يؤرشف سامي شرف في مذكراته اللقاء الذي جمع الرئيس جمال عبد الناصر مع اليساري الشيوعي فؤاد مرسي، وفي هذا اللقاء دار حوار أو حديث بادر فيه الرئيس عبد الناصر بقوله:
” أننا نمر بمرحلة تعاد فيها صياغة المجتمع، وهناك ضوابط بالنسبة للمجتمع المصري وبالنسبة للتطبيق الاشتراكي، ولا يمكن أن نطبق الماركسية في مصر؛ لأن لدينا ما يحول دون ذلك، ومن ناحية المبدأ نحن لا نأخذ أقوالا ونطبقها؛ لأن الذي يطبق النظم هم البشر، ولا أستطيع أن أضع البشر الذين يصوغون التجربة عمليا في قوالب جامدة، فلنا تجربتنا الخاصة المختلفة والمتميزة والفوارق جوهرية بين النظرية الماركسية والتطبيق الذي نمارسه لاشتراكيتنا وهو على سبيل التحديد كما يلي:
إن اشتراكيتنا تستند في أساسها وتطبيقاتها على القيم الروحية، وتلتزم بما نادت به رسالات السماء، وعلى سبيل المثال تأخذ اشتراكيتنا بنظام الإرث، وهو ما ترفضه الماركسية.
إن اشتراكيتنا تؤمن بتذويب الفوارق بين الطبقات سلميا، ولا تأخذ بأسلوب الصراع والعنف، فهي تصفى امتيازات ونفوذ الإقطاع والرأسمالية المستغلة، ولا تصفى الإنسان إنما تحرره من الاستغلال.
إن اشتراكيتنا تحترم إنسانية الإنسان، وتتيح له فرصة الحياة الكريمة، ولا تنظر إليه كترس في آلة، وإنما ما عليه من واجبات، وهي في الوقت نفسه ترفض الأخذ بالماركسية التي تضحى بأجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة.
إن اشتراكيتنا تؤمن بسيطرة الشعب على وسائل الإنتاج والهياكل الرئيسية له، وفى الوقت نفسه تتيح قدرا من المشاركة لنشاط القطاع الخاص تحت الرقابة الشعبية، فلا تأخذ بالتأميم في كل جزئيات الإنتاج كما هو الحال في النظم الشيوعية.
الرأسمالية غير المستغلة جزء أساسي من تحالف قوى الشعب العامل.
إن اشتراكيتنا تعطى القيادة ديموقراطيا لتحالف قوى الشعب العامل (العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية غير المستغلة)، وترفض أن تقوم سلطة الدولة على ديكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العاملة).
إن اشتراكيتنا في التوزيع تقوم على مبدأ كل بقدر إنتاجه وعمله، وليس بقدر حاجته، وفى هذا تكريم للعمل وإثارة لحوافز الإنتاج، بعكس الماركسية التي تطبق مبدأ لكل حسب حاجته.
إن اشتراكيتنا لم تأخذ بتأميم ملكية الأرض، وإنما آمنت بالملكية الخاصة في قطاع الزراعة، وبما لا يسمح بالاستغلال عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة بمقتضى قوانين الإصلاح الزراعي، وزيادة عدد الملاك من صغار المعدمين من الفلاحين.
إن اشتراكيتنا هي بيت سعيد لكل أسرة يقوم على القادرين أي المهيئين للعمل رجالا ونساء، مجتمع الرفاهية، مجتمع تكافؤ الفرص، مجتمع العدالة الاجتماعية.
إن اشتراكيتنا هدفها مجتمع الكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع، مجتمع الكفاية والعدل
نحن نؤمن بالله وكتبه ورسله، وديننا واضح، ونحن نتمسك بهذا الدين.
ثم قام الرئيس بشرح الفروق في التطبيق وبين ما يحدث في الكتلة الشرقية.
كان الدكتور فؤاد مرسى واضحا وصريحا في رد فعله على كلام الرئيس عبد الناصر، فقال (وأنا أذكر تماما نص كلامه):
” يا سيادة الريس أنت بإصدارك القوانين الاشتراكية تجاوزت كل ما كنا نطمع في تحقيقه، ولو تلاحظ سيادتك أننا في النشرات الأخيرة حاولنا أن نواكب التجربة التي تطبقها؛ لأن نظرتنا كانت قاصرة منذ سنة 1952 حتى صدور القوانين الاشتراكية سنة1961، وما واكبها وصاحبها من تطبيق، الحقيقة يا ريس كان على عيوننا منظار أسود، كنا متأثرين بأن الحكم العسكري لن يستطيع أن يحقق التحول الاجتماعي في مصر بالأسلوب الذي تقوم به وتعلن عنه”.
ورد عليه الرئيس قائلا إنه يرى أن القوة القادرة على إحداث التغيير في المجتمع من أجل مصر يجب أن تضع أيديها معا في ظل الشرعية، وفى ظل إطار قانوني، وفى ظل مبادئ يسلمون بها، وفى ظل قواعد متفق عليها، ومن المصلحة أن تلتقي كل الآراء من أجل الوصول إلى التغيير.
وأضاف الرئيس عبد الناصر بقوله:” يا دكتور فؤاد أنا أطرح عليك رأيا لتفكر فيه، وهو غير ملزم، كل ما أطلبه منك إنك تفكر، وعندما تصل إلى قناعة أو إلى قرار، فإن بابي مفتوح لك لنتناقش فيما وصلت إليه؛ والموضوع باختصار شديد هو أن تنضم العناصر اليسارية في الساحة المصرية إلى تحالف قوى الشعب العامل بشكل أو بآخر.. فكروا.. وقدموا مقترحاتكم.. “.
وانتهى اللقاء عند هذا الحد من الحديث.