء على قاعدة ضخمة. ولكن النزاعات لن تختفي، ففيروس كورونا ليس معادلا كبيرا ولن يؤدي إلى اختفاء التنافس والحروب. فهو مثل الهزة الأرضية يقوم بالكشف عن وتكبير الضعف الأساسي لدى الدول التي لم تكن مستعدة أكثر لمواجهته. وهو بهذه المثابة يفاقم بالتالي اللامساواة الموجودة في المنطقة. ومثل صدمات ما بعد الأزمة القاتلة فإن انهيار أسعار النفط سيؤدي إلى نضوب ميزانيات الدول التي تقيم اقتصادها على موارد النفط.

وبالنسبة لدول الخليج فهي تواجه ضربة مزدوجة من فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط ولكنها تستطيع التغلب على الأزمة عبر حقن الميزانيات بكميات هائلة من النقود. كما أن هذه الدول كانت على ما يبدو جاهزة أكثر من غيرها للتعامل مع الأزمة، وهذا بسبب ما واجهته من وباء “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية” أو ميرس. ولهذا تحركت بسرعة وبطريقة حاسمة لتحديد حالات الإصابة بكوفيد-19 وأغلقت حدودها. وهذا لا يعني عدم تأثرها بشكل سيئ من الأزمة الحالية ولكنه سيكون نوعا مختلفا من السوء.

وبالمقارنة فالعراق والجزائر ولبنان ومصر ستتأثر بالتأكيد بشكل سيئ من الضربة المزدوجة. وفي حالة العراق والجزائر اللتين ترتبط فيهما الميزانية بأسعار النفط فمجال المناورة أمامهما ضيق. وستضرب الأزمة الاقتصادية مصر، بسبب توقف السياحة، فيما كان لبنان يحاول التخلف عن دفع الديون المستحقة عليه وقبل أن يضرب الوباء ضربته.

وسيتعرض النازحون واللاجئون في المنطقة لآثار الفيروس القاسية، مما سيؤدي إلى تدفق المهاجرين إلى داخل وخارج المنطقة، مما سيعطي الدول التي ستستقبل أعدادا منهم سببا لإغلاق حدودها. ونتيجة لهذا سيقع عبء التعامل مع اللاجئين ومساعدتهم على الدول الأقل قدرة لاستيعاب أعداد ضخمة من النازحين.

ويشير الكاتبان إلى أن توسع الفجوة ستترك أثرها على الوضع الجيوسياسي بالمنطقة. فالناس اليائسون يلجأون إلى أساليب يائسة وكذا الأنظمة اليائسة تلجأ إلى أساليب أكثر قمعا. فالهجمات الأخيرة على قوات التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في قاعدة التاجي وقتل فيها جنود أمريكيون وبريطانيون تؤشر إلى موجة جديدة وهي: حاجة الدول التي أضعفها الفيروس لاستعراض قوتها.

وكانت إيران بؤرة للفيروس منذ بداية الأزمة، وأدى غياب الشفافية وحرصها على الحفاظ على علاقتها مع شريكتها التجارية الصين إلى تحويل الأزمة لكابوس. وهو وضع دفع المحللين للتساؤل عما ستخسره إيران لو قامت الجماعات الوكيلة لها بتوجيه ضربات وفي أي مكان. ولأن الفيروس جعل أمريكا تركز على وضعها الداخلي فسيحاول اللاعبون في المنطقة فحص استعدادها للرد على التصعيد. وفي ضوء ما حدث في إيران والتداعيات الجيوسياسية المحتملة فهناك أسئلة حول ما سيحدث عندما تصل أو إذا وصلت الأزمة لدرجة التصعيد في مناطق مثل اليمن وسوريا وليبيا وغزة.

وفي عالم غير متساو فإن الأزمة قد تجعل الحرب غير المتناسقة مهمة أكثر مما هي عليه الآن. وفي الوقت الذي وجدت فيه بعض الأنظمة التي واجهت حركات احتجاج في الفيروس مخرجا إلا أن أيام الحساب لم تنته. وفرغت الشوارع في الجزائر ولبنان بعد انتشار الوباء ولن يخرج معظم المحتجين إلى الشوارع في الأشهر المقبلة. ولكن المتظاهرين لن ينهوا احتجاجاتهم وسيعودون حالة استقرت الأوضاع، خاصة أن بعض المتظاهرين يرون أن أنظمتهم أسوأ من الفيروس.

واستغلت أنظمة مثل الجزائر الوباء وأصدرت حظرا على التظاهرات، وعندما ينجلي الغبار فستعود التظاهرات مستغلة الطريقة السيئة التي عالجت فيها الحكومات الأزمة. وكان العالم العربي يشهد ربيعا ثانيا عندما جاء فيروس كورونا، وهناك عدة أسباب تجعلنا نعتقد أن الانتفاضة ستستعيد زخمها عندما يرحل فيروس كورونا.

وعلى المستوى المحلي فلن تؤدي الأزمة لوحدة الناس، ليس بسبب التباعد الاجتماعي ولكن لاحتمال تزايد التوتر الطائفي نتيجة للطريقة التي أساءت فيها إيران التعامل مع الأزمة. فمعظم الحالات التي اكتشفت في الخليج كانت بسبب رحلات إلى إيران، ومن الصعب متابعتها لأن معظم الذين يزورون إيران من هذه الدول لا يستخدمون جوازات سفرهم الحقيقية. وقامت السعودية مثلا خوفا من انتشار الوباء بإغلاق منطقة القطيف ذات الغالبية الشيعية. ولم تحاول دول الخليج تنظيم رحلات لإعادة مواطنيها في إيران.

وفي غياب الفحص بمناطق السنة في العراق مقارنة مع المناطق الكردية والشيعية فهذا يعني زيادة الفجوة بنفس الطريقة التي شوهدت بمعاملة العرب واليهود داخل إسرائيل وإغلاق يافا. وفي إسرائيل كشفت الأزمة عن استعداد الحكومة للموافقة على حملة تجسس هائلة ضد مواطنيها في وقت لا تستطيع فيه الكنيست الاجتماع للقيام بالرقابة على البيانات التي تقوم بجمعها أجهزة الأمن الإسرائيلية.

ولا تعد هذه حالة معزولة، فمن ناحية ستؤدي الأزمة إلى توسيع الفجوة بين الحكومات ومواطنيها بسبب الإجراءات القاسية التي اتخذت. كل هذه العوامل تجعل من وباء كورونا لحظة فارقة بالمنطقة، ليس بسبب القاعدة الواسعة لانتشاره ولكنه جاء في لحظة تعاني فيها كل دول المنطقة من مشاكلها السياسية وفشلت ببناء مناعة ضد العدو الذي قرع على أبوابها.

المصدر: “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى