نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا أعده سايمون هوبر عن قرار قريب من محكمة فرنسية يستهدف رفعت الأسد، شقيق الرئيس السوري حافظ الأسد، بتهم اختلاس أموال من الدولة السورية، لكن فريق الدفاع عنه يقول إن معظم ثروته جاءت من الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز.
ويأتي قرار المحكمة المتوقع بعد تحقيق دام سبعة أعوام تقريبا في مصادر ثروة عم الرئيس الحالي، بشار الأسد، العقارية والتي تقدر قيمتها بالملايين. ويتهم المدعي العام الفرنسي رفعت الأسد، 82 عاما، بتبييض مئات الملايين من الدولارات التي اختلسها من الدولة السورية عندما أجبر على مغادرتها عام 1984 وسط اتهامات بمحاولات الانقلاب على شقيقه حافظ.
وأنكر رفعت الذي لم يحضر إجراءات محاكمته في باريس التي تمت بشهر كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي بسبب اعتلال صحته الاتهامات التي تضم غسيل الأموال في قضايا غش ضريبي واستخدامه موظفين غير شرعيين. ويقول إن معظم ثروته جاءت بسبب العقارات والدعم المالي الذي قدمه إليه الملك عبد الله وعلى مدى عقود.
ويقول الأسد إن الدعوى القضائية الأصلية المرفوعة ضده عام 2013 تأثرت بعناصر من المعارضة السورية التي حاولت تقويض جهوده الرامية لتشكيل حكومة انتقالية كخطوة أولى على طريق إنهاء الحرب الأهلية. وقال للمحققين: “لدي فكرة واضحة حول الأسباب التي تدفع هؤلاء الناس لتقويضي. فقد فشلوا في محاولات الوصول إلى السلطة في سوريا وخافوا من عودتي”.
ويقول الموقع إن القضية وضعت أعداء داخل الطبقة المقربة السابقة لحافظ الأسد ضد بعضهم البعض. وكذا ورطت أعضاء في العائلة السعودية الحاكمة ومسؤولا سابقا في المخابرات الفرنسية في ملحمة قانونية تتعلق باتهامات رفضها بقوة محامو الدفاع ورفضها المحققون في بعض الأحيان، وتتعلق بسرقة كنز أثري وسطو على مصرف وتجسس في أثناء الحرب الباردة.
ويقول الداعون لمكافحة الفساد إن المحاكمة تعتبر “علامة مهمة” لتطبيق قانون مشدد لمكافحة الفساد مرر بفرنسا عام 2013 أو ما يعرف بـ”الكسب الحرام” والتهرب الضريبي من المتنفذين الأجانب والأشخاص البارزين ويسمح للنيابة العامة بالتعامل مع الأرصدة على أنها اكتسبت بطريقة غير شرعية إلا إذا أثبت من هم تحت التحقيق العكس. وقال محامو الادعاء للمحكمة في كانون الأول/ ديسمبر إن الشؤون المالية للأسد وعقاراته تم إخفاؤها عن قصد من خلال شركات وهمية وملاجئ ضريبية وإن هناك “افتراضات قوية ومتناسقة بكونها غير شرعية” واستند على غياب الوثائق التي تؤكد ثروة الأسد وعدم تعاونه مع المحققين.
وطالبوا القاضي بسجن الأسد أربعة أعوام ودفع غرامة مالية 10 ملايين يورو (11 مليون دولار) ومصادرة عقارات تضم قصرا ومزرعة وبيتا في باريس تصل قيمتها الكلية إلى 100 مليون يورو.
وقد تؤثر القضية أمام المحكمة الفرنسية على وضع الأسد في إسبانيا حيث يتعرض للتحقيق هناك بتهم غسيل الأموال وأقرت المحكمة العليا الإسبانية بتجميد أرصدة عقارية وأراض له تقدر قيمتها بحوالي 600 مليون يورو.
ويقول فريق الدفاع عن الأسد إنهم قدموا أدلة تظهر أنه حصل على ثروته بالطرق القانونية وإن الكثير من عقاراته وعشرات الملايين من الدولارات حصل عليها من ولي العهد السعودي عبد الله قبل أن يصبح ملكا والذي كان صديقا وربطت بينهما علاقة زواج وظل يمنح الأسد وعائلته الدعم المالي حتى وفاته عام 2015.
ويقولون إن الدعوى القضائية هي صورة “عن استخدام أداتي سياسي للقانون الجنائي الفرنسي”. واقترحوا أن محامي الادعاء والداعين لمحاكمته شهروا بالأسد “لاسمه وأصله” وأشاروا إلى ما اقترفه عندما كان مسؤولا في نظام شقيقه حافظ، بما في ذلك قيادته لميليشيا عسكرية مسلحة “سرايا الدفاع”.
وكانت هذه الميليشيا مسؤولة عن حماية العاصمة دمشق واتهمت بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب في أثناء الحرب لقمع انتفاضة للإخوان ومذبحة حماة عام 1982 والتي قتل فيها الآلاف.
ونفى الأسد هذه الاتهامات وقال محاموه إنه أنكر المسؤولية عن المذبحة وإن هذه الاتهامات لا تهم تحقيقا حول أصول ثروته.
ومن الاتهامات الأخرى ما ورد في كتاب مدير المخابرات الروماني السابق أن الأسد عمل في السبعينات من القرن الماضي عميلا للديكتاتور نيكولاي شاوشسكو بالإضافة لمزاعم سوري مقيم في أوروبا أن الأسد سرق كنزا من الآثار الثمينة عثر عليه جده في سوريا عام 1974.
ورفض فريق الدفاع عن الأسد الاتهامات ووصفوها بـ”غير المعقولة”. وقالوا إن محامي الادعاء توصل للاتهامات الرومانية من خلال البحث في محرك غوغل ولم يطرح الأسئلة على الأسد أثناء التحقيق. ورفض الشاهد الذي زعم أن الأسد سرق كنز جده الظهور أمام المحكمة لكي يدلي بشهادته. وشكك فريق الدفاع في شهادتي مسؤولين بارزين في الحكومة السورية، ماتا الآن حيث اتهما الأسد بسرقة أموال من الدولة ولكنهما قدما شهادتين متناقضتين. وأحدهما وزير الدفاع من 1972- 2004 مصطفى طلاس الذي وصف الأسد عند مغادرته سوريا بـ”شخص مرغوب فيه وللأبد”. وأخبر المحققين بأن عناصر سرايا الدفاع دخلوا المصرف المركزي السوري وسرقوا بالات من العملات النقدية و200 مليون دولار أمريكي أرسلها معمر القذافي إلى سوريا، وذلك قبل مغادرة الأسد البلاد. وتوفي طلاس عام 2017 واعترف المحققون أن شهادته ليست إلا “فرضية”.
أما الثاني فهو عبد الحليم خدام، وزير الخارجية ونائب الرئيس السابق والذي انضم إلى المعارضة عام 2011 وزعم أن الأسد حصل على 300 مليون دولار من خزينة الدولة كجزء من اتفاق سري بينه وشقيقه حافظ مقابل مغادرته البلاد، بما فيها 200 مليون دولار اختلست من الميزانية الرئاسية و100 مليون دولار قدمتها ليبيا إلى سوريا.
ورفض فريق الدفاع شهادة خدام باعتباره “معارضا تاريخيا” للأسد وأشار إلى التناقض بين شهادته وما قاله سابقا للمحققين في مقابلة أن الأسد سرق 500 مليون دولار. وقال فريق الدفاع إن الادعاء لم يقدم أدلة لدعم تهم الاختلاس، وقالوا إن هناك عوامل أخرى تفسر التباين في الميزانية الرئاسية التي وردت في الشهادات. وما قاله أكاديميون إن الإحصائيات الاقتصادية لتلك الفترة غير دقيقة. ومن الأدلة التي قدمها فريق الدفاع لإثبات ثروة موكلهم الأسد شهادات من زوجة الملك عبد الله الأميرة حصة بن طراد الشعلان التي شهدت أن زوجها قدم دعما ماليا منتظما للأسد بما في ذلك عقارات كهدايا له. وكذا شهادة ابن مدير المخابرات السعودي السابق.
وشهد مدير المخابرات الفرنسي السابق ألين شوي أن الأسد وأفراد عائلته حصلوا على “دعم مالي مهم” من الملك عبد الله. ووصف كيف تم استقبال رفعت الأسد بحرارة من قبل الرئيس فرانسوا ميتران وذلك لدوره في نزع فتيل التوتر بين البلدين في بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وبحسب شوي فقد تدخل الأسد “لوضع حد للمناورات العنيفة التي تتبعها أجهزة المخابرات السورية ضد المواطنين والمصالح الفرنسية في المشرق”. وأضاف: “بناء على هذه الخدمات البارزة التي قدمها طلب الرئيس ميتران تحديدا استقباله بأحسن الطرق”. ومنحه ميتران وسام الشرف بعد عامين.
وناقش فريق الدفاع أن تقديم أدلة عن مدى الدعم السعودي للأسد ليس سهلا لأن السجلات تعود إلى 30 عاما ولأنه لم يكن لدى فرنسا قوانين تتعلق بغسيل الأموال. ولكن فريق الدفاع قدم شيكا بقيمة 10 ملايين دولار وقعه عبد الله عام 1984 وتحويلات مصرفية بـ40 مليون دولار ما بين 2008- 2014. واستند الأسد في ربط الدعوى المقدمة ضده بالمعارضة السورية على الدور الذي لعبته “شربا” وهي حملة ضد الفساد وقدمت دعوى ضده في عام 2013.
واستند فريق الدفاع على دور هيثم مناع المتحدث باسم هيئة التنسيق الوطني السوري للتغيير الديمقراطي. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 كان مناع في جنيف يحضر للمشاركة في المحادثات برعاية الأمم المتحدة في الوقت الذي كان فيه الأسد يجري محادثات مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وسئل إن كان قد قابل الأسد، فأجاب مناع: “كنت واحدا من الذين بدأوا الدعوى الجنائية ضد رفعت الأسد”. وقال فريق الدفاع للمحققين: “الهدف الرئيسي لكل هذه العملية هو منع رفعت الأسد من المشاركة في السياسة السورية حتى عندما طالب برحيل بشار الأسد عن السلطة لحل الأزمة وقدم كبديل عن ابن أخيه”.
واقترح بعض المحللين في حينه أن الأسد كان يحاول بناء تأثير له داخل المعارضة السورية وأن مصدر تأثيره وثروته كان العائلة السعودية الحاكمة. وتم تأجيل القرار في قضية الأسد بسبب وباء كورونا، إلا أن البت بها سيكون الأربعاء ولدى كل طرف الحق بالاستئناف.
المصدر: “القدس العربي”: