تختلف آراء السوريين حول عودة العلاقات العربية مع النظام بحسب المناطق التي يعيشون فيها، والجهة التي تسيطر عليها، ففي مناطق سيطرة النظام، تدور المخاوف حول تفاقم القبضة الأمنية بعد القرار الذي يعده النظام انتصاراً، بينما هناك حنق وغضب في المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي يشعر سكانها بخذلانهم والتخلي عنهم رغم كل الجرائم التي ارتكبها النظام بحقهم طوال السنوات التي تلت اندلاع الثورة في 2011.
يقيم المهندس السوري فادي العمري (35 سنة) في حمص، ويقول لـ”العربي الجديد”: “لم أعد مهتماً بالأخبار السياسية، وبات أكبر همومي تأمين الطعام لأطفالي الثلاثة. سمعنا سابقاً أخبار كسر العزلة، لكن الأمور كانت تزداد سوءاً بعدها، حتى تجاوز سعر الدولار 8500 ليرة. القرارات المهمة هي التي تنعكس على الشعب بشكل مباشر، وأتمنى أن تعود الليرة السورية إلى سابق عهدها بعد العودة إلى الجامعة العربية، وأن يتحسن الوضع الاقتصادي مع نشاط الحركة التجارية مع دول الجوار. أما في حال حصل التقارب ولم تتحسن الأحوال، فأنا كمهندس سأبحث عن فرصة للسفر لتحصيل فرصة عمل وحياة أفضل من المتاح في سورية”.
يعيش المدرس الأربعيني سامي الفرج في دمشق، ويقول لـ”العربي الجديد”: “لا أعتقد أنني كمواطن سأحظى بحياة كريمة بعودة سورية إلى الجامعة العربية، ولا أظن أن شيئاً سيتغير إلى الأفضل، بل أخشى من تشديد القبضة الأمنية، فتراجع تلك الدول عن مواقفها سيمنح النظام السوري شعوراً بنشوة الانتصار، وبأنه كان على حق في آلية تعامله مع السوريين طوال السنوات العشر الماضية”.
ويرى أحد تجار مدينة دمشق، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن قرار عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية كان مُتوقعاً لدى غالبية الناس، ويضيف لـ”العربي الجديد”: “كمواطنين، لن ينعكس علينا هذا التقارب، فهذا القرار إعلامي فقط حتى الآن، وربما لن تنتج عنه أية فوائد مادية أو معنوية، وعلى العكس، لاحظنا زيادة الضغوط المعيشية، وغلاء فاحشاً، وتراجعاً في مستوى كل الخدمات”.
يعمل أحمد حسون سائقاً عمومياً في مدينة دمشق، ويقول لـ”العربي الجديد”: “الفائدة الوحيدة التي شعرت بها منذ بدأ التقارب العربي كانت إزالة بعض الحواجز من قلب العاصمة. أملي أن يؤدي القرار إلى كف يد الأجهزة الأمنية، وتراجع الابتزاز الذي يعاني منه كل السكان”.
يخشى سكان جنوب سورية من تصعيد أمني وعسكري جديد للنظام
في محافظة درعا، يخشى المدرس محمد الحوراني، المقيم في بلدة داعل، أن يتمادى النظام في قمع المواطنين، مشيراً إلى أن “سكان محافظة درعا يترقبون إعادة تمركز الأجهزة الأمنية، وأن يرافق ذلك تزايد أعمال العنف، والتسلط على المواطنين، وربما لن يتغير شيء سوى تصاعد العنف”.
من درعا أيضاً، يقول الناشط عماد العشعوش لـ”العربي الجديد”: “انتظرنا أن نرى خطوات سورية تنعكس إيجاباً على الشعب في مقابل هذه العودة، أو خطوات تحد من القبضة الأمنية والفساد المستشري في مؤسسات الدولة، أو تتعلق بعودة آمنة للنازحين، والإفراج عن المعتقلين؛ لكن ما نراه على أرض الواقع أن النظام يزداد تعنتاً، وسيتراجع عن أي وعود قدمها للعرب. عودة النظام إلى الحضن العربي لن تقدم أية حلول لإعادة إعمار سورية، أو تثمر أي تحسن في الوضع المعيشي، فهي مجرد خطوة سياسية يستفيد منها النظام مؤقتاً، وعلى الأغلب لن تدوم”.
ويقول الطالب الجامعي محمود الرشيد: “إذا أردنا أن نكون منصفين، فمشكلتنا في سورية ليست العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة على البلاد، وبالتالي، فإن كسر هذه العزلة ليس مهماً، ربما يزيد من امتيازات بعض الشرائح على حساب الشعب، فالتجار والصناعيون سيجدون ممراً لبضائعهم كمثال. لم أقتنع يوماً بأن فقدان المواد الغذائية الأساسية كان سببه الحصار والعقوبات السياسية، إذ كان التاجر وابن المسؤول يتمكن من شراء أحدث موديلات السيارات وأحدث الهواتف المحمولة وإدخالها إلى البلاد، فكيف لا يمكن للدولة إدخال المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية من حدودنا مع لبنان أو العراق المفتوحة، والتي لم تتأثر بأية عقوبات”.
ويتسائل رشيد: “هل استفادت سورية من التقارب مع روسيا وإيران والصين؟ هذا التقارب كان على أعلى المستويات، لكنه لم يوفر للشعب ما يعينه على مواجهة ظروف الحياة، أو يدعم الاقتصاد، فالدعم الأكبر كان سياسياً، ودفعت سورية ثمنه باهظاً عبر الاستثمارات التي حازتها تلك الدول”.
في مناطق شمال غرب سورية، قابل الأهالي التصريحات والأخبار الواردة من اجتماع وزراء الخارجية العرب بردود أفعال بالغة التفاوت، فهناك الساخرون منها، وهناك المتخوفون من تبعاتها.
يقول الناشط محمد العمر (38 سنة)، لـ”العربي الجديد”: “لم تتغير المعادلة بشكل كبير، فما كان قائماً في السر أصبح اليوم في العلن، وربما هذا هو التغير الوحيد الذي تمكن ملاحظته، فأغلب تلك الدول كانت لديها علاقات أمنية مستمرة مع النظام السوري، ومؤخراً باتت الاجتماعات السرية تظهر للعلن، وتحولت من اجتماعات أمنية لاجتماعات دبلوماسية. نخشى من الوصول إلى تفاهمات جديدة تقضي بفتح الطرق بين الشمال السوري ومناطق سيطرة النظام، ما يعني ارتفاع أسعار البضائع في مناطق سيطرة المعارضة، الواقع أن الأحوال المعيشية في مناطق الشمال السوري صعبة للغاية، ولم يعد بمقدور الأهالي تحمل زيادات أخرى في الأسعار”.
تتفق الغالبية على أن عودة النظام إلى شغل المقعد السوري في الجامعة العربية لن يغير من طبيعته، ويرى كثيرون أنها خذلان جديد للشعب السوري، في حين تتباين الآراء حول انعكاساتها على حياة المدنيين، وعلى الضائقة الاقتصادية المحتدمة، وكذا الأوضاع الأمنية.
يتوقع سكان الشمال السوري تقارب النظام مع تركيا على حسابهم
يرى مصطفى المسعود، وهو فني كهرباء في الخمسين من عمره، أن “التصريحات السياسية العربية على مدار السنوات العشر الماضية لم تكن سوى جرعة مخدر للشعوب، ولم نحصد أية ثمار من الناحية العسكرية، حتى إن الجرائم الكبرى التي ارتكبها النظام، وأقر بها المجتمع الدولي، بما فيها القصف بالكيماوي، لم تقابل إلا بتصريحات، ولم يتمكن أصحاب تلك التصريحات من إدخال علبة حليب لطفل جائع أثناء حصار مضايا، أو داريا. التقارب لن يغير المعادلة السياسية أو الاقتصادية كثيراً، فغياب نظام الأسد عن الجامعة العربية لم يضعف هيمنته العسكرية، وعودته إليها لن تضعف من شوكة فصائل المعارضة التي لم تكسب كثيراً من العقوبات الاقتصادية ولا العسكرية على النظام، ولن تخسر في حال عودتها لأنها كانت عقوبات وهمية”.
يعيش المدرس سعيد الرجب (40 سنة) في إدلب، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أخشى أن يستمر تقديم التنازلات للنظام السوري، وأن يكون للجانب التركي دور فيها بهدف تأمين حدوده في مناطق سيطرة (قسد) عن طريق قوات النظام في مقابل إطلاق يد النظام بمناطق ريف إدلب. إن حدث هذا، فستكون كارثة، فلم نعد قادرين على احتمال نزوح جديد”.
في مناطق شمال شرقي سورية، يبدو الأمر مختلفاً، فوجود القواعد الأميركية يمنح ضمانة أكبر للأهالي، لكن المخاوف لا تزال قائمة لدى بعض من تحدثنا معهم. يقول سيبان شيار (45 سنة)، وهو محام من الحسكة، لـ”العربي الجديد”، إن “تقارب النظام مع الدول العربية لم يكن وليدة اللحظة، لكن القائمين عليه وجدوا في كارثة الزلزال ظرفاً مناسباً للتوسع في العلاقات. أتخوف من توغل نظام الأسد في مناطق شمال شرقي سورية بعد التقارب مع تركيا. لا يمكن أن ننسى الجرائم التي ارتكبها النظام بحق أبناء المنطقة، وعودته إليها بغطاء دولي قد تجعله يسعى للانتقام عبر زج المعارضين في السجون، أو إعدامهم بأحكام جائرة”.
يختلف التاجر الخمسيني ثائر عز الدين مع كثير من الرؤى السابقة، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن “التقارب العربي قد يمنح الشعب متنفساً، وقد يمكن الأهالي من استثمار حقولهم بشكل أفضل في حال توفرت طرق لتصريف المزروعات، خاصة القمح والقطن، وقد يساهم التقارب في دخول مستثمرين جدد يساهمون في إعادة الإعمار، ولو بشكل جزئي، ما يعني خلق فرص عمل جديدة”.
المصدر: العربي الجديد