أشارت دراسة قام بها باحثون سوريون إلى أن النظام السوري استعمل تنظيم «داعش» في السويداء جنوب البلاد للضغط على الدروز في وقت رفض أبناؤهم المشاركة في الخدمة العسكرية بعد تحول الاحتجاجات في 2011 إلى عمل مسلح.
وميزت الدراسة «بين توظيف وجود (داعش) المثبت بكلّ الحالات، وبين التوظيف بالتنسيق، وهي حالاتٌ مثبتة بالأدلّة». وقالت، إن السلطة الأسد «وظفت وجود (داعش) في محافظة السويداء عبر إخافة مجتمع السويداء بإفلات توحّش (داعش)».
وصدرت عن «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونيّة»، و«مركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة»، دراسة على شكل كتابٍ، بعنوان «التوظيف في الصراعات الضدّيّة: سلطة الأسد» و«تنظيم داعش في محافظة السويداء»، للباحثين يوسف فخر الدين وهمام الخطيب، وراجعها المحامي أنور البني.
بيّنت الدراسة، أنّ إطلاق السلطة «المتطرفين وقادتهم من سجونها وشت منذ البداية بأنّها ستوظّف وجودهم لتخريب الثورة، وإرهاب السوريين، وابتزاز العالم لإعادة تفويضها بحكم سوريا على أنّها خيارٌ أقلّ سوءاً منهم. وعلاقة سلطة الأسد بـ«(داعش) في محافظة السويداء لم تكن استثناءً في خريطة الصراع على الأراضي السورية».
وأوضحت الدراسة، أنّه بعد أحداث عام 2000 التي أطلقت السلطة عليها «أحداث البدو للإمعان في إدارة الفتنة وتأجيجها بين الدروز والبدو، تجدّد العداء بين الفريقين (البدو والحضر)، لكنّه أخذ طور الكمون، وبينما حاولت فاعليّاتٌ اجتماعيّة من كلا الطرفين جسر الهوّة، استمرّت الأجهزة الأمنيّة، مباشرة أو عبر مرتبطين بها، في تكريس هذه الهوّة للاستثمار فيها بناءً على سياسة (فرّق تسد)، من دون وقوع أحداثٍ تذكر حتى عام 2011» وأنه «بعد انطلاق الثورة في 2011، اعتمد رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء، العميد وفيق ناصر، على مجموعة من البدو والدروز والحوارنة، اعتماداً مركزيّاً لافتعال الأزمات داخل محافظة السويداء ومع جارتها درعا، حيث توزّعت هذه المجموعة بقيادة جامل البلعاس المقرّب من وفيق ناصر والمدار من قبله؛ فانخرط بعض عناصرها في الجيش الحرّ والمفضوحون منهم بقوا على علاقاتهم مع النظام من دون تستّر، وآخرون تعاونوا مع (جبهة النصرة). وعند ظهور (داعش) انتمى بعض عناصرها من البدو إليه وبايعوه وأصبحوا قادة في صفوفه».
استعرضت الدراسة الحراك المجتمعي في محافظة السويداء وأبرز محطّاته؛ حيث بيّنت «كيف تفاعلت محافظة السويداء مع الثورة السورية كباقي المحافظات في سوريا؛ فأصبحت (المضافات) فيها (صالونات) للحديث عن الشأن العامّ، واختلفت الآراء بين مؤيّدٍ للحراك ورافضٍ له ومشترطٍ عليه. وسرعان ما انطلقت الاحتجاجات في المحافظة، إلّا أنّها أخذت طابع النخبويّة. ولم تشهد السويداء احتجاجاتٍ شعبيّة واسعة، باستثناء مظاهرات تشييع الشهداء، ولا سيما المظاهرة التي خرجت في تشييع الشيخ وحيد البلعوس، قائد حركة (مشايخ الكرامة)». وقد طُرِحت في البداية شعاراتٌ في إطار الإصلاح السياسي من قبيل: رفع حالة الطوارئ، وإلغاء الأحكام العرفيّة، والحقّ في تداول السلطة، وكفّ يد الأجهزة الأمنيّة… ثمّ ارتفع سقف تلك الشعارات بفعل قمع السلطة الأمنيّة وعدم تجاوبها مع مطالب المحتجّين، فأصبحت تتناول رأس النظام، ورُفع شعار «إسقاط النظام»، ثمّ «إعدام الرئيس»، وهو ما ينطبق على جميع المناطق السورية التي شهدت احتجاجات. وعرّجت الدراسة على النشاط النقابي في إطار الثورة، ولا سيما نشاط المحامين الأحرار، كما وقفت على الاحتجاجات ذات الطابع المطلبي وأبرز الحملات المطلبيّة. كما أشارت إلى ظهور حركة «مشايخ الكرامة»؛ ذلك أن «السلطة، وإن لم تكن راضية عنها إلّا أنّها كانت تحاول ألّا تصل إلى التصادم العنيف المباشر معها طالما (الحركة) تنشدّ إلى البنية الطائفيّة في المحافظة، فتراعي المؤسّسة الدينيّة الرسميّة الممسوكة من السلطة، وتكرّس موضوعيّاً الانقسامات الطائفيّة، وتعجز عن إنتاج بناءٍ وطني ديمقراطي يجمع السوريين ولو تراكميّاً عبر رحلة آلامهم. وبيّنت الدراسة كيف أنّ سلطة الأسد تخلصت من قائد (الحركة) عندما حاول الخروج من المحلّي إلى الوطني والالتقاء مع المعارضة في منتصف الطريق».
واستعرضت الدراسة وجود «التنظيم» وتمدّده في بادية السويداء وتعامله مع عشائر البدو القاطنين فيها، وتوقعت عند «معركة الحقف» في 19 مايو (أيار) 2015 و«شقا» في 3 يوليو (تموز) 2015، ثم «الأربعاء الأسود» في 25 يوليو 2018، حيث قتل 254 شخصاً من أبناء محافظة السويداء، وضحيّتين من النازحين إليها، وخمس ضحايا من مقاتلي الفزعة من جرمانا وحضر في ريف دمشق.
وميزت الدراسة «بين توظيف وجود (داعش) المثبت بكلّ الحالات، وبين التوظيف بالتنسيق، وهي حالاتٌ مثبتة بالأدلّة». وقالت إن السلطة الأسد «وظفت وجود (داعش) في محافظة السويداء عبر إخافة مجتمع السويداء بإفلات توحّش (داعش)، ومن ثم استثمار وجوده لإخماد حركات الاحتجاج في المجتمع واستنزاف قوة الفصائل الأهليّة فيه بهجمات التنظيم، إضافة إلى استثمار السلطة وجود التنظيم في ضرب فصائل المعارضة المسلّحة في محافظة درعا، وقبلها في محافظة ريف دمشق». ومما عدّته الدراسة تنسيقاً بين السلطة والتنظيم هو إمداد سلطة الأسد لـ«داعش» بالسلاح عبر ميليشياتها والمهرّبين المرتبطين بها، وجعل محافظات الجنوب السوري سوقاً للمحروقات التي يستخرجها التنظيم يدويّاً وهو ما مدّ شريان حياة للتنظيم، إضافة إلى غضّ النظر عن تمدّد «داعش» في بادية السويداء.
المصدر: الشرق الأوسط