تتسارع الخطوات لاتخاذ قرار عربي بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، قبل انعقاد القمة العربية في السعودية يوم 19 من الشهر الحالي، واحتمال دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة، في حال اتخذ قرار في الاجتماع الوزاري العربي الاستثنائي في القاهرة، يوم الأحد 7 مايو/أيار الحالي، خصوصاً وسط تنامي عدد الدول الداعمة لرفع قرار تجميد العضوية الذي اتخذ نهاية عام 2011.
نعرض هنا مراحل التطبيع العربي، وننشر مسودة الورقة الأردنية، ومقاربة “خطوة مقابل خطوة”، وبعض ما جرى في الاجتماع الوزاري الخماسي في عمّان واتصالات عربية وغربية أخرى:
استأنفت دول عربية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق نهاية 2018، لأسباب كثيرة، بينها القبول بالأمر الواقع ومواجهة النفوذين الإيراني والتركي، أو التعاطي مع دمشق بناء على رغبات موسكو أو إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ألغى في ذلك العام برنامجا سريا لتسليح المعارضة السورية جنوب سوريا وشمالها، ووافق على صفقة أردنية– روسية– أميركية للتخلي عن المعارضة في الجنوب السوري وعودة قوات الحكومة.
الورقة الأردنية
كان الأردن بين الدول التي تتعجل التطبيع مع دمشق، وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من أوائل القادة العرب الذين تواصلوا مع الأسد، لأسباب كثيرة بينها عبء اللاجئين السوريين والجوار الغربي وتدفق الكبتاغون والمخدرات والسلاح عبر الحدود، إضافة إلى القلق من تنامي الدور الإيراني قرب حدوده.
في 2021، أعدت الحكومة الأردنية ورقة رسمية، تضمنت تصورها للحل السوري، جرت مشاركتها ومناقشتها في اجتماعات منفصلة مع الرئيسين الأميركي بايدن والروسي فلاديمير بوتين. وتضمنت هذه الورقة، التي حصلت “المجلة” على نسخة منها، قراءة للواقع السوري وتقديم مقاربة “خطوة مقابل خطوة”. وجرى لاحقا إجراء بعض التعديلات في الورقة للتكيف مع التطورات، لكنها لا تزال تعكس التفكير الأردني ومقاربة بعض الدول العربية إزاء الموضوع السوري.
وتقول الورقة إنه بعد مرور 12 سنة منذ اندلاع الأزمة السورية “تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذو مغزى على هذا المسار؛ فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم”.
وتشير الورقة إلى أن النهج الراهن يزيد معاناة السوريين وتمدد “داعش” كما أنه يسمح بأن “تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها”..
حوافز
وتقترح الورقة “مقاربة تستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك دمشق مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين”، بما يتضمن “وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254، وتوفير الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل، والسعى إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا، والاتفاق على آلية لإشراك النظام (الحكومة) في سوريا”.
وفق هذه المقاربة، سيتم تحديد “العروض” المقدمة إلى دمشق مقابل “المطالب” منه، مع أن ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية ثم الأمور السياسية، مع “المشاركة المباشرة من مجموعة دول عربية مما يساهم في رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية”.
الجدول الزمني
تضمنت الورقة جدولا زمنياً لافتاً بالخطوات المطلوبة من دمشق والأخرى المعروضة عربيا، إذ تطالب الحكومة السورية بـ”ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا وتوفير البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم”.
وفي المقابل، تغري الدول دمشق بمساعدات إضافية وتمويل مشاريع “التعافي المبكر” ومرور المساعدات عبر دمشق.
واقع الحال، أن بعض هذه الأمور تحقق، خصوصاً بعد الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا وجنوب شرقي تركيا، إذ فتحت دمشق معبرين إضافيين مع تركيا، قبل قيام دول غربية بتقديم استثناءات من العقوبات الأميركية والغربية على تمويل المتضررين من الزلزال.
ويتناول البرنامج التفصيلي للورقة، البعد السياسي الذي يتضمن “المشاركة الإيجابية” من دمشق، بتنفيذ القرار 2254 وعمل اللجنة الدستورية السورية والإفراج عن سجناء ومعتقلين وتحديد مصير مفقودين وإجراء انتخابات “تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة”.
وفي المقابل، فان الدول العربية والغربية تعرض “التخفيف التدريجي” للعقوبات ثم رفعها بما في ذلك على المصرف المركزي والمؤسسات الحكومية، واستعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية و”تسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية”.
كما يتناول البرنامج في المرحلة الأخرى، تعاونا ضد “داعش” وتبادل المعلومات الأمنية و”وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا”، وصولا إلى المرحلة ما قبل الأخيرة التي تشمل “إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، والتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد”.
أما في المرحلة الأخيرة، التي لم يتم تحدد موعدها في هذه الورقة، فيُتوقع أن يجري “انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما قبل العام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف”. وفي المقابل يتم “فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا”.
الدور العربي
تغيرت أمور كثيرة منذ كتابة هذه الورقة، وجرى تعديلها، بحيث تعكس التطورات السورية والإقليمية والدولية، لكنها لا تزال تعكس في بعض جوانبها تفكير بعض الأطراف. وكان من بين التطورات الاتفاق السعودي– الإيراني برعاية صينية وانفجار الأزمة الأوكرانية ومنعكساتها على سوريا والمنطقة العربية وانفجار الوضع في السودان، إضافة إلى إطلاق موسكو مسارا للتطبيع بين دمشق وأنقرة بمشاركة روسية– إيرانية.
في خضم كل ذلك حصل تطور لافت تمثل في الدور السعودي. وبعد اتصالات عدة بعضها غير معلن، زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد جدة، وتضمنت الزيارة الاتفاق على استئناف الأعمال القنصلية، ثم عقد اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والعراق، قبل أن يقوم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة دمشق للقاء الأسد يوم 18 أبريل/نيسان، في أرفع زيارة سعودية منذ بدء الاحتجاجات والأزمة في سوريا عام 2011.
في هذا اللقاء، جرت مناقشة “الجهود المبذولة للتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية، يحافظ على وحدة سوريا، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق”، حسب وكالة الأنباء الرسمية السعودية، إضافة إلى بحث “الخطوات اللازمة لتسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.
كما جرى تأكيد سعودي على أهمية “توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية”.
.
خريطة طريق
في موازاة ذلك، كان يجري العمل على “خريطة طريق” عربية– سورية للعمل في المرحلة المقبلة، تتضمن سلسلة خطوات مشتركة للمساهمة في حل الأزمة السورية واستئناف العلاقات وعودة سوريا إلى دورها، بما يساهم في توفير الإجماع العربي على عودة دمشق إلى الجامعة العربية وتخفيف الاعتراض الغربي على هذا المسار.
عليه عُقد اجتماع خماسي لوزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا في العاصمة الأردنية بداية الشهر الجاري لمتابعة نتائج اجتماع جدة. وحسب المعلومات المتوفرة، فإن نقاشات كثيرة جرت حول عناصر مهمة قبل إقرار البيان– الخريطة، بينها الإشارة إلى القرار الدولي 2254 وآلية التنفيذ والدول المشاركة في لجان المتابعة ومستواها، وما إذا كان الأمر يتطلب وضع جدول زمني بين 4 و6 شهور لدمشق كي تنفذ الوارد في هذه الخريطة، قبل العودة إلى الجامعة العربية.
أشار الجانب السوري إلى العفو الخاص عن المعتقلين العام الماضي و”المبادرة” بفتح معبرين للمساعدات الإنسانية بين شمال سوريا وتركيا، فيما تمسك وزراء عرب بضرورة ذكر القرار الدولي 2254 وتشكيل لجان لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.
انتهى النقاش الوزاري، الذي تضمن اجتماعا رباعيا ثم خماسيا بمشاركة المقداد، إلى صدور بيان كانت لغته لافتة، وخلاصة تدخل ووساطات كثير من الدول العربية مع دمشق، إذ إنه تضمن كثيراً من العناصر والبنود التي كانت تعترض عليها الحكومة السورية، بينها تأييد مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، و”إجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل للأزمة في سوريا ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254 ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية. حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويلبي طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب، ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين، يفضي إلى خروج جميع القوات الأجنبية غير المشروعة منها، وبما يحقق المصالحة الوطنية، ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها وعافيتها ودورها”.
كما اتفق الوزراء على “تشكيل فريق فني على مستوى الخبراء يضم سوريا والأردن والعراق لمتابعة تنفيذ مخرجات الاجتماع الوزاري، وفق جدول زمني يتفق عليه، وبما يتكامل مع كل الجهود الأممية”، مع التأكيد على أن “العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم أولوية قصوى، ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً”، و”تعزيز التعاون لدفع جهود تبادل المختطفين والموقوفين والبحث عن المفقودين وفق نهج مدروس”، و”تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الإتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية مع دول الجوار”، و”التوافق على خطوات فاعلة لمعالجة التحديات الأمنية المرتبطة بأمن الحدود، عبر إنشاء آليات تنسيق فعالة بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها في الدول المجاورة”.
وبعد الاجتماع اتصل وزراء خارجية عرب مع نظرائهم في دول عربية أخرى، لإطلاعهم على نتائج الاجتماع وتوسيع دائرة المؤيدين لعودة سوريا إلى الجامعة، ورفع الاعتراض بدرجات وأسباب مختلفة من قطر والكويت والمغرب خلال مناقشات وزراء الخارجية العرب بعد غد الأحد.
كما استغل وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصاله مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن للحديث عن السودان، كي ينقل له مضمون محادثات مؤتمر عمّان، فيما اتصل بلينكن بنظيره الأردني أيمن الصفدي، للقول إن واشنطن “لن تطبّع علاقاتها مع نظام الأسد، كما أنها لا تدعم قيام الدول الأخرى بتطبيع علاقاتها مع النظام قبل تحقيق تقدم سياسي حقيقي تيسره الأمم المتحدة ويتسق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، مؤكدا أهمية التنسيق مع المبعوث الأممي غير بيدرسون، لأن القرار 2254 هو “الحل الوحيد القابل للحياة لإنهاء الحرب”.
ويقرأ كثير من الأطراف العربية موقف إدارة الرئيس بايدن على أنها “لم تعد تضع ثقلها السياسي كي تعرقل التطبيع”، لكنها تريد من الدول العربية أن تحصل على “ثمن” من التطبيع، سواء كان يخص أمورا ثنائية مثل المخدرات أو اللاجئين أو الإرهاب، أو جماعية يخص التسوية السياسية والمحاسبة وأن يكون هناك تنسيق مشترك بين “جميع المبادرات” نحو دمشق، يسهل عليها المهمة أمام ضغوط الكونغرس التي تسير باتجاه تمديد “قانون قيصر” العام المقبل، وإقرار “قانون الكبتاغون” بعقوبات شديدة. ضمن هذا السياق، جرت محاولات عربية مع دمشق سهلت عقد حوار سوري– أميركي في سلطنة عُمان في الأسابيع الماضية تناول مصير الصحافي الأميركي المفقود في سوريا أوستن تايس.
المصدر: المجلة