سامي عماره كاتب من مصر مستقر في روسيا الاتحاديه منذ عقود. وكاتب مختص بالشأن الروسي حالياً. وبالاتحاد السوفييتي سابقاً…
.الكتاب يتناول حياة فلادميير بوتين ضمن المعادله السياسيه. للاتحاد السوفييتي السابق ثم في روسيا الاتحاديه. بحيث تتضح الظروف العامه السياسيه والمجتمعيه التي تواجد فيها بوتين. واصبح فيها الرجل الاول صاحب السلطة في روسيا عبر ثلاث ولايات رئاسيه للان…
.يبدأ الكتاب بقراءة مرحلة غورباتشوف الامين العام الجديد للحزب الشيوعي الروسي والرئيس الفعلي للاتحاد السوفييتي.في ثمانينات القرن الماضي.. وبداية النقد العلني والصريح لتجربة الاتحاد السوفييتي وانها وصلت لطريق مسدود حياتيا وسياسيا وعلى كل المستويات. ففي كتابه البيروستريكا (النقد الذاتي) الذي راجع فيه التجربه الشيوعيه في الاتحاد السوفييتي. الذي اكد فيه على فشل التجربه. فلا هي صنعت الاشتراكيه الحقه. الا اشتراكية الفقر. وفضح الاستبداد والقمع والظلم الذي مارسته السلطة السياسيه عبر عقود وكان ضحيتها الشعب الذي من المفروض انه صاحب التجربه الشيوعيه والمستفيد منها.. وكتابه الاخر الغلاكنوسيت (العلنيه).. والذي استمر به في ذات المسار. وكان لحراك غورباتشوف صدى داخل الاتحاد السوفييتي. وكأنه اسقط اول حجر سيؤدي لاحقا لانهيار الاتحاد السوفييتي. الذي كانت عوامل سقوطه قد اكتملت… في الكتاب محاولة غير موفقه للدفاع عن الاتحاد السوفييتي كحلم للعداله. وان هناك اطراف دوليه لها مصلحة بسقوط الاتحاد السوفييتي وعلى رأسهم امريكا. وطبيعي ان تعمل امريكا وحلفاءها الاوربيين لانهاء خصم استراتيجي… لكن ذلك لا يغطي عوامل النهيار الداخلي. الفقر والقمع وانسداد الافق وغياب الحقوق الوطنيه والقوميه والدينيه والثقافيه والتملك والخصوصيه.. الخ.. كلها جعلت التجربه آيلة للسقوط وكانت ضربة المعول الاولى بيد رئيس حزبها ودولتها غورباتشوف… في هذه المرحلة كان بوتين ضابط في المخابرات السوفيتيه ال ك ج ب. يعمل في المانيا الديمقراطيه. والذي غادر موقعه عائدا لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ليجد له مكانا بجوار القيادات السياسيه. التي تحاول ان تصنع اقدار روسيا. اكبر دول الاتحاد السوفييتي السابق…
.لقد كانت القياده السياسيه للاتحاد السوفييتي وعلى رأسهم غورباتشوف مدركين لمشكلة الاتحاد السوفييتي. لكنهم لم يكونوا يدركون معالم طريق الحل.. وكانوا مختلفين في ذلك ايضا. فالبعض سيرى ان كل الاصلاح والتغيير هو مؤمرة على الاتحاد السوفييتي ويجب مواجهته ولو بالقوة. وهؤلاء كانوا مصابين بعمى ايديلوجي (عقائدي) ويدافعون عن مناصبهم ومكاسبهم. ويرفضون اي تغيير وحاولوا الانقلاب على غورباتشوف نفسه. ولكن الناس في الشارع اسقطتهم ومنعت دباباتهم من التقدم .. ولينتهوا ويخرجوا من المشهد السياسي ولو مؤقتا. وسيصبحون سدنة الشيوعية السابقه. وسيستمرون في حزبهم الشيوعي. متابعين حلما كان قد مات. وبحضور يزداد وينقص حسب نجاح الكيان الجديد بالتقدم لما يريد الشعب.. وبكل الاحوال استمروا اقليه تلون المشهد الروسي. وفاعليتهم شبه معدومه… وهناك من اراد ان يتم الانتقال بروسيا الى النظام الرأسمالي بكل مواصفاته. وكان على رأس هذه الدعوة يلتسن الذي استلم الحكم خلفا لغورباتشوف الذي غادر المشهد السياسي الروسي. بعد ان تم اسقاط الاتحاد السوفييتي بشكل رسمي عام 1992… يلتسين الذي يحمله الكاتب كل الشرور لما حصل في روسيا بعد ذلك… روسيا التي يجب ان تنتقل من نظام الحزب الواحد الى النظام الديمقراطي. ومن نظام الملكيه العامه للدوله الى الملكيه الخاصه.. الخ . وكل ذلك يتطلب مأسسة على كل المستويات. والتي كان اهم نتائجها انتقال قيادات العصر الشيوعي ليكونوا هم قيادات الانتقال الديمقراطي. والمالكين الجدد للدوله ولمواردها الاساسيه ايضا… يركز الكاتب على دور اليهود الروس عبر التغلغل في كل مفاصل الدولة السابقه. والقادمه. فبوتن امه يهوديه وكذلك ميدليدف الرئيس السابق… اكثر من تسعين بالمئه من قيادات الاقتصاد الروسي والسياسيبن الروس هم يهود من جهة الام او الابوين. وهم جزء من شبكة الصهيونيه العالميه. بارتباطاتها المعلنه والسريه بامريكا واسرائيل… سيعمل يلتسين على خصخصة الاقتصاد الروسي. وتحويله لسندات ملكيه لكل الشعب الروسي. سيتحدث الكاتب عن كيفية تجميع اغلب هذه السندات لصالح هذه الفئة اليهوديه. باسعار بخسه جدا وكيف سينتج وبوقت قياسي مليارديرات يهود جدد مسيطربن على الاقتصاد الروسي الجديد والدوله الجديده وخاصة في عهد يلتسن… الذي اصطدم مع منافسيه سواء من الشيوعيين الحالمين السابقين او مع من يزاود عليه… واعتمد على اعادة الاستفاده من طاقات الدولة السابقه في تأسيس دولته الجديده. والاهم الحفاظ على مكتسباته الشخصيه كرئيس سابق. وان لا يتم التعامل معه كغورباتشوف حيث نكل به يلتسن نفسه. فكان اختياره لبوتن ليكون رئيس جهاز الاستخبارات الذي كان ضابطا سابقا به. ثم نائبا لرئيس الحكومه ثم رئيسا لها. ثم دعمه ليكون رئيسا لروسيا الاتحاديه. ويحتفظ بكل مكتسباته التي اتفق مع بوتن عليها…
.بوتن الذي عاد من المانيا ليكون اكاديميا في الجامعه في مدينة سان بطرس بورغ. ثم نائبا لحاكمها الذي كان استاذ بوتن. ثم ليلتقطه يلتسن ويدرجه في المناصب آنفة الذكر ليصل للرئاسة في روسيا ويعتلي عرش الكرملين قصر الحكم الروسي….
.بوتن الذي يحاول الكاتب ان يجعل منه بطلا في مواجهة الطبقه اليهوديه التي اكملت ملكيتها للاقتصاد والاعلام والسياسة الروسيه .وجعلت نفسها جسرا للتواصل مع الغرب بالاخص امريكا واسرائيل … والحقيقة ان بوتن عندما استلم الحكم في روسيا. وجد ان هناك طبقة رجال المال تريد ان تهيمن على الدولة والسياسه. وحاول ان يصنع معهم صفقه سياسيه اقتصاديه. فمن تجاوب معه اصبح جزء من نسيج السلطه والدولة والاقتصاد والاعلام وعلى كل المستويات. اما من لم يستجب فكان له السجن كتأديب. والبعض له القتل كما حصل مع الملياردير بوريس بروزودفسكي الهارب الى لندن والذي قيل انه وجد منتحرا هناك.!!.. المهم انه في فترة بوتن الاولى. عمل ليستقر له امر الحكم فالسلطة لاتعرف الشراكه… وللوضوح لم يكن بوتن يوما ما ضد اليهود او الصهيونيه العالميه او ضد التفاهم مع الغرب وامريكا… بل عمل لتسقر له السلطه وليدمج فيها رجال المال والاعمال والاعلام ضمن خطته ومساره. لتكون روسيا الاتحاديه وريثا للاتحاج السوفييتي السابق. ضمن محاولة صناعة قطب دولي جديد تتزعمه روسيا .في محاولة مواجهة تغول امريكا وقطبها الاحادي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. على العالم كله.. هكذا فكر بوتن…
.استلم بوتن السلطه بتخطيط من يلتسن ودعم كامل. ونجح في فترتي حكم متتاليتين استمرتا لمدة ثمانية اعوام من 2000 الى 2008. وكان همه فيها اعادة بنية الدولة وهيمنتها وهيبتها على كل القطاعات ومأسستها. وحاول ان يصنع لنفسه حضورا شخصيا سيعمل على استمراريته. حيث طوع (الاوليجاركا) طبقة رجال المال والاعمال وروضها وضبطها بايقاع السلطه وبه شخصيا. ركز على محاربة الدعوات القوميه (الانفصاليه) خاصة القفقاس وحاربها بشدة استئصاليه بعد ان وصمها بالارهاب. ودعم الدول المستقله حديثا عن الاتحاد السوفييتي وعمل على تدجينها واقامة اتفاقيات مشتركه معها. تضبط مسارها بحيث يعيد توسيع نفوذ روسيا ونجح الى حد بعيد. خطط بوتين ان يكون حاكما مطلقا ومؤبدا لروسيا. فنسق مع رئيس وزرائه ميدليدف ليكون رئيسا لفترة واحدة. ثم يعود هو للرئاسة لفترتين اخريتين هو الان في اولاها. تبادل الادوار مع ميدليدف. صنع له حزبه السياسي. هيمن شخصيا على مجلس الدوما (البرلمان) و على كل قطاعات الدوله والمجتمع. اعاد مع الطبقه السياسيه القديمه السيطرة على كل شيئ في روسيا قطاع المال والاعمال والاعلام والجيش والامن وتحكم باللعبة الديمقراطيه. بحيث اعاد عهد الاستبداد السوفييتي القديم بثوب ديمقراطي. تعامل مع الغرب الاوربي والامريكي بمنطق براغماتي مصلحي. بحيث يوسع مصالح روسيا ويوسع نفوذها كدوله عظمى لتجاوز مرحلة هيمنة امريكا كقطب واحد على العالم. توجه الى الشرق الصين والهند وصنع معهم وغيرهم تكتلا اقتصاديا (البريكس). واجه توسع نفوذ الناتو على حدود بلاده. ورفض التحاق بعض الدول به. ورفض اقتراب الاسلحة الاستراتيجيه من حدوده. كان معاديا جدا لكل الثورات الملونه المطالبه بالديمقراطيه التي اجتاحت بلاد الاتحاد السوفييتي السابق. وواجه بعضها بالعنف. كان يعتبر هذه التحركات مفتعله من امريكا واعوانها للسيطرة على الشعوب. وكان يدرك بالعمق انها قد تصل الى روسيا وتطيح به. لادراكه لديمقراطيته المزيفه. لذلك كان عنيفا في اوكرانيا. وعندما لم ينجح في اسقاط الحكم الديمقراطي البديل. لجأ الى احتلال القرم وضمها لروسيا. وهنا بدأت مواجهة مع الغرب باهظة الثمن عليه. ادت لادراج عقوبات اقتصاديه ومنها تراجع اسعار النفط المصدر الاكبر للواردات الروسيه. وتراجعت العمله بمعدل كبير ودخلت روسيا بوضع اقتصادي صعب… وعندما حصل الربيع العربي كان موقف روسيا وبوتين موقفا مشككا ثم معاديا. وخاصة بعد ان بدأ تتالي سقوط الانظمه المستبده. وتدخل امريكا وبعض الدول لاسقاط القذافي واندلاع الربيع السوري. سرعان ما انحازت روسيا مع النظام. واستعانت بالصين ضد اي موقف دولي يساعد على اسقاط النظام الاستبدادي السوري. ولبناء الدولة الديمقراطيه. فسارعت لتفشيل اي قرار دولي. وقدمت الدعم العسكري بالتوافق مع ايران لمنع سقوط نظام الاستبداد في سوريا. وتعاملت مع الوضع السوري بصفته مصلحة استراتيجيه عليا. اقترن ذلك بموقف سلبي امريكي من الثورة السوريه. وبالتوافق مع (اسرائيل) ضمنا وبصمت امريكي. ضبط ايقاع الحالة في سوريا بحيث لا يسقط النظام ولا تنتصر الثورة. وتركت الساحة ضحية صراع امتد لست سنوات للان ومازال مستمرا. وتم خلق مناخ تتواجد به القاعده التي فرخت داعش والنصره. ولم تستطع الدول الاقليميه الداعمه للنظام او الثورة ان تغير هذه المعادله على الارض. وحاولت روسيا في السنه الاخيره ان تعدل ميزان الصراع على الارض لصالح النظام السوري. بحيث تقوي اوراق مساوماته السياسيه في جنيف وابتدعت روسيا مؤتمر الاستانه لعله يكون مسارا بديلا…
.روسيا بوتين تدخلت عسكريا في سوريا قتلت وشردت الشعب السوري ودمرت سوريا. وهي تدعي انها تعمل للحل وتطرح نفسها كوسيط يريد حلا في سوريا. وتعمل مع ايران لاعادة انتاج النظام السوري وتفريغ الثورة من مطالبها بالحرية والعدالة والديمقراطيه… والمحاسبة للقتله كأهم مطلب شعبي. نجحت روسيا نسبيا في ذلك. وللان لم تعلن امريكا بادارتها الجديده موقفها من القضيه السوريه والى اي مدى سيستمر الصراع. وكيف سيكون الحل السياسي المزمع صناعته لسوريا.؟!!.
.عودة للكتاب وبوتين ينتهي الكتاب بترجمة لنص يوضح السياسة الخارجيه الروسيه وافقها. وهو ككل النصوص يحوي تعابير دبلماسيه عاجزة عن تغطية افعال روسيا ضد الشعوب سواء في اوكرانيا او سوريا وغيرهم…
.ينتهي الكتاب مؤكدا ان بوتين يجهز نفسه لولاية رابعه. وانه قيصر روسيا الجديد. وانه يخطط لاعادة روسيا ندا لامريكا لصناعة قطبية متعددة في العالم. وهو مستمر في ترسيخ دولة الاستبداد في روسيا وداعما للنظام السوري الاستبدادي المجرم…
.وللوضوح فأن الكتاب يعمل لصناعة اسطورة بوتين. والكتاب يرفض ضمنا التغيير الذي ادى لسقوط الاتحاد السوفييتي. وضد توجهات القوميات لتشكيل دولها. وضد اي عودة للهويه الدينيه والثقافيه ودمغها بالارهاب. وضد التوجهات الديمقراطيه العربيه. ومعتبرها مبررات للتيار الديني (الارهاب) للسيطرة على الدول والمجتمع. وهو يبرر لبوتين كل ما فعله بكونه بطلا يعيد مجد روسيا القيصري والسوفييتي السابق…
.كل ذلك متعاميا عما تفعله روسيا في سوريا ضد الشعب السوري ودعما للنظام الاستبدادي المجرم…
. لذلك كانت قراءتنا للكتاب جزء منها سرد لمعلومات. والجزء الاهم نقد وتحليل.. بحيث اصبحت قراءتنا تقويما اكثر منها اطلاله على الكتاب.