محسن الرملي روائي عراقي، هذا أول عمل روائي أقرأه له. الرواية عراقية ، حديثة و معاصرة للعراق في الخمسين سنه الاخيره، تبدأ الرواية من حدث قاس ومؤلم، حيث تستيقظ القرية القابعة بناسها القليلين، المنشغلين في حياتهم الريفية على تسع كرتونات موز ملقاه في ساحة البلدة، تحوي على رؤوس تسعة من ابنائها كانوا غادروا سابقا الى بغداد.
هنا تبدأ الرواية من الرؤوس رأس إبراهيم قسمه؛ و هو واحد من ثلاثة ولدوا في الخمسينيات وترعرعوا في القرية، من خلال متابعة حياتهم ندخل في عمق العراق وما مر به.
هم عبد الله كافكا ، وإبراهيم قسمه، و طارق المندهش، اولاد “شق الارض” وهي تسمية أطلقها عبد الله على نفسه في المدرسه، جوابا على سؤال معلمه له عن نفسه، أنه لقيط، ووجد بجانب شق الارض، ولا أهل له، تضامن معه رفيقيّه وقالوا انهم ابناء شق الارض ايضا.
عبد الله وابراهيم وطارق كبروا سوية حتى سن الالتحاق بالجيش ، طارق حوله والده الوجيه الثري المتنفذ لدراسة الدين ليعود للقرية إماما ولينتهي من الجيش، إبراهيم وعبد الله ذهبا للجيش كانت خدمتهم بالبصره، بعد وقت قليل ستبدأ الحرب العراقية الايرانية ويكونوا جزء من وقودها، يواجهان ويلاتها، كان إبراهيم قد تزوج قبل التحاقه بالجيش، عاد في إحدى إجازاته ليجد عنده طفلة يسميها قسمة، وهذا لقبه لأنه يقول عن كل شئ قسمه ونصيب، أما عبد الله كافكا، فقد نسب لكافكا العدمي الوجودي ،لأنه كان لا يرى معنى لأي شيء في الحياة، وكل شيء تافه في نظره، خاصة انهم حرموه ممن يحب ، فقط لانه لقيط رغم ان اسرة لا اولاد لديهم تبنته، لقد جرحوه وأعادوه لتفاهة الحياة. في الجيش طالت الحرب لسنوات بكل مآسيها، نقل عبدالله لموقع آخر ، وتنقطع اخباره ويصبح من المفقودين. انتهت الحرب وعاد إبراهيم لقريته ولزوجته وطفلته، لحياته الريفية، ويتواصل مع صديقه طارق المندهش، وذلك بسبب اندهاشه من أي شيء، ليجده صار إمام القرية ومعلم أولادها، وضع في طفلته كل آماله بدلالها وتعليمها، لم ينجب غيرها، طرحوا عليه الزواج كثيرا، لم يقبل، يعلم انه اصبح عقيما من المواد الكيماوية التي تعرض لها وقت الحرب. بعد سنتين عاد للجيش مجددا ليجد نفسه في حرب احتلال الكويت، ويجد نفسه أمام الموت والنهب، وانه واحدا من آلاف يساقون لموت فظيع، خاصة بعد تدخل القوات الأجنبية حيث عايش القيامة، القتل والدمار الجثث والجنود المذعورين والهروب الفوضوي والطائرات والقصف وملاحقة فلولهم حتى داخل العراق ، سار في طريق الموت، مع الهاربين من الكويت، تلقى قنبلة وجد نفسه بين الجثث، جاء من انقذه لكن دون قدمه ، عولج في البصرة ، ساعدته عائلة كان شارك ابنها بمحاولة الثورة التي تم القضاء عليها بالتناغم بين الأمريكان والنظام العراقي . عاد لقريته ليحصل على قدم صناعية ويجد نفسه قد أصبح عالة على عائلته، وليعيش من انتاج الارض . أما عبدالله فقد وصلت رسالة منه تقول انه أسيرا في إيران، كان الخبر عيدا عند اصدقائه وقريته، فعبد الله مازال حيا، وسرعان ما مضى الوقت ليعود عبد الله إنسانا آخر، أكثر تشاؤما وسلبية، بمضي الوقت تحدث عن أسره، وعن التعامل الوحشي من الجنود الايرانيين، القتل لأبسط سبب، السحل بالسيارات، واخيرا المعتقلات التي تحولت لمركز تعذيب، و اعادة تأهيل ، وغسل دماغ فالذي يتجاوب مع اعتقادهم عن إيران، ونائب الامام، ودولة الكفر العراق، يتحول تدريجيا ليكون السجان، ويعاد مجددا الى لجبهة ليقاتل ضد دولته، أما الذي لا يستجيب فإنه يذوق صنوف عذاب، الموت اهون منها . وهكذا حتى حضر الصليب الأحمر الى المعتقل وبعث رسالته تلك، بعد تنقلات من معتقل لأسوأ ، ليكتشف ما لايتصوره عقل عن وحشية التعامل معهم، وبعد تسعة عشر عاما يعود من الأسر لقريته، ليجد أهل القرية على ماهم عليه، اصدقاؤه يفتقدوه، وهو يزداد سوداوية وعدمية، ليجد أنه في مواجهة حقيقته الخاصة و مأساته الذاتية .كانت الخالة زينب زوجة المختار والتي تعامله كابنها قد أصيبت بالعمى وشاخت، اخبرته انه حفيدها من ابنها الكبير الذي زنا بابنة أحد الفارين اليه وهي شابة قاصرة عقليا ، وكيف انتظروا حتى يولد الطفل لينفى أبوه، وتقتل امه وتدفن، الأم التي يسمع حكايته عند قبرها .زادت سوداويته و كثر المجرمين في حياته، أباه بما فعل وجده قاتل امه والحرب والأسر ، كل ذلك أعاده لنفسه، يشرب الدخان ويتأمل وينتظر موتا تافها كالحياة. اما ابراهيم صديقه فقد ساعده طارق عبر علاقاته بالعاصمة فعمل في حدائق الرئيس مستفيدا من قدمه التي خسرها بالحرب، كان العمل بسيطا في قصور وحدائق كالجنان ضمن شروط أمن مضبوطه مع ثلاثية القرود: ﻻاسمع ﻻارى لا اتكلم، تحسن دخله واشترى سيارة لابنته التي لم تكن تقبل بحياة ابيها الفقيرة التافهة، شاهد من الجمال والترف مالا عين رأت، وتفاجأ برؤية الرئيس صدام حسين مرة يصطاد السمك من البحيرة، ثم وجود موسيقي شهير يعزف له، وكيف ينكل به لأنه تحدث عن الديمقراطية، و يقتله بسلاحه ويلقيه في البحيرة، ثم تذاع اغانيه في اليوم الثاني في التلفاز .صار الرعب يسكنه ممارأى من ترف وبذخ وبطش ورضي بحاله ، وبعد فترة غيروا عمله الى الليل حيث تأتيه في حديقة القصر جثث عليه أن يدفنها دون إظهار أي أثر ، كان العمل في البداية جحيما ولا مهرب منه قتلى بالسلاح، بالتعذيب، بالسلاح الأبيض، تأقلم مع الحالة مع الزمن، صار يتصرف مع الجثث كأهلها، يدفنها باحترام، صنفها و أرشفها وحدد موقعها، زادت الضحايا بالاﻻف صار خبيرا، جاءه معاونين، نقل بين القصور ليعلّم الآخرين، ونقل إلى مدن أخرى ليقوم بذات الدور . زوّج ابنته لضابط، وجدت ابنته بزوجها فرصة للخروج من عالم الفقر والقرية والذل … وهكذا حتى بدأ العدوان الامريكي على العراق، وقبله صارت تأتي الجثث بالمئات، وبعضها يقتل ميدانيا ويدفن بالجرافات. دخلت القوات الأمريكية وبدأ القتل والنهب. عاد لقريته، وابنته لحقت به بعد شهر، اخبرته انها فقدت زوجها قبل أشهر من العدوان، حدثته أنه من الممكن ان يكون ضحية و قتل من النظام، حدثها عن ارشفة القتلى ومدافنهم، عادت مع والدها الى بغداد لتخرج جثة زوجها، وليصبح هو قبلة لكل من له مفقود، وليقوم بدوره بإخلاص وتفاني ، ينذره صديقه طارق بأنه مطلوب لبقايا العهد السابق، كخائن للامانه ومشوه للقائد صدام، ومطلوب للامريكان وازلامهم كواحد من زمرة النظام السابق ،لم يرتدع ، اعيد راسا دون جسد ، تحرك طارق الذي تزوج “قسمه” في رحلة البحث عن الجثة، سار عبدالله معهم جزء من الطريق، لكنه عاد عندما علم ان جلال ابوه المطرود من جدّه قديما قد عاد مع الامريكان، كزعيم للمرحلة الجديدة ، الأب الذي اغتصب امّه، وسبّب قتلها، وهرب، وها هو يعود ليغتصب البلد كلها.
هنا تنتهي الرواية، وفي تحليلها نقول: إننا امام
رواية مليئة، هي دراسة نفسية اجتماعية سياسية وتاريخية تغطي مرحلة خصبة من تاريخ العراق والمنطقة . وإعطائها حقها من الاهتمام.
وبالنسبة لنا تؤكد أن الاستبداد لعنة تصيب كل جوانب الحياة بالخراب، وأن لاستمرار الاستبداد والمستبدين بالوجود وتحقيق مصالحهم ونزواتهم، يفعلون كل شيء وما لا يخطر على أذهاننا من أفعال سيئة، وتجعلنا كلنا بشرا خارج انسانيتنا، وضحايا كل الوقت.