كثُرت في الآونة الأخيرة عمليات استهداف قياديين في تنظيمات متطرفة داخل سورية من قبل التحالف الدولي، في استمرار لسياسة هذا التحالف الذي تشكل في عام 2014 من دول عدة بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “داعش”. وتقوم هذه السياسة على إضعاف تأثير هذه التنظيمات، وتشتيت قواها، من خلال ضرب الشخصيات المؤسسة والفاعلة فيها، بهدف إحداث انقسامات داخلها تفضي إلى القضاء عليها.
واستهدفت طائرة مسيَّرة يُعتقد أنها تابعة للتحالف الدولي بصاروخ موجّه، مساء أول من أمس السبت، قيادياً في تنظيم “داعش”، على طريق الدانا – الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، حين كان يستقل دراجة نارية، ما أدى إلى مقتله على الفور. وذكرت مصادر محلية أن المستهدف هو “والي الرقة” لدى “داعش”، فايز العكل، الملقب بـ”أبو سعد الشمالي”، والمتحدر من بلدة سلوك في ريف الرقة الشمالي، مشيرة إلى أن القتيل كان يحمل بطاقة تعريف مزيفة باسم أحمد الدرويش من بلدة أخترين في ريف حلب الشمالي.
وجاء استهداف العكل بعد أيام قليلة من استهداف طائرة مسيَّرة يعتقد أيضاً أنها تابعة لـ”التحالف” بصاروخ موجّه، قياديَّين اثنين في تنظيم “حراس الدين” المبايع لتنظيم “القاعدة”، بالقرب من مدرسة “عبد الكريم اللاذقاني” في الطرف الغربي الجنوبي لمسجد شعيب داخل مدينة إدلب، ما أدى إلى مقتلهما على الفور. وتبيّن أن القتيلين هما “بلال اليمني” أو “بلال الصنعاني”، الذي كان يقود قطاع البادية في التنظيم، والأردني المعروف بـ”قسّام الأردني”، الذي كان القائد العسكري في “حراس الدين”.
ولم يعلن التحالف الدولي وقوفه وراء عمليات الاغتيال الأخيرة التي استهدفت قياديين في تنظيمات متطرفة تتبنى فكر السلفية الجهادية، ولا تزال موجودة في الشمال الغربي من سورية، أو آخرين من “داعش”، الذي لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق سيطرته السابقة في شمال سورية وشرقيّها، كذلك لا تزال “ذئاب منفردة” على ولائها له. ولم يبقَ لـ”داعش”، منذ سحقه في هذا البلد قبل عامين، سوى بؤر سيطرة في البادية ينطلق منها لتنفيذ عمليات بين الحين والآخر في مناطق سيطرة النظام أو مناطق “قوات سورية الديمقراطية”(قسد)، خصوصاً في ريف دير الزور الشرقي.
ومنذ تأسيس التحالف الدولي في عام 2014، عمل على ضرب القياديين في “داعش” وفي تنظيمات متطرفة أخرى تدور في فلكه، أو في فلك “القاعدة”. وفي أواخر مايو/ أيار الماضي، أعلن “التحالف” أنه نفّذ مع “قسد” عملية مداهمة استهدفت مخبأً لـ”داعش” في محافظة دير الزور شرقي سورية، أدت إلى مقتل المدعو أحمد إسماعيل الزاوي، المسؤول عن شمالي بغداد، ومقتل المدعو أحمد عبدو محمد حسن الجغيفي، المسؤول عن العمليات اللوجستية لدى التنظيم. لكن الضربة الكبرى التي نفذها “التحالف” كانت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين قتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي في عملية إنزال جرت في قرية بريف محافظة إدلب السورية. وشكلت العملية ضربة كبيرة للتنظيم في سورية والعراق، على الرغم من استمراره في تنفيذ عمليات في هذا البلدين، ما يؤكد أن استمرار نشاط مثل هذه التنظيمات غير مرتبط بوجود رأس واحد لها، إذ تشير المعطيات الميدانية إلى أن قيادات الصف الثاني فيها هي محركها الرئيسي.
وتؤكد مصادر مطلعة على عمل التنظيمات التي تتبنى الفكر “الجهادي” لـ”العربي الجديد”، أن هذه التنظيمات “لا تتأثر باغتيال قيادات الواجهة الإعلامية، بقدر تأثرها باغتيال الشرعيين أو المنظرين الحقيقيين، الذين عادة لا يظهرون في وسائل الإعلام، ومن ثم يبقون بعيداً عن دائرة الاستهداف المباشر من قبل التحالف الدولي أو تنظيمات منافسة”.
لكن الباحث السياسي السوري حمزة المصطفى، يرى أن استهداف قيادات التنظيمات المتشددة يضعفها “لأن هذه التنظيمات تعتمد كثيراً في وجودها واستمراريتها ووحدتها أيضاً على قياداتها، ولا سيما تلك التي تملك ضمنها الكاريزما، والتي لها تاريخ جهادي وتكون قادرة على تأطير العمل المسلح”. ويعتبر المصطفى، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “استهداف القيادات، وإن كان لا يؤدي عادة إلى إنهاء التنظيم، فإنه يفضي في أغلب الأحيان إلى إضعافه أو إحداث انقسام داخله”. ويشير إلى أنه “خلال السنوات السابقة، رأينا كثيراً من التنظيمات، سواء أكانت جهادية أم إسلامية وطنية، مثل لواء التوحيد وأحرار الشام، قد تأثرت كثيراً بغياب قادتها المؤسسين الذين كانوا يحظون بإجماع داخل المنظمة”، مضيفاً أن “هدف التحالف غالباً هو إحداث انقسامات وصراعات على القيادة، بما يؤدي إلى انقسام التنظيم وتشتته”.
كذلك يرى الباحث المهتم في “الجماعات الإسلامية”، علي أبو الفاروق، أن استهداف القياديين يضعف التنظيمات المتشددة “لأنه يصيب عادة كوادر فاعلة وذات تجارب سابقة في الجهاد العالمي”، لافتاً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “القيادات المستهدفة مشروعاتها ليست قُطرية، لذلك تشكل تهديداً لدول التحالف الدولي، التي تعمل على التخلص منها”. ويقدم أبو الفاروق مثالاً القائد العسكري العام لتنظيم “حراس الدين” الذي اغتيل أخيراً، أبو القسام الأردني، الذي “لديه تجارب في العراق وأفغانستان وسورية، وسبق أن سجن في إيران”.
وحول أهمية الشرعيين وقيادات الصف الثاني في هذه التنظيمات، يوضح أبو الفاروق أن “الشرعي هو عصب الفصيل والمغذي لأيديولوجيا المقاتلين، لذلك يمتلك أهمية توازي أهمية القائد أو الأمير في التنظيمات الإسلامية المتشدد”، مضيفاً أن “قيادات الصف الثاني كوادر فاعلة ومؤهلة للقيادة في حال استهداف قيادات الصف الأول”.
أما في ما خصّ تنظيم “داعش” تحديداً، فيرى الباحث في “الجماعات الإسلامية”، أن هذا التنظيم لا يزال يشكل تهديداً، على الرغم من استهداف أبرز قيادييه من قبل التحالف الدولي وقوى أخرى. ويوضح أبو الفاروق أن “داعش يعمل بنظام الخلايا اللامركزية التي تشنّ حرب عصابات محدودة العدد، لكنها ذات تأثير”.
وكان التحالف الدولي قد اغتال منتصف عام 2016 واحداً من أبرز قادة “داعش”، هو أبو محمد العدناني، الذي كان المتحدث باسم التنظيم، وتولى منصب “أمير الشام” فيه. والعدناني (طه صبحي فلاحة، المولود في سورية عام 1977، في بلدة بنش في محافظة إدلب)، أعلن قيام ما يسمّى “دولة الخلافة” في منتصف عام 2014، وقُتل بغارة جوية من “التحالف” في ريف حلب الشمالي الشرقي. وإضافة إلى البغدادي والعدناني، اغتال التحالف الدولي عدداً كبيراً من القياديين في تنظيمات متطرفة، منهم “أبو خديجة الأردني” أو “بلال خريسات”، القيادي السابق في “حراس الدين” نهاية عام 2019 بمحيط بلدة ترمانين غرب حلب. وفي 30 يونيو/ حزيران 2019، أكدت وزارة الدفاع الأميركية استهداف طائرة مسيَّرة مبنى في ريف حلب الجنوبي، كان عدد من قادة “حراس الدين” وغيرهم من قادة الفصائل المتشددة، مجتمعين فيه لحلّ نزاعات داخلية. وفي أغسطس/ آب من العام ذاته، أعلن البنتاغون استهداف معسكر تدريبي يستخدمه كل من “حراس الدين” و”أنصار التوحيد”، ما أدى إلى مقتل أحد أهم قادة الأنصار، وهو ليبي الجنسية، وملقب بـ”أبو أسامة الليبي”. وكان طيران “التحالف” قد قتل “أبو إسلام المصري”، عام 2017، وكان قيادياً في “جبهة النصرة”. وقُتل في العام ذاته “أبو الخير المصري” الذي كان من قيادات “القاعدة” في سورية. وفي أواخر 2016، اغتيل واحد من أهم قادة “النصرة” في سورية، هو أحمد سلامة مبروك، الشهير بـ”أبو الفرج المصري”، بعدما استهدفته طائرة أميركية على أطراف جسر الشغور في ريف إدلب الغربي.
المصدر: العربي الجديد